عمال على طرقات اليمن: تحمل ظروف قاسية لتوفير لقمة العيش

يقضي الخمسيني ناشر إسماعيل معظم ساعات اليوم على أحد الطرق الوعرة في اليمن بين مناطق الراهدة التابعة لمحافظة تعز من الجهة الشرقية والقبيطة وطور الباحة في محافظة لحج، جنوب اليمن، وذلك لتعبيد طريق ترابي مليء بالأحجار والصخور، في مقابل هذه الخدمة ينتظر إسماعيل ما يجود به سائقو المركبات والشاحنات المارة من أموال بسيطة على هذا الطريق.


يقول إسماعيل لـ"العربي الجديد"، إنه يعيل أسرة مكونة من 9 أفراد وتقطن إحدى المناطق الريفية بين القبيطة وطور الباحة، وما يحصل عليه من مبالغ يصفها بالزهيدة ينفقها أغلب الأيام على توفير القوت الضروري لأسرته.



وينتشر على هذا الطريق المؤدي إلى عدن من تعز ومختلف مناطق شمال اليمن، والذي تتخلله "سائلة" (حيث تتجمع السيول) شهيرة يطلق عليها اسم "سائلة ضمران أو القبيطة"، عمال يكابدون ظروفاً مناخية قاسية لمساعدة السيارات والشاحنات على المرور في أهم طرق النقل التجاري من ميناء عدن إلى مختلف المناطق اليمنية.


ويتحدث الكثير من العمال عن معاناة يومية في توفير مداخيل كافية لإعالة أسرهم، فيما يشكو السائقون على هذه الطرقات الوعرة من المصاعب التي يواجهونها لنقل البضائع، في حين تبقى السلطات غائبة عن تحسين الطرقات وصيانتها.


خدمات متعددة

غانم الصبيحي، يقاسي هو الآخر ظروفاً وأوضاعاً صعبة على إحدى منعرجات هذا الطريق الوعر والتي تتعثر عليه باستمرار المركبات خصوصاً شاحنات النقل الكبيرة، إذ يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه وغيره من العمال يقدمون خدمات يصفها بالجليلة للمركبات والسيارات بسواعدهم ومعاولهم على طول هذا الطريق الوعر الذي يمتد لأكثر من 70 كيلومتراً، ويتطلب اجتيازه ما يزيد عن ساعتين من الزمن في حال لم تواجه مركبات وشاحنات النقل التجاري أي تعثر.


ولاحظت "العربي الجديد" وجود عامل أو أكثر في كل كيلومتر مربع، يستخدمون أدوات بدائية ومعاول ومجارف لتفتيت الصخور وإزالة الأحجار وتسوية خطوط السير المتهالكة بفعل العوامل المناخية والسيول القادمة من المناطق الريفية الجبلية المحاذية من الجهات الشمالية والشمالية الغربية والجنوبية.


كما تنتشر على هذا الطريق نقاط صرافة لاستبدال العملة المحلية، خصوصاً للقادمين من عدن باتجاه تعز وإب وذمار وصنعاء، إذ يحرص المسافرون والمارة على التخلص مما لديهم من الأوراق النقدية الورقية الجديدة المطبوعة المتداولة في مناطق الحكومة اليمنية ويمنع الحوثيين ويعاقبون من يحملها للتداول في مناطق نفوذهم.


عمار الكدحي، وهو سائق شاحنة نقل تجارية، يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن أن هناك حرصا من قبل سائقي المركبات والشاحنات على تأمين مبلغ مالي من مختلف الأوراق النقدية وتوزيعها على العمال على هذه الطرقات. ويشكو خالد اليريمي، وهو سائق شاحنة، لـ"العربي الجديد"، من تعثر متواصل على الطريق الوعر وتعرض السائقين باستمرار لأعطال في مركباتهم وشاحناتهم، وهو ما يجبرهم على التوقف كثيراً، كما يكبدهم والتجار الذي يحملون البضائع إلى مخازنهم مبالغ طائلة.


تزايد المصاعب


وساءت أوضاع اليمنيين كثيراً هذا العام بعد ثماني سنوات من الحرب والصراع في ظل توسع فجوة الفقر والبطالة وتمدد الأزمة الإنسانية لتشمل معظم السكان مع انسداد آفاق الحلول السلمية ودخول البلاد في أصعب مرحلة منذ العام 2015، حيث تتزايد المصاعب المعيشية وترتفع نسب الفقر والبطالة، وتتصاعد أزمات توفير الغذاء والطبابة والمتطلبات الأساسية للأسر.


وفي تقرير صادر في إبريل/ نيسان الماضي، أكد البنك الدولي أن انكماش الاقتصاد اليمني تسبب في حرمان أربع من كل عشر أسر يمنية من وجود مصدر دخل منتظم، ولفت إلى ارتفاع مستويات الفقر إلى أكثر من 80 في المائة.


واعتبر البنك أنه لهذا بات دعم الشعب اليمني الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، من خلال مشاريع تعمل على خلق فرص العمل وريادة الأعمال لليمنيين من الفئات الأكثر احتياجاً ممن عانوا من سنوات طويلة من الصراع وانعدام الأمن الغذائي.


يرى الباحث في الاقتصاد الاجتماعي أشرف الكهالي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اليمنيين فقدوا سبل عيشهم ومصادر دخلهم ونزحوا وانتقلوا إلى المناطق الريفية التي تعاني من أوضاع سيئة للغاية، وهو ما دفعهم للبحث عن أي عمل يوفر لهم ما أمكن من مصدر دخل ولو كان على حساب حياتهم وصحتهم، كما هو حال هؤلاء العمال الذين قرروا اتخاذ هذه الطرقات الوعرة والمتهالكة أماكن يقتاتون منها بما يشبه عمال السخرة، وهذا العمل دفعتهم إليه الحاجة الماسة.


وتجبر المركبات وشاحنات النقل على المرور في طرق وعرة وشاقة ومتباعدة واجتياز ممرات مساحة واسعة منها ترابية ومليئة بالصخور والأحجار وفي بعض الأحيان بالتقطعات ونصب الكمائن للشاحنات التجارية لسلبها ونهبها.


مصاعب تجارية


طارق الحميري، وهو مهندس في الأشغال العامة، يوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مثل هذه الطرق المستحدثة تحاذي مناطق تماس بين طرفي الصراع في اليمن، وهي طرق متهالكة تضاعفت بسبب الأوضاع الراهنة والحركة المتواصلة عليها من قبل الشاحنات الثقيلة والكبيرة وتحتاج لأموال طائلة لتعبيدها وإصلاحها.


ويطالب القطاع الخاص التجاري في اليمن وقطاع النقل والتجار والمسافرين والأهالي واليمنيين بشكل عام بفتح الطرق الرئيسية الدولية المعتمدة للنشاط التجاري والاقتصادي في اليمن وعلى رأسها طريق "عدن العند-كرش- الراهدة- تعز" لأهميتها الاقتصادية للنقل والتجارة والإمدادات الغذائية والدوائية والكسائية، إذ يعد الطريق الدولي والرسمي والمخصص للنشاط الاقتصادي والنقل الثقيل ومن خلاله يتم إيصال البضائع خلال 6 ساعات فقط.


مسؤول الاتصال والإعلام في الغرفة التجارية والصناعية المركزية بأمانة العاصمة صنعاء أحمد حسن يشرح لـ"العربي الجديد"، أنه منذ تحويل حركة الشحن أمام الحاويات التجارية القادمة للمناطق الشمالية إلى ميناء عدن في نهاية العام 2017 كان على قطاع النقل الثقيل البري أن يكون جاهزا ليقوم بنقلها وإيصالها للمحافظات الشمالية بسلاسة.


لكن ذلك الحلم، بحسب حديث حسن، لم يكن من السهل تحقيقه، فمنذ ذلك التاريخ تواجه نحو 15000 حاوية في الشهر إضافة لمئات الآلاف من الأطنان من البضائع المتنوعة مصاعب جمة لكي تصل إلى مخازن التجار ومحلاتهم في صنعاء والحديدة وإب وذمار بطريقة اعتيادية، والسبب أن طرق نقلها تغيرت وتبدلت مع الحرب والقتال الدائر لتضيف مصاعب بالجملة حالت دون إتمام النقل بسهولة، إذ تظل الشاحنات تمر صعوداً وهبوطاً في الجبال الوعرة والطرق الفرعية غير المؤهلة لتواجه أكبر المخاطر دون أي حلول تلوح في الأفق.


العربي الجديد