هل تخطط السعودية لاتفاقية طائف جديدة مع اليمن المتنازع عليه؟

*ياسين التميمي

في الأسبوع الماضي زار رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي بروكسل، ثم شارك في جانب من مؤتمر ميونخ للأمن، ولم تفعل هذه الزيارات والأنشطة المرتبطة بها أكثر من أنها أمَّنت للرئيس فضاءً دبلوماسياً دولياً استغرقته أولوية الرئيس في إضفاء المشروعية للترتيبات التي تقوم بها المملكة في اليمن، ومن بينها مفاوضات مطلقة الصلاحية مع الحوثيين لإنهاء الحرب باتفاقية تهتم بالعلاقة المستقبلية مع المملكة أكثر من استعادة الدولة اليمنية من الانقلابيين.


مهمة الرئيس أضاءت عنها وبشكل مكثف، صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر من لندن، والمقربة من دوائر صنع القرار السعودية، عبر مقابلة أجرتها مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي في بروكسل، يمكن وصفها بأنها مثيرة للجدل، وتكمن خطورتها في أنها أخرجت الرئيس وموقعه الدستوري وسلطته السيادية من قيادة المواجهة والصراع نيابة عن الدولة اليمنية والشعب، إلى مربع الجمهور مع بقية أعضاء المجلس الرئاسي.


الأمر هنا يتعلق بتسليم الرئيس للسعودية بكل الصلاحيات المتعلقة بالتفاوض الذي تجريه مع الحوثيين، برعاية من سلطنة عُمان، وبدفع قوي من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، في كل من مسقط وربما في عواصم ومدن أخرى، إحداها ربما تكون العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.


ففي حديثه للصحيفة، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي أن المجلس "اطلع من التحالف على النقاشات التي تجري"، ويعتقد أن هذه النقاشات والتواصل عمل إيجابي؛ لأنه سيخدم عملية السلام والاستقرار في اليمن". وبدا أنه يستند إلى ضمانات من جانب الرياض بأنه لن يكون هناك اتفاق سعودي- حوثي.


ويؤكد بهذا الخصوص أنه "إذ اكان هناك اتفاق، فسيكون بين الحكومة اليمنية والانقلابيين"، ضمن خارطة طريق تبدأ "بتمديد الهدنة، ووقف إطلاق النار، والدخول في مشاورات شاملة تشمل الجانب السياسي والأمني والعسكري والطرق والأسرى وكل القضايا، فهذا سيكون بين الحكومة والحوثيين".


هذا التفويض الرئاسي الخطير جداً، كاد أن يضيع في خضم الجدل الذي أثاره الانفصاليون الجنوبيون، المدعومون من الإمارات، حول تصريحات الرئيس العليمي في ذات المقابلة مع الصحيفة السعودية، أبان فيها أن الهدف الثالث من أهداف نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي هو القضية الجنوبية، والتي رأى أن "الحديث عنها في هذه اللحظة أو النقاش حولها في هذا الوقت قد يكون غير مناسب". إذ أن ذلك لن يكون قبل "استعادة الدولة"، وحينها "سيتم وضع كل شيء على طاولة الحوار والنقاش ووضع المعالجات بالحوار وليس بالعنف، أو بالفرض"، وفي إطار "حلول النظام السياسي، ومضمون الدولة، وشكل النظام السياسي المستقبلي".


الزوبعة التي أثارها ويثيرها الانفصاليون ليست ذات قيمة، فهم في النهاية خاضعون بشكل مطلق للأولويات السعودية والإماراتية، ولن يشكلوا خطورة في المستقبل ما لم تقرر أبو ظبي استخدامهم في سياق مواجهة نفوذ مع الرياض في جنوب اليمن.


الأنظار إذا ينبغي أن تتجه نحو المفاوضات السعودية مع الحوثيين، التي يبدو أنها تنجز، بالتقسيط المفيد، أهدافَ الحوثيين نحو تكريس نفوذهم كسلطة منفصلة تتمتع بكامل المزايا السيادية للسلطة الشرعية، خصوصاً في الجانب الاقتصادي كما هو في الجانب العسكري والإداري.


ودعونا ألاَّ ننسى أنه منذ أن أسفرت مفاوضات الغرف المغلقة في مسقط عن تطبيق أول هدنة طويلة الأمد في الأول من نيسان/ أبريل 2022، والتي تجددت لمرتين قبل أن تنتهي في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، ليهيمن ما سيعرف فيما بعد بمبدأ "خفض التصعيد"، تمكن الحوثيون من تعطيل القدرات الاقتصادية للحكومة الشرعية التي كانت الطرف المقابل في هذه الهدنة وقدمت تنازلات خطيرة.


فقد هاجم الحوثيون أثناء الهدن الثلاث، موانئ تصدير النفط ووضعوا الناقلات الدولية في مرمى طائراتهم المفخخة، إيرانية الصنع، وبعضها ربما انطلق من سفن إيرانية في بحر العرب. وتسبب ذلك في حرمان السلطة الشرعية من عائدات سنوية من مبيعات النفط تزيد عن مليار ونصف المليار دولار، إلى جانب أكثر من مليار دولار تفقدها الحكومة نتيجة توقف صادرات الغاز الطبيعي المسال من ميناء بلحاف على خليج عدن.


لم يكتف الحوثيون بذلك بل إنهم انتهجوا منذ أسابيع استراتيجية موازية تتضمن إجراءين رئيسيين الأول: تأمين مزايا للمستوردين للعودة إلى ميناء الحديدة، عبر اعتماد سعر جمركي مخفض للدولار يصل إلى 250 ريال للدولار الواحد مقابل 750 ريال للدولار في ميناء عدن. أما الإجراء الثاني والأخطر فيتثمل في فرض إجراءات ميدانية لمنع وصول البضائع التي تأتي عبر موانئ الشرعية إلى مناطق سيطرتهم والتي تضم معظم الكتلة السكانية للبلاد.


وعلى الرغم من بقاء آلية التفتيش للسفن الداخلة إلى ميناء الحديدة، عبر ميناء جيبوتي واعتماد ذات الآلية عبر ميناء جدة للسفن القادمة إلى موانئ الشرعية، فإن منطق التسليم بالوقائع على الأرض هو أقرب ما يكون لتمكين الحوثيين من أكبر مورد مالي سيستخدمونه بالتأكيد في تعزيز سلطتهم الشاملة.


ولكن حسناً، هذا سيجعل الحوثيين أكثرَ حرصاً وتمسكاً بالتفاهمات مع السعودية، والتي تتطور بشكل تدريجي ليس إلى اتفاق سلام ينهي الحرب، بل إلى اتفاق سيهتم بترتيب العلاقة المستقبلية للسعودية مع الدولة اليمنية المتنازع عليها.


وبما أن مجلس القيادة الرئاسي قد اختار الجلوس في منصة المتفرجين على المفاوضات، فإن الحوثيين يشعرون بالزهو لأنهم باتوا اللاعب اليمني الوحيد المعني بتحديد نتائج الحرب.


على أن عليهم أن يدركوا أن مساحة المناورة التي تحركوا فيها طيلة السنوات الماضية سوف تضيق وسيجدون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما مواجهة حرب تدعمها السعودية ضدهم، أو القبول بالإملاءات السعودية التي تتجه إلى دفع الحوثيين للقبول باتفاقية طائف جديدة بإمضاء الحوثيين، وبمباركة وتفويض جاهزين من مجلس القيادة الرئاسي في عدن.