لماذا تقاتل مأرب وحيدة!
تركت السعودية المعركة مع الحوثيين باكرا و تفرغت تدريجيا لمهمة تمكين الانتقالي سياسيا بعد أن نجحت الإمارات في تمكينه على الأرض بالسيطرة على عدة مدن جنوبية، وهكذا تبدو مهمتها في شمال اليمن وعلى الجبهات المفتوحة مع الحوثي قد انتهت فعليا بصورة أو بأخرى، فيما تنهمك بكيفية إخراج المشهد الانقلابي في الجنوب وتقاسم المصالح والمكاسب مع الإمارات.
نظرة خاطفة على امتداد الشريط الناري في الحدود بين اليمن والسعودية الذي ظل مشتعلا لسنوات، تعطي انطباعا مغايرا عما كان يدور في المنطقة، تبدو الصورة اليوم وكأن حربا لم تقم، أو أن أطرافها توصلوا إلى صيغة دائمة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، منها إلى تذويب حالة العداء، هذه الصورة المجمدة يظهر انعكاسها في مأرب وقد تركزت فيها معركة الحوثيين منذ أشهر، مع إراحة كل الجبهات التي ظلت تشتت قوة الجماعة.
ترك الجميع مأرب تواجه مصيرها أمام سيول بشرية يدفعها الحوثي تباعا للمحرقة غير آبه بخسائره، وهذه طبيعة الجماعات الناشئة على فرضية أن دم الأتباع مهما بلغ نزفه لا يساوي شيئا أمام أطماع الجماعة وأهدافها طالما يحقق لها المكاسب ويعزز انتصارها.. وفي المقابل برزت الحسابات الإقليمية على الأرض بصورة واضحة وهي توفر بيئة ملائمة -ما كان الحوثي يحلم بها- لإسقاط مأرب والتخلص من أهم قلاع المقاومة وأكبر حصون الشرعية، وهي نفسها الشرعية التي دائما ما تتنكر لمشروعيتها وتتخلى عن المدافعين عنها بكل خفّة وبرود.
منذ أشهر بعيدة انطفأ شرر نيران الحرب في جبهات الحدود و معظم الجبهات التي تمتد إليها يد التحالف بهيمنة أوسع من غيرها، وبقيت مأرب وحيدة تقاتل عن اليمن بشماله وجنوبه، والمعركة فيها تستهدف رسم خارطة اليمن بشقيه وفق رؤية الخارج الذي وجد نفسه أكثر تحكما باليمن من بلدانه، في الوقت ذاته نجحت ذات الأيدي من إشغال أهم الجبهات المتحررة من هيمنة التحالف نسبيا بأزمات داخلية ومعارك جانبية، بعيدا عن الحوثي، وفي القلب منها جبهات تعز، لتبقى مأرب بوصلة وحيدة للحوثيين.
لكن مأرب نجحت حتى اللحظة في إفشال خطط إسقاطها، في عدة معارك طاحنة تستمر الواحدة منها لأيام دون انقطاع، وخلال الأشهر الأخيرة ظل الحوثي يكرر محاولاته المتلاحقة في تطويق المدينة و إيجاد ثغرة للنفاذ إلى صرح سبأ وعرش الجمهورية، حاشدا لها معظم قواته وأنصاره، ومجندا مئات المهمشين، في الوقت الذي يدفع فيه بالعشرات كخلايا نائمة إلى المدينة رغم استمرار وقوعها في قبضة الأمن والجيش، في خطوة مكشوفة توضح تبلد الجماعة بعد انكسار محاولاتها العديدة والانتحارية في التقدم باتجاه مأرب.
وفي حصيلة أسبوع واحد فقط التهمت صحراء مأرب مئات المعدات والمقاتلين الحوثيين، والأرقام المهولة لخسائره، تكشف جنون الجماعة من تفريط فرصة التهام المحافظة اليتيمة في المعركة، وتثبيت سلطتها شمالا وضمان تسليم الإقليم والمبعوث الأممي بالأمر الواقع والاعتراف بها بصورة كاملة.
مأرب اليوم تخوض معركة اليمن بأكمله في مواجهة مشاريع تقسيم البلد ودفن الجمهورية في صحاريها، تدفع فاتورة باهضة من أبنائها، لكنها تخوض المعركة باعتزاز وفداء وتلقف إفك أعداء اليمن، وتستمر في تعرية الجميع، لكن في الوقت ذاته تدق ناقوس خطر يفترض أن تستنفر له كل القوى و الجبهات، فمعركة مأرب هي أهم فصول الحرب وربما آخرها، وفيها يتحدد مصير اليمن ومستقبله.