مركز دراسات يكشف عن الأطماع السعودية في المهرة.. وعلى ناصر يتحدث عن تلك الأجندات

كشف مركز دراسات عن الأطماع العلنية والسرية للمملكة العربية السعودية في محافظة المهرة (بوابة اليمن الشرقية الحدودية مع سلطنة عمان).

 

وتحدث التقرير الصادر عن "مركز هنا عدن للدراسات الإستراتيجية" عن الأجندات الإستراتيجية للسعودية وما تتضمنه من أطماع ونفوذ في المهرة.

 

وتناول التقرير أطماع النفوذ ومظاهرها وأبعادها وآثارها على المشهد العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في اليمن.

 

وبحسب التقرير فإن المهرة منذ عقود عاشت حالة من الاستقرار الدائم، ومثلت نموذجًا للمحافظات اليمنية الخالية من عوامل الانقسام وأسباب الفوضى بشكل كبير، حيث المجتمع يتمتع بحياة هادئة في ظل علاقات بينية متناغمة وإدارة محلية تسيّر حياة الناس بهدوء، وقد ظلت الأوضاع على هذه الحال منذ رحيل المستعمر البريطاني عن جنوب اليمن 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، وطوال المراحل اللاحقة وفي مختلف التحولات السياسية التي حدثت في البلاد، سواء في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولاحقًا في ظل الدولة اليمنية الواحدة.

 

ووفقا للتقرير فإن المهرة طوال السنتين الأوليين للحرب، احتفظت بحالة سلام ولم يكن هناك ما يستدعي أي معارك فيها أو تواجد لأي قوة خارجية، وتمكنت السلطة المحلية من حفظ الأمن وإدارة الحياة العامة بمستوى جيد، وجنبت المحافظة أي انزلاق محتمل نحو العنف.

 

وأشار إلى أنه بين عشية وضحاها، تعمدت القوات السعودية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 سحب المحافظة نحو أزمة كبيرة، حدثت فيها تحولات كبيرة.

 

تدخل بذرائع واهية

 

يقول مركز هنا عدن للدراسات في تقريره إن السعودية تغلغلت في المحافظة الأكثر هدوءا والأكثر اقتصادا في اليمن تحت ذريعة التهديد الحوثي وتهريب الأسلحة.

 

وتطرق التقرير إلى أنه في 15 نوفمبر / تشرين الثاني 2017، حدد الاجتماع ستة شروط للسماح بنشر القوات السعودية أهمها عدم تحويل المطار إلى ثكنة عسكرية، وضرورة التنسيق بين القوات السعودية والسلطة المحلية.

 

وفرضت سلطات آل سعود تغييرات إدارية في السلطات المحلية، وعمدت على تعزيز قواتها العسكرية وفرضت القوات السعودية على البضائع المستوردة العبور حصراً عبر الميناء والمنافذ الحدودية.

 

والمهرة ثاني أكبر محافظات اليمن من حيث المساحة، وهي منطقة تقع في أقصى شرقي البلاد تحدها عمان من الشرق، والسعودية من الشمال، ومحافظة حضرموت من الغرب، وبحر العرب من الجنوب، ويعد ساحلها البالغ طوله 560 كيلومتراً الأطول من أي ساحل آخر في أي محافظة يمنية.

 

وتشمل المحركات الرئيسية للاقتصاد المحلي في المهرة صيد الأسماك والزراعة وتربية الحيوانات والإيرادات الجمركية من المنافذ الحدودية للمحافظة مع سلطنة عُمان.

 

جذور تاريخية للأطماع

 

لخص التقرير جذور ومظاهر وأبعاد الإستراتيجية السعودية في محافظة المهرة اليمنية، مشيرا إلى أن المملكة معروف عنها بأنها دولة توسعية نشأت ولديها شهية مفتوحة لتجاوز حدودها واستقطاع أراضي من كثير من الدول المجاورة لها، وتعتبر اليمن الدولة الأولى التي تعرضت أراضيها للسطو والتحايل عليها من قبل الرياض بكل الطرق الممكنة، سواء الحروب أو عقد الاتفاقيات أو استغلال الأزمات الداخلية لمد نفوذها بشكل متجاوز للسيادة اليمنية.

 

يضيف "كانت البدايات بعد تأسيس الدولة السعودية الحديثة، وتحديدًا في عام 1935، حين أرسل الملك عبد العزيز مستشاره البريطاني لإقناع سلاطين المهرة وحضرموت بالانضمام إليه، وحين قوبل المقترح بالرفض الداخلي، حاولت المملكة بعد سنوات، وتقريبًا في عام 1969، إنشاء جيش من المرتزقة، عرف آنذاك تحت مسمى "جيش تحرير المهرة وحضرموت" وهذا المخطط هو ما كشفت عنه سلطات اليمن "الديمقراطية الشعبية" الحاكمة لجنوب اليمن في تلك المرحلة.

 

ويتابع "بعدها بسنوات وفي زمن الرئيس سالم ربيع علي المعروف بـ"سالمين" تحسنت العلاقة مع السعودية وحاولت هذه المرة استخدام الدبلوماسية لطرح مقترح مد أنبوب نفطي في محافظة المهرة، إلا أن المقترح لم يلقَ قبولا، لتعاود طرحة مرة ثانية في فترة الرئيس علي ناصر محمد في العام 1982 ولم تنجح مساعيها، وقد كانت في تلك الأيام تستغل الوضع الاقتصادي لليمن الجنوبي لتتمكن من تقديم اغراءات تنتهي بموافقتهم، غير أن الأمر لم يتحقق.

 

ولفت التقرير إلى أن المرة الأخيرة لمحاولاتها الدبلوماسية كانت بعد الوحدة، حيث طرحت الأمر بلغة واضحة على السلطات في الجمهورية اليمنية، وهناك وثيقة سرية مسربة من ويكليكس مرسلة من وزارة الخارجية السعودية وتكشف مطالبها بذلك، غير أن اللجنة اليمنية التي خاضت حوارات مع الجانب السعودي لم تتوصل إلى حل، بسبب الاشتراطات السعودية المتجاوزة للسيادة اليمنية وطلبها مساحة كبيرة على جانبي مد الأنبوب من بداية الحدود السعودية مرورا بالأراضي اليمنية ووصولا إلى بحر العرب إلى جانب طلبها أن تكون هذه الأراضي تحت السيادة السعودية.

 

وأردف "بعد التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، لكن هذه المرة بطريقة مختلفة وأقرب للفرض بالقوة ودون الحاجة للرجوع للسلطة الشرعية اليمنية والتي تتخذ من الرياض مقرا لها منذ بدء عاصفة الحزم في 26 مارس 2015".

 

فرصة سانحة لتثبيت الأجندة

 

 يشير التقرير إلى أنه مرت ثلاث سنوات منذ بداية التدخل العسكري لما يسمى بالتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وطوال هذه الفترة، كانت الحرب قد تمددت لتشمل غالبية محافظات الجمهورية اليمنية، باستثناء المهرة وثلاث محافظات أخرى تقريبـا، لم تصلها شرارة الحرب، حيث ظلت بعيدة عن مليشيات الحوثي، ولم يكن هناك ما يستدعي أي استحداثات عسكرية فيها من طرف التحالف، كما أسلفنا.

 

وذكر "في نوفمبر / تشرين الثاني 2017، حيث محافظة المهرة تعيش استقرارا سياسيا واقتصاديا وأمنيا جيدا بالمقارنة مع بقية محافظات اليمن، وصلت مجموعة من القوات السعودية وبدأت فصول جديدة من الحكاية، حيث تسبب هذا الحضور غير المبرر، بردة فعل شعبية جعلت المحافظة ساحة مفتوحة لصراع ممتد للعام الثاني، بين حراك شعبي رافض لعسكرة الحياة المدنية في المحافظة وطرف خارجي يعمل بكل عدوانية لفرض وتثبيت حضوره بالقوة.

 

 واستطرد "في البداية، برر الجيش السعودي تدخله في المهرة بالحاجة إلى وقف تهريب الأسلحة للحوثيين عبر المحافظة، وهو ما تنفيه السلطات الأمنية والمحلية بالمحافظة آن ذاك".

 

ووفقا للتقرير ظهر التوتر بين القوات السعودية والسكان المحليين في المهرة منذ اليوم الأول في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بعد أن وصلت دفعة من الجنود السعوديين إلى مطار الغيضة، برفقة ضباط سعوديين و21 ضابطاً مهرياً سبق تدريبهم في مدينة الطائف السعودية قبل ثلاثة أشهر.

 

واستدرك "بعد المعارضة التي لقيها انتشارها العسكري الأولي، تحركت السعودية للسيطرة على سلطة المهرة المحلية من خلال هندسة إقالة المحافظ. في 27 نوفمبر / تشرين الثاني، تم استبدال بن كدة بمرسوم رئاسي وتعيينه في منصب وزير الدولة في الحكومة اليمنية وتعيين راجح باكريت خلفا له.

 

وصل المحافظ الجديد باكريت إلى مطار الغيضة في 1 يناير/كانون الثاني 2018، على متن طائرة سعودية، بمرافقة شيوخ مهريين حاصلين على الإقامة السعودية منذ الثمانينيات.

 

يقول مركز الدراسات "بين إقالة بن كدة ووصول باكريت، كثفت السعودية بسرعة بنائها العسكري في المحافظة. وزادت الرحلات الجوية بين الرياض والغيضة، وكذلك زاد الوجود العام للجنود السعوديين المنتشرين في المطار، كما سيطرت القوات السعودية على ميناء نشطون على ساحل المهرة، إلى جانب منفذَي شحن وصرفيت الحدوديَّين مع عُمان. وتم وضع إجراءات أمنية إضافية في منفذ شحن، بما في ذلك تركيب جهاز مسح بالأشعة السينية لفحص البضائع التي تدخل اليمن.

 

ثكنات عسكرية وحصار سلطنة عمان

 

في إطار خطة السعودية لإحكام قبضتها على المناطق المهمة في محافظة المهرة يقول التقرير "واصلت القوات السعودية الدفع بكتائب عسكرية جديدة نحو مناطق حساسة في المحافظة، منها منفذ صرفيت وبر مديرية حوف، بل امتد إلى شواطئها أيضًا، كما أقامت قاعدة عسكرية في محمية حوف والسيطرة على منفذ شحن".

 

وفرضت السعودية سيطرتها الكاملة على مطار المحافظة والمنافذ الحدودية والميناء البحري الرئيس، وقد بنت أكثر من ثلاثين موقعا وثكنة وقاعدة عسكرية برية وبحرية حول المحافظة ويتمركز فيها الآلاف من الجنود وقوات يمنية موالية للتحالف جرى حشدها من محافظات جنوبية متعددة.

 

أطماع منذ القدم

 

يشير التقرير أيضا إلى أن الأطماع السعودية في المهرة واضحة للعيان، وبعد خمس سنوات من التدخل العسكري للتحالف العربي، اتضحت كل الأجندة السعودية، إذ تسعى المملكة إلى بناء قوات مليشاوية تقوض الشرعية في جنوب البلاد.

 

وقال إن حاجة المملكة لمد أنبوب نفطي خاص بها، يكون بمثابة منفذ بديل وآمن يمكِّنها من تأمين عملية تصدير نفطها للخارج عن طريق بحر العرب وذلك بدلا من مضيق “هرمز” الخاضع لسيطرة إيران، مشيرا إلى أن  المملكة تعتقد أن سلوكها طرقا غير رسمية هو أقل تكلفة لها وأيسر وصولًا من الالتزامات القانونية والرسمية.

 

وأضاف "في الحالات القليلة التي لم تتمكن فيها السعودية من انتزاع ما تريده من مصلحة في اليمن وبالطريقة التي تتصورها لم يكن الأمر يدفعهم لمراعاة اشتراطات الجانب اليمني وتلبيتها، بل مباشرة يلجؤون لرفض القبول بأي اتفاقية لا يتمكنون فيها من إملاء شروطهم كاملة".

 

شاهد على ذلك

 

ووفقا لمركز هنا عدن للدراسات حرص في تقريره على التواصل مع مسؤول يمني كبير وسابق، كان أحد المسؤولين الذين تعاملوا مع هذا الطلب السعودي منذ منتصف الثمانينيات، هو رئيس الوزراء الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، الذي تولى رئاسة الحكومة الجنوبية في 2 أغسطس 1971م ــ 14 فبراير 1985م.

 

ونقل المركز عن ناصر قوله إن السعودية كانت هي الطرف الذي رفض مقترحات الجانب اليمني، رغم تعامل المسؤولين اليمنيين بإيجابية مع الطلب.

 

وقال ناصر "في عام 1975 زارنا وفد من الكويت برئاسة الشيخ صباح الأحمد الصباح وزير الخارجية ويرافقه السيد أحمد السقاف مستشاره لشؤون هيئة الخليج والجنوب التي كانت تشرف على تقديم المشاريع التربوية والصحية لليمن شمالا وجنوبا وللصومال والسودان ورأس الخيمة وسلطنة عمان، واستمر هذا الدعم لليمن شمالا وجنوبا حتى الوحدة".

 

يضيف "أثناء هذه الزيارة اقترح الشيخ صباح فكرة مد أنابيب من الدمام إلى بحر العرب وجاء بتكليف من الملك فيصل ودول الخليج الأخرى وقبل اللقاء مع الرئيس ربيع زارني وشرح لي فكرة مد الأنابيب وموضوع الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي".

 

وأتبع ناصر بالقول "سألته: لماذا مد الأنابيب ونفط الخليج يمر عبر مضيق هرمز؟ قال إنهم يخشون وقوع زلزال في مضيق هرمز يمنع مرور سفن النفط، ولم أقتنع حينها بهذا الحجة ولكن كان يبدو أنهم يتنبؤون أو يتوقعون وقوع زلزال في إيران وليس في مضيق هرمز. وهذا ما حدث عام 1979 بسقوط نظام الشاه".

 

وأردف "بعد ذلك التقيت مع الرئيس ربيع قبل لقائه مع الوفد وذلك بناء على طلب الشيخ صباح الذي كانت تربطني به وبدولة الكويت علاقات شخصية وسياسية بحكم زيارتي لها أكثر من مرة".

 

وقال علي ناصر "نصحت الرئيس ربيع ألا يرفض الطلب ولكن يبلغهم بأننا سندرسه. أما علي البيض الذي كان حاضراً هذا اللقاء فقد رفض الفكرة جملة وتفصيلاً وأن الشيخ صباح مُكلف بهذا الدور من المخابرات البريطانية".

 

ولفت إلى أن "ربيع استقبلهم بعد ذلك ورد عليهم بأننا سندرس هذا الموضوع مع القيادة وسنرد عليهم لاحقاً".

 

مأزق المملكة

 

ويتحدث التقرير عن ثلاث معضلات رئيسية تواجه السعودية تتعلق بتواجدها العسكري في المهرة، وهي معضلات لا يمكن القفز عليها بسهولة كما لا يمكن معالجتها

 

وقال إن المأزق الأول: انكشاف أطماع الرياض بشكل جلي وواضح وبما أفقدها أي مبرر سياسي ممكن، ويمكن القول إن المهرة كانت بمثابة الكاشف المركزي الأوضح لمخططات السعودية باليمن، وبشكل لا يترك أي مجال للبس، فقد حولت السعودية محافظة يمنية آمنة ومستقرة ومعزولة عن ظروف الحرب في باقي المحافظات إلى محافظة تشهد أكبر عملية توتر داخلي بفعل تواجدها العسكري هناك.

 

والمأزق الثاني: دخولها في مواجهة شعبية مفتوحة مع أبناء المجتمع المهري وتمزيق النسيج الاجتماعي المترابط للمحافظة ومحاولة شراء واستقطاب بعض رموز القبائل لجانب حوادث الاشتباك مع المتظاهرين الرافضين لتواجدها بشكل جعل المجتمع المهري يعيش حالة غليان واحتقان شعبي واسع لم يعشه طوال تاريخ محافظته الهادئة والمسالمة.

 

أما المأزق الثالث -حسب التقرير- التجاوز الصارخ للحكومة "الشرعية" وتأسيس وجودها العسكري هناك بمعزل عن أي تنسيق رسمي واحترام لسلطات الدولة، وبهذا تكون السعودية قد أسقطت الغطاء القانوني لتواجدها هناك.