تجنيد مزارعي اليمن في الحرب: استقطاب المقاتلين من الريف
من حمل الفأس والبذور إلى حمل السلاح والرصاص... هكذا تحولت وجهة آلاف المزارعين في اليمن إلى ساحات الحرب على خلفية تدهور القطاع الذي كان يوفر لملايين المواطنين ليس مصدرا للرزق فقط، ولكن اعتمدت عليه الدولة من أجل تأمين نسبة كبيرة من غذائها في بلد بات على شفا المجاعة.
وكثفت أطراف الصراع في اليمن، خلال الفترات الأخيرة أنشطة التجنيد والاستقطاب من مختلف المناطق الريفية، وسط غياب حكومي عن تلبية احتياجات المزارعين وتخفيف وطأة الأزمات عليهم. وتبرز الزراعة في طليعة القطاعات الواعدة التي لم يحسن اليمن التعامل معها واستغلالها بصورة جيدة ليأتي الصراع الدائر في البلاد ويلقي بجزء كبير من تبعاته على هذا القطاع، ما بات يتجسد حالياً في تعطيل الكثير من الأنشطة وتقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
وبالرغم من أن 34% من أراضي اليمن تُعد أراضي زراعية، حسب إحصائيات رسمية، إلا أن الغالبية العظمى من هذه الأراضي عبارة عن مراعٍ، و3% من إجمالي الأراضي مستصلحة للزراعة فقط، وأقل من نصفها أي حوالي 1.5 مليون هكتار مزروعة بالفعل.
تكثيف أنشطة التجنيد
يتطرق مزارع من ريف صنعاء، فضل عدم ذكر اسمه، تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى تكثيف أنشطة التجنيد والاستقطاب في هذه المناطق وغيرها في اليمن، ما أدى إلى تفريغ القطاع من العمالة الماهرة، بدلاً من تلمس احتياجات المزارعين وتخفيف وطأة الأزمات عليهم.
من جانبه، يشير أحد العاملين في الزراعة، مقبل الشرماني، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه بالإضافة إلى هجرة العمالة الماهرة من القطاع الزراعي للمشاركة في الصراعات المسلحة، يواجه القطاع أيضا صعوبة التكيف على التغيرات السعرية المتواصلة في الوقود والطاقة والعملة المحلية، وفقدان الدعم والمساندة الحكومية في مساعدة المزارعين على استصلاح الأراضي وتسويق المنتجات الزراعية.
وتقدر بيانات رسمية تراجع ناتج قطاع الزراعة والأسماك بحوالي 52% متأثراً ضمن عوامل أخرى بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف مدخلات الإنتاج الزراعي ومحدودية الوصول إلى مناطق العمل، الأمر الذي أدى لفقدان سبل العيش وتقليص فرص العمل والدخل لشريحة كبيرة من السكان.
تدمير العمالة الزراعية
يستخدم اليمن أقل من نصف أراضيه الصالحة للزراعة لإنتاج الغذاء الضروري، فأكثر من 528 ألف هكتار مزروعة بالحبوب في حين يزرع حوالي 166 ألف هكتار من شجرة "القات"، و136 ألف هكتار من العلف. بينما تصل المساحة الخاصة بزراعة الفاكهة والخضار إلى نحو 160 ألف هكتار، و82 ألف هكتار من المحاصيل النقدية، في حين تقدر المساحة المزروعة من البقوليات بحوالي 48 ألف هكتار.
المحلل الاقتصادي صابر الوافي، يشرح لـ"العربي الجديد"، أن الأراضي الزراعية فقدت جزءا كبيرا من القوة العاملة في قطاع يعتبر المشغل الأول للأيدي العاملة في اليمن، ما ساهم في إهمال وتدهور الأراضي الزراعية وتعطيل سلسلة الأعمال المرتبطة بالزراعة.
ويرجع ذلك إلى تركيز أطراف الصراع على المجتمعات المحلية والمناطق الريفية لاستقطاب ما أمكن من مختلف الفئات العمرية وتحويلهم إلى مقاتلين، كثير من هؤلاء معروف أنهم يعملون في الزراعة، لذا كان هناك تأثير كبير لحق بهذا القطاع الإنتاجي المهم وعدم الاستفادة منه في ظل هذه الظروف الحرجة في اليمن لإنتاج الغذاء وتوفير جزء من احتياجات الأسواق المحلية من المنتجات الزراعية.
وضاعفت الأزمات المتتالية التي يشهدها اليمن من تكاليف الإنتاج الزراعي الذي يواجه تغيرات مناخية شديدة التأثير على الزراعة مع تأخر موسم هطول الأمطار وعدم القدرة علي توفير كثير من المتطلبات والاحتياجات الزراعية.
تعتبر التغيرات المناخية من العوامل الأساسية التي أضرت كثيراً بالإنتاج المحلي للغذاء وحالة الامن الغذائي في البلاد ومن ذلك الأضرار التي خلفتها الزوابع والأعاصير والفيضانات التي ضربت المناطق اليمنية بشكل خاص طوال السنوات الثلاث الماضية، إضافة إلى أن شح الأمطار وسقوطها خارج المواسم الزراعية والجفاف والتصحر بالتزامن مع ارتفاع أسعار الوقود اللازم لضخ مياه الري يؤثر بقوة على النشاط الزراعي ومخرجاته وسبل العيش لسكان المناطق الريفية.
كما تدهور الوضع الكلي للأمن الغذائي كثيراً بسبب انهيار صادرات النفط والغاز وغيرها من الصادرات الزراعية والسمكية حيث قٌدر تراجع إجمالي الصادرات بأكثر من 70% مقارنة بما كانت عليه عام 2014 (أي قبل اندلاع الحرب) مما أثر على سبل العيش للمزارعين والصيادين، وقلص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد.
وبالتالي، ساهم ذلك في تدهور العملة الوطنية مقابل الدولار وارتفاع سعر الصرف التفضيلي لتمويل واردات السلع الغذائية الأساسية بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بقبل الأزمة.
فوضى الحرب
الباحث الزراعي هاني الجرباني يلخص في حديث لـ"العربي الجديد"، وضعية القطاع الزراعي في اليمن، ويقول إنه لا يزال قطاعا خاما تائهاً في زحام خطط وبرامج الجهات والهيئات والمؤسسات التي تديره والاستراتيجيات الموضوعة لتطويره والفوضى العارمة التي تجتاح العملية الزراعية والإنتاجية والتصديرية منذ ما قبل الحرب وزادت وتيرتها بعد 2015.
ويتطرق الجرباني إلى بعض التحديات والتأثيرات الأخرى التي تعاني منها الزراعة في اليمن، كتوسع زراعة القات وإهدار المياه والوسائل التقليدية القديمة التي أنهكت التربة وبعثرت المياه والمساحات الزراعية.
الباحث الزراعي هاني الجرباني يلخص في حديث لـ"العربي الجديد"، وضعية القطاع الزراعي في اليمن، ويقول إنه لا يزال قطاعا خاما تائهاً في زحام خطط وبرامج الجهات والهيئات والمؤسسات التي تديره
وحسب تقارير زراعية رسمية فقد تحول العديد من المزارعين في اليمن إلى المحاصيل النقدية الذي يحتل فيها القات المقام الأول، ومع انخفاض صادرات النفط، تزايد إنتاج الأغذية ببطء إلى أن سببت النزاعات المسلحة بإيقاف جزء كبير من النشاط الزراعي.
النساء بدلا من الرجال
نظرًا لسحب أبناء الريف من الرجال للانضمام إلى أطراف النزاع، تحملت النساء العمل الزراعي تدريجيا في هذه المجتمعات الريفية، واللاتي غالبًا ما يفتقرن إلى المهارات أو الوسائل اللازمة لاكتساب مثل هذه المهارات اللازمة لهذا العمل. بدوره، يوضح الخبير المختص في التسويق الزراعي عبد الله السباعي، لـ"العربي الجديد"، أن هجرة المزارعين المهرة والشباب أثرت سلبا في القطاع، مؤكدا أن الحرب هي أكبر أسباب تدهور الزراعة في اليمن.
وأضاف: يجب الاهتمام بالمزارعين وتوفير الإمكانات لهم حتى لا يتركوا القطاع، كما يجب توجيه الاهتمام إلى المنتجات الزراعية التي يمكن إضافة قيمة نسبية لها من خلال التركيز على زراعة بعض المحاصيل حسب كل موسم.
العربي الجديد