الانتقالي وطارق صالح في الجنوب منافسة أم تقاسم؟
هيئة رئاسة المجلس الانتقالي في اجتماع لها أمس الإثنين تجدد ما وصفتها رفضها القاطع لـ "إنشاء أي كيانات يمنية في الجنوب".
هذا الرد يأتي عقب إشهار طارق صالح مجلسه السياسي في شبوة قبل يومين، بمشاركة شخصيات مؤتمرية، وهو امتداد لذات المجلس الذي أعلنه طارق قبل عام من الساحل الغربي الذي يخضع لقواته الممولة إماراتيا وسعوديا.
سبق للانتقالي الاعتراض على فعالية نسوية لحزب المؤتمر في شبوة الشهر الماضي، معتبرا أنها تستهدف الجنوب، وهي حساسية يبديها الانتقالي من وقت لآخر يظهر فيها كما لو أنه التيار الوحيد الحاكم للجنوب، والتيار الحصري المدافع عن القضية الجنوبية.
حتى اللحظة يبدو اعتراض الانتقالي خجولا من نشاط طارق صالح في مدن الجنوب، ولم يتجرأ الانتقالي حتى ذكر اسم طارق أو المؤتمر في بياناته، ويكتفي بالموقف الخجول، والإشارة العابرة في ثنايا بياناته، أو الأخبار التي ينشرها في موقعه على الإنترنت.
من الواضح أن هناك صراع مستتر بين الطرفين، ولم يظهر حتى اللحظة للسطح، وتبدو شبوة ميدانه الأول، خاصة منذ تعيين القيادي البرلماني المؤتمري عوض العولقي محافظا للمحافظة، والمعروف بموقفه المناهض للبقاء تحت حكم أي تيار جنوبي، بحكم ما تعرضت له أسرته على يد الرفاق قبل الوحدة، ما جعل منه داعما كبيرا للوحدة، وحزب المؤتمر منذ تحقيق الوحدة وحرب 94م حتى اليوم.
يلتقي الانتقالي وطارق صالح في أرضية مشتركة، ممثلة بالدعم الإماراتي، وامتثالهما للأجندة الخارجية المنسجمة مع الرؤية الإماراتية، ويبدو احتواء الخلاف بينهما أمرا واردا إذا ما تدخلت الإمارات الداعمة للطرفين، ومن الممكن أيضا اتساع هوة الخلاف بين الجانبين، خاصة إذا ما تطلع طارق لإشهار مجلسه في محافظات جنوبية أخرى، وربما تبدو المهرة هي المكان الثاني الملائم لتواجده هناك.
هذه العلاقة تبدو كغرام الأفاعي بين الطرفين، فقد بدأت بالغزل المشترك، والثناء المتبادل، وصرحت قيادات في الانتقالي سابقا بترحيبها بطارق صالح والمنخرطين معه في الجنوب، بل وأبدت استعدادها للقتال معه شمالا، كما جاء في تصريح القيادي بالمجلس الانتقالي لهاني بن بريك سابقا، والأمر ذاته من الغزل بدا في مواقف طارق ومجلسه وقواته من المجلس الانتقالي.
بل إن طارق صالح وقيادات تتبعه وكذلك شقيقه عمار يتحركان في مدينة عدن التي تخضع بكاملها للانتقالي بكل حرية، ولم يتعرضا لاي تصعيد من الانتقالي منذ تواجدهم قبل ثلاثة أعوام، بينما يصعد ويحرض ويستهدف الانتقالي تيارات جنوبية عديدة.
والواضح من هذا كله أن هناك إعادة لملمة لحزب المؤتمر في الجنوب، يقودها طارق صالح تحت يافطة مجلسه السياسي الذي يتوسع اليوم مستفيدا من مكانة وتواجد القاعدة الكبيرة لحزب المؤتمر، ومستغلا أيضا حالة التذمر الشعبي في مدن الجنوب من سياسة الانتقالي وعجرفته.
الأمر يبدو مشابها لما حدث عقب تحقيق الوحدة اليمنية 1990، هرعت الكثير من الشخصيات القبلية والسياسية والمجتمعية في الجنوب إلى المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح نكاية وفرارا من السياسات التي ذاقتها من الحزب الاشتراكي اليمني إبان فترة حكمه للجنوب، وخاصة قرارات التأميم والإعدامات التي ضربت الاشتراكي شعبيا بشكل كبير، ولاتزال تسكن ذاكرة الشعب في مدن الجنوب حتى اليوم.
وبالتالي يتشكل اليوم مشهدا جديدا في مدن الجنوب، يتقاسم فيه طارق صالح مع الانتقالي النفوذ والتوسع، وبينما ينطلق الأول من إرث مؤتمري يريد إحياؤه من جديد، يحاول الثاني استثمار اسم الجنوب بحساسية مفرطة من كل شيء له أصل في الشمال، وذلك ما سيؤثر حتما عليه في قادم الأيام، خاصة بعد التداعيات التي أحدثها أثناء إدارته لبعض المحافظات.
يحدث كل هذا في ظل صمت من الحكومة الشرعية التي يبدو أنها تفضل الصمت إزاء هذا الصراع المستتر، وصمت آخر من حزب المؤتمر سواء ذلك التيار الذي يطلق على نفسه المؤتمر الشعبي العام الجنوبي، أو قيادة حزب المؤتمر بشكل عام.
لكن على المستوى الشعبي يظهر نوع من الاحتفاء الصامت تجاه وجود منافس للانتقالي في مدن الجنوب، فذلك بنظر البعض كاف لكبح جماح الانتقالي، ومنع تكرار تجربة ماضي شنيع ما قبل الوحدة في الجنوب، وإذا ما تم الربط بين تعثر تصعيد الانتقالي في حضرموت والمهرة مؤخرا فذلك أيضا يشير إلى هندسة مشهد قادم في الجنوب، قد يعطل ويلغي ويزيح الانتقالي.
وفي مجمل القول فإن كلا الطرفين حتى اللحظة ليسا سوى مجموعة أحجار في رقعة شطرنج تتحكم بها وتسيرها الإمارات في الوجهة التي تريد.