معلمون يمنيون في مهمة البحث عن مهن أخرى بسبب ظروف الحرب

يكافح المعلم عبد الناصر علي طوال اليوم ليجد قوت يومه، حيث يعمل معلمًا للصمّ والبكم صباحًا، ويبيع المكسرات مساءً. 


يقول عبد الناصر للجزيرة مباشر “ليس عيبًا أن تعمل بأي حرفة، أهم شيء أنك لا تسأل الناس”.


ويضيف المعلم الذي يواجه ضيق العيش بالحرفة ويعول أسرة من 5 أفراد “نزحنا إلى قرية، وقمنا بالتدريس هناك سنتين بدون رواتب”، حيث بدأ عمله في السلك الحكومي عندما ضمت الدولة صفوف الصم والبكم إلى الأطفال الذي لا يعانون هذه المشكلات.


ويتحدث عبد الناصر عن وضعه الحالي قائلا “الآن أبيع أي شيء مثل البطاطا المشوية في المستشفيات والشوارع بالإضافة إلى المكسرات. نحاول أن نغطي النقص في الراتب”.


 وأكد أن الراتب لا يكفيه وأسرته إطلاقًا، بل يحتاجون إلى 3 أو 4 أضعافه.


 

مهن شاقة 


 

وإلى جانب عبد الناصر لم يكن أمام معاذ القباطي (49 سنة)، الذي أمضى نحو 27 سنة في مجال التدريس، إلا أن يلجأ لمهنة أخرى تعينه في توفير احتياجات عائلته (زوجة وثلاثة أولاد) بعد انقطاع صرف الرواتب جراء تداعيات الحرب المستعرة في اليمن، فعمل بمهن عديدة في صنعاء، منها حمل الإسمنت ومهن أخرى قبل أن يهتدي لتطوير هواية سابقة واكتساب مهارات إصلاح الغسالات المنزلية، فأصبح المعلم اليوم مهندسًا يدير ورشة صغيرة في منزله المستأجَر بصنعاء بجانب عمله في مدرسة أهلية، ليسطر بذلك قصة كفاح مضيئة.


«أتت رياح الحرب لتعصف بحياتنا المستقرة وتبدد الكثير من أحلامي في مواصلة دراساتي العُليا.. لنجد العملية التعليمية في اليمن هي الخاسر الأكبر، فاضطررت عقب توقف صرف الرواتب للعمل في مهن أخرى»، يقول الموجه التربوي، معاذ القباطي، وهو يسرد قصته معلمًا لأكثر من عقدين منذ تخرجه في معهد المعلمين العالي بصنعاء. 


ويضيف: «لقد تسببت الحرب بانقطاع رواتب المعلمين وحرمان الكثير منهم من ممارسة التدريس الحكومي، خاصة بعد تدمير عدد من المدارس التي كانت قريبة من بعض الأماكن المستهدفة، وبالتالي ساءت أحوالنا المعيشية كثيرًا».


وقد ترتب على انقطاع رواتب المعلمين وضعًا معيشيًّا صعبًا أجبر الكثير منهم إلى اللجوء لمهن أخرى، فيما أصيب بعضهم باليأس والإحباط؛ فنال منهم المرض، ووصل الحال ببعضهم إلى الطرد من منازلهم لعجزهم عن دفع الإيجارات المتراكمة فتشردت أسر البعض منهم، فيما صار بعضهم إلى العمل في بيع الخضار والفواكه أو القات أو العمل في سيارة أجرة، أو غيرها من المهن.


رحلة مرة 


وبدأت رحلة معاذ مع التدريس منذ تخرجه في بداية تسعينيات القرن الماضي، فتنقل مدرسًا في عديد من المدارس الحكومية بصنعاء وضواحيها، ليتم ترشيحه تقديرًا لتُميزه لمنصب موجه تربوي فني على مناهج وطلاب المراحل التأسيسية من الصف الرابع حتى التاسع.


«الوصول إلى وظيفة الموجّه تحتاج للكثير من العمل والتفاني بعد أن حزتُ على ثقة الموجهين والمشرفين خلال التقييم»، يقول.


قبل الحرب كانت ظروف معاذ ميسورة نسبيًّا، فقد كان يتقاضى راتبًا يتجاوز 60 ألف ريال، وحافزًا يصل إلى 40 ألف ريال، وكان يصل مجمل دخله حينها إلى ما يوازي 500 دولار أميركي، بسعر الصرف يومها، حتى كانت الحرب.


لم يتوقع معاذ مثل جميع اليمنيين أنه سيأتي يوم ينقطع فيه صرف الرواتب جراء حرب تعصف بالبلد كله، وهنا عاش معاذ وضعًا اقتصاديًّا حرجًا، فتراكمت عليه الإيجارات لمدة ثلاث سنوات، وتأثرت حياته المعيشية.. إذ لم يعد يستلم من راتبه سوى نصف راتب كل ستة أشهر، وعلى الرغم من ذلك لم ييأس، فبدأ رحلته في البحث عن عمل بجانب عمله في مدرسة أهلية، لم يوفر راتبه فيها الحدود الدنيا من احتياجات عائلته.


اضطرته تلك الظروف للعمل في عدد من المهن، منها العمل في مجال الجبس والديكور وحمل الإسمنت وغيرها من أعمال البناء، وفي إحدى المرات سقط من مكان مرتفع وهو يحمل الإسمنت، في حادثة سببت له مشكلة في ساقه، ما زالت ملازمة له حتى اليوم.


يقول: «من تلك الأعمال، أيضًا، عملت في إحدى محطات تعبئة الماء؛ ما تسبب بإصابتي بروماتيزم العظام».


وأسفرت حرب اليمن عن مقتل مئات الآلاف بشكل مباشر وغير مباشر، وفق الأمم المتحدة.


وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات.


الجزيرة مباشر