ثروات يمنية مُهملة..مصير مجهول لاحتياطي الحديد
يتميز اليمن بوضع جيولوجي مناسب لاستضافة العديد من الرواسب المعدنية كالحديد والفضة والزنك والرصاص، إلا أن فرصة تطوير تلك الرواسب تعتمد إلى حد كبير على جذب شركات التعدين العالمية التي تمتلك الخبرات الفنية والإمكانيات المادية اللازمة للاستثمار في قطاع التعدين، الأمر الذي شكل عائقاً كبيراً أمام الحكومات المتعاقبة التي انشغلت بالصراعات السياسية طوال السنوات الماضية، في حين كان الإهمال مصير التنمية الاقتصادية في ظل فقدان السيطرة على احتواء معدلات الفقر والبطالة المتصاعدة في البلاد.
يتحدث الباحث الاقتصادي أسامة القرشي، لـ"العربي الجديد"، عن الصعوبات التي وجدها اليمن في تعزيز شروط الاستثمار اللازمة لجذب تلك الشركات، حيث أن العوامل الجيولوجية والمعدنية ليست كافية لجذب تلك الشركات نظراً لأن الاستثمار في هذا المجال يعتمد على عوامل أخرى مؤثرة تمثل شروطاً مهمه لاستغلالها، وهو ما أصبح متوفرا مؤخراً بعد فوات الأوان بعد أن جرى تفكيك مؤسسات الدولة وتدمير مقدراتها وبنيتها التحتية وخروج عديد المناطق عن السيطرة والإدارة الحكومية.
تؤكد الدراسات الجيولوجية أن اليمن يمتلك ثروة معدنية واعدة نتيجة للتنوع الجيولوجي المناسب، حيث بينت المسوحات الاستكشافية انتشار صخور الأساس في عدد من المناطق والتي تحتوي على معادن ذات أهمية اقتصادية كبيرة.
اطلعت "العربي الجديد" على العديد من الدراسات والأبحاث التي قامت بها هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الحكومية خلال السنوات الماضية والتي تقدر احتياطي خام الحديد في اليمن بحوالي 190 مليون طن بعد أن أثبتت تواجد الحديد والتيتانيوم ضمن متداخلات صخور "الديورايت" دقيقة الحبيبات على هيئة عدسات، بالإضافة لتواجد رواسب الحديد ضمن صخور المتداخلات القاعدية وفوق القاعدية، في حين تم تحديد مناطق في أبين والبيضاء جنوب ووسط البلاد مثل منطقة مكيراس بمحافظة من أهم مواقع الحديد في اليمن، ومناطق في صعدة شمالاً ومأرب شرق العاصمة صنعاء.
هذه الدراسات والأبحاث التي دفنتها الحرب إلى جانب ما اكتشفته من ثروات وخامات المعادن الصناعية والفلزية في اليمن والتي تم فيما بعد استغلالها من قبل بعض أطراف الحرب بصورة عبثية وغير قانونية؛ نفذت في العديد من المناطق اليمنية، وتمت بطرق جيولوجية، جيوكيميائية، وخنادق استكشافية. في منطقة "مكيراس"، على بعد 20 كيلومترا، جنوب شرق مدينة البيضاء، قرب مدينة لودر في أبين، يقول خبراء جيولوجيين شاركوا في تنفيذ مثل هذه الأعمال الاستكشافية إنه تم حفر 18 بئرا استكشافية بعمق إجمالي 3400 متر، ومسح جيولوجي، ودراسات معدنية وصخرية وأعمال حفر، إذ تم تقدير الاحتياطي لهذه التمعدنات بحوالي 860 مليون طن موزع على 130 مليون طن خام الحديد، 46 مليون طن أكسيد تيتانيوم، 27 مليون طن فوسفات، 0.15 مليون طن من أكسيد الفناديوم، بمحتوى معدني 15.5 في المائة حديد.
يوضح الخبير الجيولوجي اليمني خالد النجار، لـ"العربي الجديد"، أن أغلب المعادن كالحديد في هذه المنطقة أو في غيرها من مناطق الاستكشاف تكون عبارة عن خامات مبعثرة "تيتانيوم وماجنتيت وفناديوم" مصاحبة لصخور "الجابرو" المتداخل في صخور الأساس ما قبل "الكامبري".
كما توجد رواسب الحديد في اليمن ضمن أربعة نطاقات أساسية على شكل صخور بركانية متوسطة التركيب ومن أصل بحري بتراكيز متفاوتة، متداخلة مع صخور الرخام، كما توجد مصاحبة لمتداخلات صخور "الديورايت" دقيقة الحبيبات على هيئة عدسات، بالإضافة لتواجد رواسب الحديد ضمن صخور المتداخلات القاعدية. وتؤكد هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية اليمنية أن تمعدنات الحديد توجد كذلك في منطقة الثنية الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة مأرب، ضمن صخور "الشيست" الأخضر التي تنتشر في معظم المنطقة ويتغطى معظمها بالكثبان الرملية.
ويؤكد الخبير الجيولوجي المهندس أسعد العامري، في حديثة لـ"العربي الجديد"، أن 80 في المائة من مساحة اليمن تتواجد تحتها صخور رسوبية تكونت في بيئات جيولوجية متنوعة والتي من شأنها أن تؤدي إلى إمكانية تشكيل تجمعات كبيرة وهائلة من الرواسب والمعادن الصناعية.
ويضيف أن معظم المعادن الصناعية في اليمن كان يتم تداولها كمواد كيميائية مثل ملح الطعام والجبس والكربونات أو منتجات شبه مصنعة كالأسمنت والفاناديوم أو منتجات نهائية وهي التي يمكن التركيز عليها واستغلالها بمنتجات الزجاج والسيراميك والدهانات والأصباغ والحراريات وحجر التغليف المصقول.
في السياق، يخلص المحلل الاقتصادي فيصل علوان، في حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك استغلال مشبوه لقاعدة المعلومات والبيانات الجيولوجية، والجيولوجيا البحرية، والتي عملت على تحديد وحصر مواقع استغلال المعادن والصخور الصناعية والإنشائية في اليمن الذي لم يستطيع بحكوماته المتعاقبة استغلالها في ظل توفر خارطة خاصة بمخاطر الغطاء الصخري لليمن وأخرى جيوبيئية وفيزيائية.