أطفال اليمن.. محاربون صغار على خطوط القتال

كانت بندقية الكلاشينكوف تتدلى إلى ركبة علي سيف (14 عاما)، بينما كان يعبر الزقاق الضيق خائر القوى وعليه ملابس متسخة بالطين الجاف في طريقه إلى منزله في حي مذبح غربي العاصمة صنعاء، بعد عودته من إحدى المهام القتالية بمحافظة الجوف عام 2019.


كان علي واحدا من مقاتلي الحوثيين الذين انضموا للجماعة بعد سنوات من إحكام سيطرتها على العاصمة صنعاء، وانخرط بقوة في قتال القوات الموالية للحكومة اليمنية وقوات التحالف بقيادة السعودية التي تدخلت عسكريًا عام 2015 لإنهاء انقلاب الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم.


قبل ذلك، كان سلوك الفتى قد تغير كثيرا عقب انضمامه للحوثيين، وصار مصدر خطورة لأفراد الأسرة؛ إذ كان يتوثّب للاشتباك بسلاحه -الذي يلازمه دوما- مع أي شخص قد يعارض الجماعة حتى وإن كان من أفراد أسرته.


يقول شقيقه الأكبر محمد، للجزيرة نت، "فقدنا علي حين انضم للحوثيين في عامه الأخير، وبدأت طباعه وسلوكه بالتغيّر، وغالبا ما كان يصحو من نومه على وقع كوابيس، ولم يعد طفلا كما كان، بل صار وحشا".


قُتل علي في المعارك التي مضى إليها بمحافظة الجوف في العام ذاته بعد عودته لمنزله، وكان واحدا من ضمن 3995 طفلا يمنيا جندتهم أطراف الحرب خلال السنوات الثمان الماضية، وفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف".


مقاتلون صغار على الجبهة


يدفع القادة العسكريون وأمراء المليشيات بالأطفال نحو خطوط القتال المباشرة، لذا غالبا ما يسقطون قتلى أو جرحى. وقال طالب علي، وهو مقاتل سابق في القوات الحكومية، إن الأطفال المجندين يكونون أكثر حماسا في اقتحام خطوط القتال نتيجة تعبئتهم العسكرية.


ويضيف للجزيرة نت "في إحدى المعارك كان اثنان من الأطفال الحوثيين قد حُوصرا تماما، وحين طلبنا منهم تسليم أنفسهم رفضا لوقت طويل ولما اقتربنا منهم أطلقا النار علينا.. لو كانا مجندين بالغين لاستسلما فورا ولم يخاطرا بأنفسهم".


ويتهم تقرير للأمم المتحدة جميع الأطراف بالتورط في تجنيد الأطفال، إلا أن جماعة الحوثيين تبدو الطرف الأكثر تحشيدا لهم، وتحولت جدران العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة إلى معرض حي لصور قتلاها، ومن بينهم أطفال.


وكان تقرير أممي لخبراء الأمم المتحدة -قُدِّم إلى مجلس الأمن الدولي ونُشر يناير/كانون الثاني الماضي- قال إنه يملك لائحة تضم 1406 أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاما، جنّدهم الحوثيّون ولقوا حتفهم في الحرب سنة 2020.


ويقول طالب علي إن المجندين الأطفال يعتبرون جيدين لمهام تتعلق بحراسة الحواجز الأمنية والمواقع العسكرية، وتنفيذ دوريات أمنية، وجلب المياه، ونقل الطعام والأسلحة والتموين إلى المواقع العسكرية.


لعبة الموت


ويبقى الأطفال الحلقة الأضعف في دائرة الضحايا، إذ تنتهي حوادث القصف على المواقع المدنية بسقوط قتلى وجرحى منهم، وتشكل العبوات المتفجرة والألغام التي خلفتها المعارك خطرا كبيرًا عليهم؛ إذ يظنونها ألعابا قبل أن تنفجر في وجوههم.


والخميس الماضي، قُتل الطفل سعيد محمد أبو عشه، وأُصيب آخر في انفجار لغم من مخلفات الحرب بمحافظة مأرب شرقي البلاد، حسب المرصد اليمني للألغام، وهو منظمة يمنية غير حكومية تُعنى برصد هذه الحوادث.


وقال تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات (حكومية)، صدر الاثنين الماضي، إن ألغام الحوثيين الأرضية تسببت في قتل 3673 مدنيا بينهم 647 طفلا، وإصابة 3135 مدنيا بينهم 741 طفلا.


وحسب إحصاءات اليونيسيف، فإن أكثر من 11 ألف طفل سقطوا قتلى وجرحى منذ عام 2015. وعقب زيارة لليمن، قالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل، الاثنين الماضي أيضا، "بالنسبة للأطفال، أصبحت الحياة صراعا من أجل البقاء؛ لقد فقد الآلاف أرواحهم، ولا يزال مئات الآلاف غيرهم معرضين لخطر الموت".


صدمات نفسية وتعليم متوقف


تركت الحرب وتردي الأوضاع الإنسانية ندوبا غائرة على صحة الأطفال النفسية وتعليمهم، إذ أجبرت الاشتباكات المستمرة وانقطاع الرواتب الأهالي على إيقاف ابتعاث أطفالهم للمدارس.


وقالت ناشطة مناصرة لحقوق الأطفال بالعاصمة صنعاء -فضّلت عدم ذكر اسمها لاعتبارات أمنية- إن كثيرا من الأهالي توقفوا عن إرسال أطفالهم إلى المدارس بسبب الفقر، وأدى الفراغ والصدمات النفسية إلى تأثر التلاميذ وانتشار سلوكيات تعكس الحالة النفسية، مثل قضم الأظافر وشرود الذهن.


وتضيف "غالبا ما يتحدث الأطفال عن كوابيس نتيجة أهوال الحرب؛ أحد الأطفال كان يراوده حلم دائم بسقوط رؤوس مقطعة من السماء، وقبل 6 سنوات كان ذلك الطفل مع أسرته بالقرب من انفجار مخازن الأسلحة شرقي صنعاء".


ويقول مدير المخيمات في الوحدة التنفيذية للنازحين بمحافظة مأرب (حكومية)، خالد الشجني، إن 45% من النازحين أطفال ويعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، ومعظمهم نزح لأكثر من 6 مرات، وهؤلاء لم يتلقوا أيا من وسائل الدعم النفسي.


ويضيف الشجني -للجزيرة نت- أن "التدخلات الإنسانية في هذا الجانب محدودة جدا، وتقتصر على أنشطة قليلة تنفذها منظمات في مناسبات معينة، مثل يوم الطفل العالمي، والمجتمع لا يبالي بصحة الأطفال النفسية".


ووفق تقرير لمنظمة أطفال الحرب (إنسانية هولندية)، فإن الصدمة النفسية الناتجة عن الحرب قد تترك آثارًا دائمة على نمو دماغ الأطفال وقدرات التعلم المبكر وضعف تحصيلهم الدراسي، وتسفر عن مشاكل مرتبطة بالتعلق.


زواج مبكر واستغلال جنسي


وتقول الناشطة المناصرة للأطفال إن الأهالي أخرجوا الفتيات من المدرسة ومنحوا الأولوية لتعليم الفتيان، إذ يرون أن تعليم الفتاة استثمار خاسر كونها ستتزوج في أقرب وقت، بينما سيساعد الفتى والديه مستقبلًا لمواجهة ظروف الحياة.


وتروي أن أحد الآباء في محافظة عمران (شمال العاصمة صنعاء) سدد دينا عليه بعد أن منح طفلتيه للرجل الذي أقرضه المال، إحداهما بعمر 8 أعوام ليتزوجها حينما تبلغ، والأخرى بعمر 4 أعوام ليربيها.


وتفشى الزواج المبكر بشكل أكبر داخل مجتمعات النازحين، إذ تتجه الأسر النازحة للتخلي عن أفرادها بعد أن عجزت عن توفير لقمة العيش لهم، ومن بينهم الفتيات الصغيرات اللاتي يُجبرن على الزواج قسرا في عمر صغير، كما تُزوج الطفلات الصغيرات لحماية سمعتهن خشية تعرضهن للاغتصاب.


ويقول عبده معروف، وهو نازح من محافظة الحديدة إلى تعز، إن ضيق وانعدام السكن أجبر النازحين على الاكتظاظ في مساحات محدودة، وأحيانا يضطر 15 شخصا للسكن في غرفتين دون أي خصوصية.


ويضيف للجزيرة نت "في فترة النهار يُطرد الأطفال من البيت إلى خارجه، كي يوفروا مساحة لمن لا يستطيع الخروج من المنزل مثل النساء أو المرضى، وفي الشارع تجدهم هناك يعيشون في الفراغ لا يدرون ما يفعلون".


ووفق تقارير حقوقية، فإن وضع الأطفال جعلهم عرضة للاغتصاب والاستغلال الجنسي، إضافة إلى عمالة الأطفال واستغلالهم في الترويج للممنوعات.


وقال الشجني إن الأطفال يرافقون ذويهم أو الأكبر منهم للعمل في ظروف معقدة، ويعمل آخرون في جلب المياه ومن بينهم فتيات، وبعضهن يبقين في المخيم لحراسة أشقائهن في الوقت الذي يغيب فيه والديهم.


الجزيرة نت