الصحافيون اليمنيون.. الأسماء المستعارة خوفاً من الموت
مع بدء الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015 تعرض عدد كبير من الصحافيين للاعتقال والإخفاء القسري من قبل الحوثيين. إذ قامت الجماعة بإغلاق ومداهمة ونهب عشرات الصحف والمؤسسات الإعلامية الخاصة والحكومية والأهلية، كما حجبت مئات المواقع الإخبارية المناوئة لها.
استهداف الحوثيين للصحافيين ووسائل الإعلام جاء بالتزامن مع التحريض ضد العاملين في المؤسسات الإعلامية من قبل زعيم الجماعة الذي وصف الصحافيين في إحدى خطاباته بـ"الطابور الخامس"، و"أخطر من المقاتلين في الجبهات".
وبالفعل قتل عشرات الصحافيين خلال الحرب، بينما تعرّض آخرون للمضايقات ونزحوا من أماكن إقامتهم، ما جعل من الصحافة واحدة من أخطر المهن في البلاد.
ولم تتأخر الجماعات الأخرى في السير على خطى الحوثيين، إذ تعرّض الصحافيون لاعتداءات في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي أيضاً ومناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً. فحاصرت آلة القمع الصحافيين ومارست مختلف الجهات كل أنواع الانتهاكات، من التحريض والفصل من العمل، والاعتداء، والاختطاف، والتعذيب، وصولاً إلى القتل.
وبحسب ما كشفت لجنة الحقوق والحريات في نقابة الصحافيين اليمنيين لـ"العربي الجديد"، هناك قرابة 1600 انتهاك طاولت الحريات الإعلامية منذ بداية الحرب، منها 45 حالة قتل، ولا يزال هناك 4 صحافيين معتقلين لدى أطراف مختلفة: اثنان لدى جماعة الحوثي هما وحيد الصوفي ونبيل السداوي، والصحافي أحمد ماهر معتقل لدى المجلس الانتقالي في عدن، بينما لا يزال الصحافي محمد قائد المقري مخفياً قسراً لدى تنظيم القاعدة في حضرموت منذ عام 2015.
أمام هذا الواقع، اختار عدد كبير من الصحافيين اليمنيين ممارسة عملهم بأسماء مستعارة خوفاً من الاستهداف أو المضايقات.
أحد هؤلاء قال لـ"العربي الجديد": "منذ سنوات وأنا أكتب تحت أسماء مستعارة، وفي كل موقع أكتب باسم مستعار مختلف، وذلك لأسباب أمنية تتعلق بحياتي الشخصية وللابتعاد عن المضايقات أو خوفاً من إدخال اسمي ضمن القوائم السوداء لأطراف الصراع في اليمن وما يترتب عن ذلك من خوف".
ويضيف الصحافي: "من ضمن أسباب اللجوء للكتابة بأسماء مستعارة أيضاً أن بعض المواقع لا تقبل بأن يعمل معها صحافي مرتبط بعمل مع مواقع أخرى، وفي حال اكتشفوا ذلك، يبدأون بمضايقته وتأخير مستحقاته".
صحافي آخر قال لـ"العربي الجديد": "اضطررت للكتابة بأكثر من اسم مستعار خوفاً من انكشاف أمري، لأنني موجود في صنعاء ومعظم كتاباتي تتناول سلوكيات وممارسات الانقلابيين الحوثيين... حتى صفحتي في (فيسبوك) تحمل اسماً مستعاراً".
ما يعانيه الصحافيون تعانيه الصحافيات بشكل مضاعف. إحدى الصحافيات قالت لـ"العربي الجديد": "لجأت للكتابة باسم مستعار لأسباب أمنية، خصوصاً في بداية الحرب، فقد كنت مراسلة لوسائل إعلام خارجية في صنعاء. وعندما عملت في تعز وعدن كان لزاماً عليّ العمل باسم مستعار حفاظاً على سلامتي ودراستي الجامعية، كذلك كنت أعمل كمصوّرة ميدانية على الجبهات باسم مستعار وأقدّم تقارير تلفزيونية بصوتي من دون صورتي".
لعل هذه النماذج تختصر واقع العمل الصحافي في اليمن، المحكوم بشكل أساسي بالخوف، في ظل غياب أي محاسبة لقتلة الصحافيين أو للجهات المختلفة التي تمارس انتهاكاتها وتهديداتها بشكل يومي للمؤسسات والعاملين فيها. وهو الواقع الذي يؤكده عضو الهيئة الإدارية لنقابة الصحافيين اليمنيين نبيل الأسيدي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "الجميع يعرفون أن هناك آلة قمعية مختلفة لدى كل الجهات، وإن تفاوتت حدة الانتهاك بين طرف وآخر. وتراوح الانتهاكات بين التهديد والتحريض ضد الصحافي وصولاً إلى القتل، مروراً بالاعتقال والاعتداء والإخفاء القسري، وغيرها من الانتهاكات التي مرت بها الصحافة اليمنية. هناك أيضا من أوقف من عمله ومن تم فصله".
ويضيف الأسيدي أنه خلال فترة الحرب ازدادت حدة الانتهاكات ضد الصحافيين، وبالتالي باتت هناك مساحة لاستخدام أسماء مستعارة في مراسلة وسائل الإعلام المحلية والخارجية أو في إيصال الانتهاكات للمنظمات الدولية، ويشير إلى حالات الإخفاء القسري التي تزداد خلال الحروب وتطاول الصحافيين بشكل كبير في ظل حالة الفوضى وغياب الدولة وغياب الأجهزة الرقابية والضبطية والقضائية، ويكشف أن بعض الأطراف تخطف صحافيين محسوبين عليها وتغتالهم بهدف تأجيج الأزمة وزيادة حدة الصراع.
العربي الجديد