سياسة التجويع


مليون ريال، وجه مشرف حوثي مدير إحدى الشركات في صنعاء بصرفها لأحد الوجاهات التي تسهل مهامهم على الأرض، مساعدة في عرس ابنه، وهكذا تجري العادات عندهم، فيتعاملون مع كل شيء كأنه ملك آبائهم، وكأن لهم حرية التصرف في كل ما يريدون، على هذا جُبلت العصابات، ولا غرابة في ذلك البتة.





حين نزلت الحكومة الشرعية عند رغبة المبعوث الأممي إلى اليمن، ووافقت على السماح لناقلات النفط بالرسو في ميناء الحديدة؛ استجابة لمبادرة جريفيث من أجل الاستفادة من الجانب المالي المبني على ذلك، وتوريده في حساب خاص، يصبح بعد ذلك مخصصًا للموظفين الحكوميين من أجل صرف مرتباتهم المتوقفة عمليًا منذ 2016، لكن الحوثيين لم يستجيبوا للمبادرة الأممية، وأمهلوها ثلاثة أشهر حتى إذا ما وصل المبلغ إلى ما يريدونه يصل قاموا بنهبه، غير عابئين بمعاناة الموظفين الذين أوقفوا مرتباتهم، وساهموا بعد ذلك في تمزيق مجتمعاتهم، وعمدوا دون مقدمات إلى خطط بديلة لتجويع الشعب وإذاقته الويلات ولعل عملية التلاعب بالعملة الوطنية ليست ببعيدة، وقد بلغ أثرها كل اليمن على امتداده من صعدة إلى المهرة.





لقد اتجه الحوثيون عمليًا نحو تقسيم البلاد ماليًا، عندما منعوا التعامل بالعملة النقدية الجديدة، تحت أعذار واهية، لا صلات مالية لها، وليست في صميم ما يتحججون به، وهم بذلك إنما يعمدون إلى زيادة معاناة الناس، وفتح قنوات استرزاق جديدة يضمنون بها بقاءهم وتخمتهم ومزيدًا من الويلات لهذا الشعب.





وعمدوا بأساليب ارتزاقية إلى حشر الواقع الاقتصادي في زاوية ضيقة، مفاقمين الحالة المعيشية لليمنيين، إذ ارتفعت أسعار الاحتياجات الغذائية اليومية والأساسيات الأخرى وهذا بحد ذاته يعد استهدافًا مباشرًا للكيان اليمني، وحربًا لها أبعادها المليشاوية تعلنها الجماعة السلالية للنيل مما تبقى من الروح اليمنية وتمزيقها للأبد، إنهم يمارسون صورًا شنيعة من صور الابتزاز والشرعنة لانفلاتهم الأخلاقي المريع بالسماح لهم للعبث بكل ما له علاقة بالحياة اليمنية وحتى على المستوى البسيط.





إنهم ودون أدنى شك عملوا على صناعة جبهات اقتصادية، محورا بها ما يريدونه بالضبط، ولعبوا على تفاصيل بعينها من أجل إدارة الملف الاقتصادي بالصورة التي تعود عليهم بالمليارات طمعًا وجشعًا ومحاربة لليمنيين في لقمة عيشهم وقوتهم اليومي.





ولا يُستثنى التحالف العربي من هذه اللعبة الغامضة، والتي لم نفهم تفاصيلها بعد، ولم ندرك حقيقتها رغم مكابدتنا اليومية، ومغالبة أنفسنا على دفع الفوارق السعرية يوميًا، من أجل أن نعيش، وهو ما يستغله التحالف العربي لتنفيذ مخططاته العبثية في الشطر الآخر من البلاد، وللتلاعب بالسياسة الدولية لليمن، وبما يتلاءم مع مشيئة رأسيه اللذين تدخلا للإنقاذ فأقحمونا في متاهات من الأزمات لا نهاية لها، في صورة درامية مأساوية لا تبعد كثيرًا عن تلك التي رسمها لنا الانقلابيون الحوثيون وقادونا بها إلى حرب لا أفق لنهايتها.




يتألم الناس بشكل يومي وهم يُصدمون بأسعار متباينة من وقت لآخر، من سلعة إلى أخرى وبفوارق لا يمكن استيعابها، في واقع لم تعد الحياة فيه بتلك السهولة، إذ لابد من حسابات معينة لضمان لقمة عيشك اليومية، في ظل مليشيا كل اهتمامها الاسترزاق على حساب أوجاعك، وتحالف متخم لا يعنيه ما يحدث لك، وحكومة تائهة لا تدري أين المستقر؟ 

ذات صلة