أزمة تأمين تهدد واردات اليمن.. الموارد الداخلية لا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات
يعاني اليمن من ارتفاعات كبيرة في فاتورتي استيراد الغذاء والوقود، مع انحسار الموارد الداخلية لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات، لتتزايد الانتقادات الموجهة للقطاع الخاص الذي يكتفي بالاستثمارات الاستهلاكية والأعمال التجارية الربحية وعدم الاتجاه للاستثمارات الإنتاجية.
وكشفت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، عن تفاقم مشكلة تغطية فاتورة الاستيراد العالية منذ ما يزيد على 3 أشهر بسبب عدم دفع الدولة مبلغ الضمان المطلوب لشركة التأمين "لويدز" في بريطانيا، مشيرة إلى تحركات مكثفة من جانب الحكومة اليمنية لتأمين المبلغ المطلوب ودفع مستحقات شركات التأمين وتغطية فاتورة الاستيراد، وذلك من طريق الحصول على مبلغ 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي، والتي قد تُتاح مع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
ويسعى اليمن منذ سبتمبر/ أيلول الماضي للحصول على تمويل خارجي إضافي من خلال النافذة الجديدة التي أنشأها صندوق النقد الدولي لمواجهة صدمات أسعار الغذاء عالمياً، وذلك لضمان استمرار استيراد السلع الأساسية وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين في البلد الذي تخطى عدد الفقراء فيه ثلثي السكان.
وفي الأثناء تتزايد الانتقادات الموجهة للقطاع الخاص، في ظل استمرار نقص السلع وارتفاع الأسعار، لكن نائب مدير الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية أبوبكر باعبيد، رئيس غرفة عدن، قال لـ"العربي الجديد"، إن القطاع الخاص لا علاقة له بمشكلة تأمين فاتورة الاستيراد التي تتركز بين الدولة وشركات التأمين الدولية في تغطية المبلغ المستحق لها، مضيفاً أن "القطاع الخاص يواجه بالأساس الكثير من الصعوبات والتحديات التي ترجع لأسباب معروفه لدى الجميع، وخاصة على صعيد الاستثمار".
بدورها، قالت الحكومة اليمنية في اجتماع مشترك عقدته الأربعاء الماضي، مع قيادات في القطاع الخاص والغرفة التجارية والصناعية في عدن التي تتخذ منها عاصمة مؤقتة جنوبيّ البلاد، إنها تعمل على تهيئة الظروف المناسبة لعمل القطاع الخاص الوطني، وتقديم المزيد من التسهيلات الإضافية لدعم جهوده في تنشيط الاستثمار وضمان وفرة المواد الأساسية واستقرار الأسعار للسلع التموينية.
وتؤكد جهات حكومية معنية أنها تتجه لتنفيذ مصفوفة عمل استراتيجية لتطوير الشراكة مع القطاع الخاص بهدف الانتقال من الاستثمارات الاستهلاكية إلى استثمارات إنتاجية، والتشبيك مع القطاع الخاص في دول الجوار لفتح استثمارات استراتيجية، وإعادة تفعيل أعمال الغرف التجارية المشتركة بين اليمن ودول المنطقة.
ويقول الخبير في مجال التأمين علي داؤود، لـ"العربي الجديد"، إن المخاطر التي فرضتها الحرب سببت ارتفاع تكاليف التأمين البحري على الشحن التجاري إلى اليمن وربطه بصندوق أخطار الحرب في لندن وارتفاع التعرفة المفروضة على اكتتاب شركات التأمين اليمنية إلى مستويات مكلفة تزيد بأكثر من 1.5% مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب، حيث كانت عبارة عن نسبة رمزية ولا تشكل أي أعباء على التأمين البحري الخاص بالشحن التجاري إلى اليمن.
وفي ظل الأزمة التي يعاني منها اليمن بسبب الارتفاع الكبير في فاتورتي استيراد الغذاء والوقود مع انعدام الموارد لتأمينها، تعمل الجهات المعنية في البلاد على تضييق الفجوة الحاصلة مع الجهات والمؤسسات والصناديق الممولة، وسط وعود بتنفيذ العديد من الإصلاحات، منها إعادة بناء المؤسسات الحيوية وهيكلتها، وتصحيح كثير من الاختلالات، والقضاء على كثير من التشوهات، بما في ذلك إزالة تعدد أسعار الصرف، وتطبيق نظام مزادات بيع العملة الأجنبية بطريقة شفافة، وتعزيز إجراءات الالتزام في أنشطة القطاع المصرفي وشركات الصرافة.
لكن الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يقول إن الدول المانحة والمجتمع الدولي والمؤسسات المالية والمنظمات التمويلية لم تعد تثق بالحكومة اليمنية ولا بما تجريه من إصلاحات مالية ومؤسسية ونقدية، لعدم فاعليتها وكفاءتها، إضافة إلى انعدام شفافيتها في إدارة الموارد المالية والعوائد التي تحصلها من تصدير النفط.
ويشير مقبل إلى أن الفجوة بين طرفي الصراع والقطاع الخاص تستمر في الاتساع بسبب التضييق عليه من قبل مختلف السلطات، سواء في الشمال أو الجنوب، عبر الإجراءات والجبايات والإتاوات دون تهيئة أي بيئة عمل مناسبة للاستفادة من خبراته وإمكاناته في الاستثمار والنهوض بالقطاعات التنموية والإنتاجية.
(العربي الجديد)