مرضى السرطان باليمن.. ويلات الحرب تفاقم المعاناة

معاناة لا تنتهي، هذا ما يعكسه مشهد ذوي مرضى السرطان، الذين يتجمعون بالممرات بانتظار دورهم للدخول إلى الطبيب، أو لتسليم عيّنة للمختبر، أو أملاً بالحصول على الدواء الذي يقدّمه مجانًا مركز علاج الأورام بالمستشفى الجمهوري بالعاصمة صنعاء.


صراخ وأنين الأطفال يُسمع بمجرّد الاقتراب من غرف جناح علاج الأورام في المستشفى، ولدى النظر إليهم يبدو جليًا الألم الشديد الذي يعانيه كل طفل منهم حيث تتضاعف المعاناة كل يوم وكل ساعة ما لم يتمّ تأمين الدواء اللازم لهم. 


"لا يمكننا شراء الأدوية"


أحمد محمد، الطفل البالغ من العمر 7 سنوات، والقادم من مدينة المحويت لتلقي العلاج، لا يتوقف عن الأنين من الألم بسبب الورم في الجانب الأيسر من رأسه منذ سنتين.


وتقول والدته لمراسل الأناضول: "أحمد مريض بالسرطان منذ سنتين، مات والده قبل 3 سنوات ولم يكن يعلم أن ابنه سيصاب بمرض السرطان بعد موته بعام، بعد أن تاركًا وراءه 5 أولاد.


وتضيف: "لم نعد نستطيع شراء الأدوية والعلاجات اللازمة، خاصةً أن شراء الجرعة الواحدة يكلف 200 دولار، ووضعنا لا يسمح". 


"ينتظرون الموت"!


عشرات المرضى يقبعون في غرفهم، ينتظرون الموت، إن لم يتم إعطاؤهم الدواء الذي يقدّمه المركز مجانًا، كمساعدة لهذه الفئة من اليمنيين الذين أثقلت كاهلهم 8 سنوات من الحرب الطاحنة، التي دمّرت البنية التحية وأوقفت نصف المرافق الصحية في البلاد، ودفعت الاقتصاد إلى حافة الهاوية.


وفي حديث للأناضول، قال الدكتور حمود هديش، رئيس قسم الأطفال في المركز الوطني للأورام بالمستشفى الجمهوري، إن الصعوبات التي تواجه العمل في المركز كثيرة.


ويضيف أن منها: "قلة في عدد المتخصصين ضمن الكادر الصحيّ في مجال معالجة السرطان بشكل عام، سواء سرطان الأطفال أو البالغين، وأيضًا المتخصصين بعلاج الإشعاع.


ويضيف: "من الصعوبات التي نواجهها شحّ الأدوية، حيث يفتقر المركز للكثير من الأدوية، في الوقت الذي تتوافد إلى المركز حالات كثيرة بعضها تُكتشف وللأسف وقد تضاعفت حالتها بسبب عدم تلقيها العلاج اللازم في وقت مبكر".


ولفت هديش إلى أن "السعة السريرية تعتبر صعوبة أخرى تضاف إلى الصعوبات التي يواجهها المركز الذي يعتبر المرجعية الوحيدة لمرضى السرطان على مستوى البلاد، إضافة إلى افتقاره إلى أجهزة تشخيص المرض".


مراكز طبية مجانية


على الجانب الآخر شمال غرب صنعاء، يساهم مركز الأمل للأورام ودار الحياة لرعاية مرضى السرطان، غير الحكوميان، بالتشخيص والتوعية وتقديم المساعدات لمرضى السرطان، مثل توفير السكن والطعام للأسر الفقيرة التي ترافق مرضاها من مناطق بعيدة للعلاج في صنعاء.


وفي المكان نفسه، يوجد مركز الحياة للكشف المبكر عن مرض السرطان لدى النساء، التابع للهيئة الوطنية لمكافحة السرطان (غير حكومية)، والذي تزوره عشرات النساء يوميًا للفحص المبكر عن سرطان الثدي، كخطوة مهمة للحدّ من الإصابة بين النساء، أو القضاء على المرض في مراحله الأولى.


وتقول الدكتورة هيفا علي، طبيبة الفحص السريري بمركز الحياة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، لمراسل الأناضول، إن "كل المعاينة والفحوصات في المركز مجانًا".


وتتابع إن التكاليف "تصل خارج المركز أو في المراكز الخاصة إلى 80,000 أو 90,000 ريال يمني (نحو 150$)".


ولفتت إلى أن الفحوصات "تشمل العيّنة مع الإبرة التي يصل سعرها إلى 20,000 ريال (نحو 34$)، وصورة إشعاعية بجهاز الـ"ماموغرام" تصل تكلفتها إلى 15,000 ريال (نحو 25$)، بالإضافة إلى المعاينة التي تختلف عند كل طبيب، ولكن نحن نقدم كل هذا بدون دفع أي فلوس (نقود)".


"الحرب فاقمت الأزمة الصحية"


العديد من النساء تتردد إلى المركز، منهن يأتين كل 3 أو 6 شهور للفحص عن سرطان الثدي، وأخرى لمتابعة إصابتها بتوجيه من طبيبها، أما جهاز الماموغرام فينبغي مراجعته مرة كلّ عام للمصابة، ومرة كل عامين لغير المصابة بسرطان الثدي ممن يزيد عمرهن على 40 عامًا.


وبحسب الدكتورة هيفا، تحضر إلى المركز 50 حالة يوميًا يتم تحويلها من جميع المراكز الحكومية، ما بين فحص مبكر وفحص عنق رحم وإصابة بسرطان الثدي واستشارة.


وأوضحت أن "أغلب الإصابات تكون ناتجة عن الضغوط النفسية بسبب الوضع المادي والمعيشي خصوصًا لأولئك الذين فقدوا مصدر عيشهم جراء الأزمة الحالية في البلاد".


وتابعت: "هناك الكثير لا يتمكنون من الحصول على فرصة زيارة طبيب أو شراء الأدوية الخاصة بأمراضهم المزمنة، لذلك يتوافد الكثيرون إلى هذا المركز لأنه يقدم كل خدماته مجانًا".


وختمت حديثها بالقول إنه " تم إجراء أكثر من 700 عملية في هذه المركز العام الماضي، خاصة سرطان الثدي وعنق الرحم"، ولفتت إلى أن "نسبة مرضى سرطان الثدي في اليمن كبيرة، ومع هذا فنسبة نجاح علاجهم تبلغ 95% في حال تم اكتشاف الإصابة لدى المريض مبكرًا.


أعداد متزايدة وخدمات محدودة


بحسب المسؤول الإعلامي بالمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان الأستاذ جلال الفقيه، "في عام 2015 كان عدد المرضى 15000 ألف مريض، بينما تجاوز العدد عام 2022 أكثر من 30000 مريض".


أما إدارة المركز فتقول إنه "رغم ما يقدمه المركز من خدمات مجانية إلا أنه يفتقر إلى توفّر بعض الأجهزة الحديثة"، لذلك تتم إحالة 30 شخصًا يوميًا لعمل كشفيات معينة في مراكز خارجية، كمركز "نيوز سْكان" و"سي دسْكان" في صنعاء.


ويشهد اليمن حربًا منذ نحو 8 سنوات، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.


وللنزاع امتدادات إقليمية، فمنذ 2015، ينفذ تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014. 

الاناضول