اليمن وقطار الوساطة الصيني

خلطت الوساطة الصينية الناجحة بين السعودية وإيران، أوراق اليمنيين أكثر مما هي مبعثرة، وقبل أيام من دخول الحرب عامها التاسع، تحوّل نصف السكان إلى محللين سياسيين يدرسون مآلات ويقرأن السيناريوهات المستقبلية، والنصف الآخر، يخترعون أخبارا مضللة، تزعم أن الصين قد أعلنت رسميا الأزمة اليمنية، هي المحطة التالية لقطار الوساطة الخارق.


لدى اليمنيين إيمان مطلق بالقدرات الصينية المذهلة، وقناعة بأن الدولة التي أنتجت كل ما يخطر على بال بشر، بما في ذلك المعاوز، قادرة على ابتكار وتصدير مبادرة حل تنهي معاناة 30 مليون نسمة، حتى ولو استدعى الأمر أن تُنجز المهمة خلال نصف شهر، وليس خمسة أيام، كما حصل في الوساطة بين الرياض وطهران.


أن يكون العام الثامن هو السنة الأخيرة حرب، هذا طموح مشروع للمواطن اليمني المنهك، وأمنية طال انتظارها، لكن رياح السياسة دائما تأتي بما لا يشتهي الناس، وما تحقق للسعودية وإيران في غمضة عين، لن يكون سهل المنال في بلد منحوس ومعجون بالأزمات اسمه اليمن.


علاوة على وجود ورم خبيث ينتشر في جغرافيا واسعة من الجسد اليمني ويهدد أي تدخلات ومبادرات، يحتل اليمن، المرتبة الأخيرة أو ما بعدها، بالنسبة للاهتمامات الصينية، وليس هناك أية مغريات تدفع الصين لنجدتنا بشكل مباشر، كما فعلت مع السعودية وإيران، اثنان من أهم وأكبر خزانات النفط في العالم.


اقتصاديا، كانت الصين، وغيرها من القوى الأسيوية، من أبخل المانحين للاستجابة الإنسانية وغيرها من الأزمات التي عاصرناها على مدار ثمان سنوات، وسياسيا، انخرطت بكين بشكل غير مباشر في جهود المجتمع الدولي، ضمن الدول الخمس الكبرى، والدول الـ18 الراعية للعملية السياسية، وليس هناك ما يدفعها للمغامرة وتقديم وساطة مباشرة.


كيف يمكن إقناع الصين أن تهب لنجدتنا وتعقد وساطة خاصة خلال خمسة أيام، وهي التي تعرف، أن ثمان سنوات من الوساطات الأممية والدولية لم تنجح في إقناع المليشيات الحوثية بفك الحصار عن تعز، أو كشف مصير السياسي المخضرم، محمد قحطان.


كيف يمكن إقناع مليشيات تفاخر بقدرتها على خوض حرب مدمرة 11 عاما إضافية، بأهمية الزمن، وأن الوقت قد حان لمراجعة الحسابات، والاعتذار عن الأخطاء المدمرة.


ثمان سنوات، لم تفلح فيها جهود كافة المنظمات وأربعة مبعوثين أممين، في إقناع المليشيات الحوثية بإلغاء عقوبة الإعدام عن صحفيين عُزّل والإفراج عنهم، فكيف سيكون الحال عندما يكون الطلب متعلق بوقف الحرب بأكملها والانخراط في عملية سياسية، أو التراجع عن ما حصل من تجريف للوظيفة والمنهج المدرسي، والتخلي عن الأفكار الخرافية القائمة على الحق الإلهي.


مصاب اليمن جلل، والغمة ستنزاح عندما تتخلى المليشيات عن عقلية العصابات، ومنطق القوة، وبدون ذلك لن يأتي السلام لليمن، حتى ولو تدخلت الكرة الأرضية وليس الصين فحسب.


*المقال خاص بالمصدر أونلاين.