كيف تسلَّلت إيران إلى سماء اليمن وشواطئها لتهدِّد المنطقة والعالم؟*

من الصين شرقاً إلى اليونان غرباً؛ وما بينهما تركيا وإيران والإمارات وسلطنة عُمان؛ وصولاً إلى سواحل أفريقيا الشرقية وشواطئ اليمن الشرقية والغربية، وانتهاءً بالعاصمة اليمنية صنعاء، مسرح عمليات مفتوح لأكبر شبكة تهريب في العالم جنّدتها إيران لتزويد وكلائها في اليمن (مليشيا الحوثيين) بالأسلحة والذخائر المتنوعة وبالخُبراء والوقود والمخدّرات.

وشملت هذه الإمدادات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق المسيّرة "المفخخة" والتي مكّنت المليشيا الحوثية من شن هجمات مستمرّة على المدن اليمنية واستهداف المنشآت الحيوية داخل المملكة العربية السعودية، والإمارات، وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وشهدت الهجمات الحوثية باستخدام تلك الأسلحة تصاعداً دراماتيكياً منذ أكثر من 6 سنوات، ما أثار كثيراً من التساؤلات بشأن هذه القدرات وكيفية وصولها إلى يد الحوثيين رغم إجراءات الحظر الدولية التي تمنع وصول الأسلحة إلى الانقلابيين في اليمن.

يكشف «المصدر أونلاين» في هذا التحقيق الهيكل الإداري للشبكة الإيرانية التي تنشط في تهريب الخبراء والأسلحة والمعدات العسكرية إلى الحوثيين في اليمن، ويوضّح طبيعة نشاطها والطرق الخارجية والممرات الداخلية التي تسلكها. ويستعرض مراحل تزويد إيران لوكلائها الحوثيين بأنظمة الطيران المسيّر بدءًا من الطائرات البدائية التي لا يتجاوز مداها كيلومتر واحد، إلى أنواع من الطائرات المسيّرة بعيدة المدى التي أصبحت تُهدد دول الإقليم.

ويقدّم التحقيق، الذي استند لأكثر من (15) مصدراً عسكرياً وأمنياً ومصادر أخرى على اطلاع بأنشطة التهريب وإلى وثائق وتحقيقات محليّة ودولية ذات صلة، إحصائيات خاصة بأعداد الهجمات الحوثية داخل اليمن وخارجها، وإحصائيات بعمليات استهداف هذه القدرات، سواء من خلال ضبط شحنات الأسلحة والمعدات العسكرية أثناء محاولة تهريبها أو استهداف الورش والمخازن التي تستخدمها مليشيا الحوثي لتجميع وتخزين الصواريخ والطائرات والزوارق.

بدايات محدودة

في نهاية شهر أكتوبر عام 2016، نجا العقيد في الجيش اليمني «خالد الأقرع»، من محاولة اغتيال نفّذتها مليشيا الحوثي باستخدام طائرة مسيّرة "مفخخة" استهدفته في منزله بمنطقة "حريب نهم" شرق العاصمة صنعاء، ووفقاً لمصادر عسكرية- حينها- فإن الطائرة أُسقطت دون أي أضرار.

وكانت المليشيا الحوثية قد شرعت، منذ بداية 2016، في استخدام طائرات مسيّرة، صغيرة الحجم، اقتصرت مهامها في البداية على استطلاع الجبهات وتوجيه سلاح المدفعية في مسافات قريبة، قبل أن تستخدمها لاحقاً كقنابل طوّافة للفتك بخصومها.

ووفقاً لمصادر عسكرية تحدثت لـ«المصدر أونلاين» فإن عملية استهداف «الأقرع» كانت بداية لنوع جديد من الاستخدام الحوثي للطائرات المسيّرة التجارية التي تستخدم في الأغراض الخدمية كالتصوير وغيرها، وكانت قد حصلت عليها عبر تهريبها من الخارج "كلياً" باعتبارها متاحة تجارياً لأي شخص.

واعتبرت المصادر تلك العملية أولى الإشارات على دخول الخبرات الإيرانية في مجال الطيران المسيّر ميدان المعركة في اليمن، حيث تقوم بتحويل الطائرات التجارية إلى "قنابل" تستخدمها المليشيا الحوثية لضرب تجمعات أو أفراد من خصومها.

المعرض الأوّل

وفي الـ26 من فبراير عام 2017، استعرض الحوثيون (4) أنواع من الطائرات المسيّرة في معرض أقاموه للمرّة الأولى في صنعاء، وزعموا أنهم قاموا بتصنيعها وهي: الهدهد، وراصد، ورقيب، وقاصف1. والأخيرة، أوّل نوع من الطائرات المسيّرة التي أعلنت المليشيا امتلاكها وتؤدي مهاماً "هجومية" وتحلّق لمسافة أطول داخل حدود اليمن، في حين اقتصرت مهام الثلاث الأولى على تنفيذ مهام استطلاعية محدودة النطاق.

وقبلها بأسبوعين، كان زعيم المليشيا «عبدالملك الحوثي» قد أعلن في خطاب متلفز عن بدء جماعته بتصنيع الطائرات بدون طيار المسيّرة.

تلى المعرض حملات واسعة نفذتها مليشيا الحوثي لجباية الأموال من المواطنين والتجار والشركات في المناطق الخاضعة لسيطرتها تحت مسمّى دعم "القوة الصاروخية" و"الطيران المسيّر" وشملت شركات الهاتف النقال «سبأفون، يمن موبايل، إم تي إن» التي أجبرتها على إرسال رسائل نصية دورية تحث مشتركيها على التبرّع بـ(100) ريال يمني للغرض ذاته.

وخلال العام 2017، أسقطت القوات الحكومية (12) طائرة مسيّرة استطلاعية وانتحارية، أطلقتها مليشيا الحوثي- في أوقات متفاوتة- باتجاه مواقع عسكرية شرق صنعاء وفي مارب والجوف والبيضاء وتعز ولحج والضالع والحديدة وحجة، وفقاً لمصادر عسكرية تحدّثت لـ«المصدر أونلاين».

مهام خارج الحدود

يوم الأربعاء الـ11 من أبريل عام 2018 أعلنت مليشيا الحوثي عبر فضائية «المسيرة» التابعة لها، استهداف مطار أبها الدولي جنوبي غرب السعودية بطائرة مسيّرة من نوع «قاصف1» وكذا استهداف شركة أرامكو النفطية في مدينة جازان. وحينها، أعلن تحالف دعم الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة السعودية، للمرّة الأولى، اعتراض وتدمير طائرتين مسيّرتين، قال إن الحوثيين أطلقوهما تجاه مطار أبها ومنشآت مدنية بجازان. وكذا اعتراض (3) صواريخ باليستية أحدهما فوق الرياض.

وفي الشهر التالي، وتحديداً بتاريخ (26 مايو 2018) هاجم الحوثيون- مجدداً- مطار أبها بطائرة من النوع ذاته (قاصف1). وللمرّة الأولى، اتهم المتحدث باسم التحالف العربي الذي تقوده السعودية تركي المالكي، إيران بتزويد مليشيا الحوثي بهذه الطائرات. وقال إن الطائرة التي اُستخدمت في ذلك الهجوم على المطار "ذات خصائص ومواصفات إيرانية من نوع قاصف/ أبابيل". في إشارة إلى الطائرة الإيرانية المسيّرة «أبابيل T».

وكانت تلك هي المرّة الأولى التي تستخدم فيها المليشيا الحوثية طائرات مسيّرة «قاصف1» إلى جانب الصواريخ الباليستية لضرب أهداف بعيدة خارج الحدود؛ بعد أن انحصرت أهدافها في نطاقات محدودة داخل اليمن لأكثر من عام.

الإمارات هدفاً

وفي النصف الثاني من العام (2018)، بدأت مليشيا الحوثي باستخدام أنواع جديدة من الطائرات المسيّرة بعيدة المدى، وشملت أهدافها منشآت حيوية في عمق السعودية والإمارات.

وأوّلها الطائرة المسيّرة نوع «صماد2» "يصل مداها إلى نحو 1000 كيلومتر"، أعلنت المليشيا استخدامها للمرّة الأولى في استهداف مصفاة تابعة لشركة أرامكو في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ الـ18 من يوليو.

وبعدها بنحو أسبوع، وتحديداً في الـ26 من يوليو أعلنت المليشيا الحوثية استهداف مطار أبوظبي الدولي في الإمارات بطائرة مسيرة نوع «صماد 3» "يزيد مداها عن 1000 كيلومتر“، وهي المرّة الأولى التي تستخدم فيها هذا النوع من الطائرات، وتبعد أبوظبي عن مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن أكثر من 1200 كيلومتر.

وفي اليوم التالي، أعلنت استهداف مطار دبي الدولي بطائرة مسيّرة من النوع ذاته، يبعد المطار حوالي كيلومترين اثنين عن وسط دبي ثاني أكبر مدينة في الإمارات ويبعد عن مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن نحو 1400 كيلومتر.

وفي الـ30 من سبتمبر من العام ذاته، 2018، أعلنت مليشيا الحوثي استهداف مطار دبي بطائرة من النوع ذاته، للمرّة الثانية. إلا أن الإمارات نفت حدوث تلك الهجمات جملةً وتفصيلاً.

وكان أوّل هجوم صاروخي أعلنت المليشيا الحوثية تنفيذه باتجاه الإمارات في (ديسمبر 2017)، استهدف محطة «براكة» للطاقة النووية في أبوظبي "بصاروخ مجنّح من نوع كروز".

وخلال نحو ثلاث سنوات لم يُسجل أي هجوم يشنه الحوثيون على الإمارات، خاصة بعد توقيع اتفاق الحديدة في ستوكهولم والذي أوقف تقدم القوات التي كانت تدعمها أبوظبي غربي اليمن.

لكن هجمات الحوثيين على الإمارات عادت في يناير 2022 بعد انتقال قوات "ألوية العمالقة" إلى محافظة شبوة وتحقيقها تقدماً كبيراً وسريعاً بدعم التحالف وإسناد المقاومة المحلية، واستطاعت خلال أسابيع تحرير مديريات بيحان وعسيلان وعين غربي المحافظة، بالإضافة إلى مدينة حريب جنوبي مأرب وما حولها.

وأعلن الحوثيون في الـ17 من يناير استهداف الإمارات بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، فيما أعلنت أبوظبي اندلاع حريق أدى إلى انفجار 3 صهاريج نقل محروقات بترولية في منطقة مصفح بالقرب من خزانات شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، ما أدى إلى مقتل ثلاثة مقيمين وإصابة آخرين. وأضافت ان "حريقاً بسيطاً" وقع في منطقة الإنشاءات الجديدة بمطار أبوظبي الدولي، وفقا لوكالة الأنباء الإماراتية.

ونقلت الوكالة عن الشرطة قولها إن التحقيقات الأولية تشير إلى "رصد أجسام طائرة صغيرة يحتمل أن تكون لطائرات من دون طيار (درون) وقعت في المنطقتين قد تكون السبب في الانفجار والحريق".

وفي وقت مبكر صباح الـ23 من يناير 2022 أعلنت الإمارات اعتراض وتدمير صاروخين بالستيين في أجوائها، وقالت إن بقايا الصاروخين تساقطت في مناطق لم ينجم عن ذلك ضحايا، فيما أعلن الحوثيون شن هجوم كبير استهدف أبوظبي ودبي بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، إضافة إلى هجمات مماثلة استهدفت مناطق في جنوب السعودية.

ويوم الاثنين الماضي، أعلنت الإمارات اعتراض وتدمير صاروخ بالستي أطلقه الحوثيون على الإمارات، فيما زعم المتحدث العسكري لمليشيا الحوثيين شن هجوم بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة على أهداف في أبوظبي ودبي.

الهجمات بالأرقام

وخلال الفترة (منذ يوليو 2015 وحتى ديسمبر 2021)، وثّق فريق التحقيق 317 هجوماً نفّذته مليشيا الحوثي باستخدام الصواريخ الباليستية، منها 111 صاروخاً داخل اليمن و206 هجوماً صاروخًا على مناطق سعودية. وخلال الفترة ذاتها، رصد الفريق 57 هجوماً على أهداف ثابتة ومتحركة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، غالبيتها بزوارق "مفخخة".

وخلال الفترة من (أكتوبر 2016 وحتى ديسمبر 2021)، وثّق فريق التحقيق استخدام مليشيا الحوثي لعدد 641 طائرة مُسيّرة في هجمات داخل اليمن وخارجها، منها 177 طائرة مسيّرة استهدفت بها أفرادًا ومنشآت بمناطق يمنية لا تخضع لسيطرتها، و464 طائرة مسيّرة ضد أهداف ومنشآت حيوية داخل السعودية بدءً من (أبريل 2018). ومعظم هذه الطائرات "انتحارية" أُجريت عليها تعديلات في ورش خاصة بحيث تنفجر بمجرّد اقترابها من الهدف.

ولا تشمل هذه الإحصائية، التي اعتمدت على المصادر المفتوحة، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة التي أطلقتها المليشيا الحوثية وسقطت قبل أن تصل أهدافها، سواء داخل اليمن أو باتجاه السعودية، وهي أيضاً أعداد كبيرة.


وفي أحدث إحصائية أعلنها التحالف بتاريخ (26 ديسمبر 2021) فإن مليشيا الحوثي أطلقت 430 صاروخاً باليستياً و851 طائرة مسيّرة على الأراضي السعودية منذ 2015، ما أسفر عن مقتل 59 مدنياً، معلناً تدمير 100 زورق حوثي "مفخخ" في البحر الأحمر خلال الفترة ذاتها. ولا يوجد أي إحصائيات لدى الحكومة الشرعية حول الهجمات الحوثية في الداخل اليمني.

تحوّل نوعي وكمّي

وشهد العام 2019، تصاعداً كبيراً في عدد ونوع ومديات الهجمات الحوثية باستخدام الطائرات المسيّرة. ففي الداخل بدأت المليشيا بتجريب نوع جديدة من الطائرات المسيّرة أبرزها طائرة أسمتها «قاصف2k»، ولاحقًا استخدمتها في هجمات استهدفت منشآت حيوية داخل السعودية.

واستخدمتها- للمرّة الأولى- في هجوم نفذته على قاعدة العند العسكرية بمحافظة لحج (جنوبي اليمن) أثناء عرض عسكري نظّمته القوات الحكومية في العاشر من يناير، وأسفر عن مقتل 6 جنود وضباط بينهم رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء محمد طماح، وكذلك نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش اليمني اللواء صالح الزنداني، وإصابة نحو 20 آخرين.

والطائرة «قاصف2k» انتحارية "متشظّية" تنفجر من أعلى إلى أسفل على بعد 10 أمتار من الهدف وبمدى قاتل يصل ما بين 80 × 30 متراً، وفقاً لوسائل إعلام حوثية.

وبدأ الحوثيون، خلال هذا العام، بانتهاج أسلوب الهجمات المتزامنة باستخدام أسراب من الطائرات المسيّرة الانتحارية، بما فيها «قاصف2k»، لاستهداف المنشآت الحيوية السعودية.

وسجّل أوّل هجوم حوثي من هذا النوع، بتاريخ 14 مايو 2019 استهدف محطتَي ضخّ نفطية لشركة أرامكو في منطقتي عفيف والدوادمي على بعد 220 كيلومتر و380 كيلومتر غرب الرياض، بـ7 طائرات مُسيّرة. وفقاً لتقارير إعلامية، فإن الطائرات انطلقت من محافظة صعدة اليمنية الحدودية مع المملكة، وأحدثت أضراراً في المحطة أدّى إلى توقّف الإمداد لفترة.

وفي الـ17 من أغسطس من العام ذاته شنّت مليشيا الحوثي هجوماً ثانياً من هذا النوع استهدف حقل الشيبة النفطي التابع لشركة «أرامكو» جنوبي شرق السعودية. وقالت المليشيا الحوثية إنها استهدفته بـ10 طائرات مسيّرة في عملية أطلقت عليها اسم "توازن الردع الأولى" وهي الأضخم من حيث عدد الطائرات المستخدمة في الهجوم. وحينها، أعلنت «أرامكو» السيطرة على حريق "محدود" شب في منشأة للغاز بحقل الشيبة إثر الهجوم.

وبعدها بشهر، وتحديداً في الـ14 من سبتمبر، أعلنت مليشيا الحوثي تنفيذ هجوم ثالث بـ10 طائرات مسيَّرة، استهدفت مصفاتَي بقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو شرق المملكة. وتحدثت وزارة الداخلية السعودية- حينها- عن "إخماد حريقَين في معملَين للشركة في بقيق وهجرة خريص، نتيجة استهدافهما بطائرات دون طيار"، دون أن تحدد الجهة المسؤولة عنه. كما أدى الهجوم إلى توقف نحو نصف إنتاج السعودية من النفط جراء الهجوم.

وأشارت المصادر العسكرية التي تحدّث معها «المصدر أونلاين» إلى أن الهجمات الحوثية باستخدام الطائرات المسيّرة التي على المنشآت الحيوية السعودية زادت خلال العام 2019 بنحو 20 ضعفاً مقارنة بعددها خلال 2018 والتي استخدمت فيها أقل من 10 طائرات.

وكان الناطق العسكري للمليشيا الحوثية يحيى سريع، قد تحدث في يناير 2019، عن "قفزات نوعية" حققتها جماعته في مجال تصنيع الطيران المسيّر. معتبراً أن 2019 سيكون "عام الطيران المسير". وزعم أن بإمكانهم "إنتاج طائرة مسيرة كل يوم".

المسيّرات سلاحاً رئيسياً

ولوحظ منذ 2019، تراجعاً نسبياً في استخدام المليشيا الحوثية للصواريخ الباليستية واعتمدت بدرجة رئيسية على الطائرات المسيّرة في هجماتها التي باتت حدثاً يومياً سواء في الداخل أو الخارج.

وبلغت الهجمات الحوثية ذروتها خلال 2021، حيث استهدفت المنشآت الحيوية السعودية بأكثر من 252 طائرة مسيّرة، وفقاً لإحصاءات فريق التحقيق، بعضها أطلقتها ضمن عمليات هجومية مشتركة إلى جانب الصواريخ الباليستية.

ويلاحظ من خلال الهجمات والتصريحات الحوثية اعتماد المليشيا- بشكل رئيس- على الطائرات المسيّرة لاستهداف المنشآت الحيوية في عمق السعودية خلال هذا العام، وفي مقدمتها «قاصف2k» يليها «صماد3».

وفي الـ20 من نوفمبر 2021 استهدفت المليشيا مواقع متفرقة في السعودية منها مصافٍ تابعة لـ«أرامكو» بـ14 طائرة مسيّرة نوع «صماد3» و«صماد2»، وهي العملية الثامنة من نوعها فيما تسمّيه بـ"توازن الردع" التي بدأتها في (أغسطس 2019) وتشرك في بعضها صواريخ باليستية.

وفي مارس 2021 عرضت المليشيا الحوثية بصنعاء 7 أنواع جديدة من الطائرات المسيّرة، منها طائرات انتحارية «وعيد، وخاطف»، واستطلاعية، «نبأ ومرصاد»، وطائرة «صماد 4» وهي امتداد للطائرات المسيّرة «صماد 1و2و3» وهي ذات قدرة على حمل ذخائر وصواريخ، وطائرة أخرى أسمتها «رجوم» وهي مروحيَّة مسيّرة أُجريت عليها تعديلات لتكون قادرة على حمل 6 قنابل هاون عيار 60 ملم وفقاً لوسائل إعلام حوثية.

وبهذا يتجاوز عدد أنواع المسيّرات التي أعلنت المليشيا الحوثية امتلاكها 14 نوعاً، تتنوع مهامها بين استطلاعية وهجومية، وتتفاوت في قدراتها ومدى الطيران.

وقال مصدر في الاستخبارات العسكرية اليمنية لـ«المصدر أونلاين» إن مليشيا الحوثي بدأت منذ مطلع العام 2019 بإنشاء سلسلة ورش صناعية في صنعاء وصعدة والحديدة لتجميع وتركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة "بإدارة وإشراف خبراء الحرس الثوري الإيراني". ومعها، تزايدت أنشطة تهريب الأجهزة والمعدات والمكونات التكنولوجية التي تدخل في صناعتها.

ويعود ذلك، وفقاً للمصدر، إلى سهولة تهريب مكوّنات الطائرات المسيّرة وتجميعها وإطلاقها، مقارنة بصعوبة تفكيك وتهريب مكوّنات الصواريخ الباليستية ومن ثم تجميعها وإطلاقها في ظل إجراءات التفتيش والرقابة المفروضة على المجال البحري والجوّي اليمني، فضلاً عن انخفاض كلفة الطائرات المسيّرة مقارنة بتكاليف الصواريخ.

هجمات مضادة

عادةً ما يعلن التحالف عن استهداف منصات إطلاق صواريخ بعد كل مرّة تتعرض فيها أراضي السعودية للقصف من قبل الحوثيين، إلا أن أوّل عملية عسكرية لاستهداف "ورش" متصلة بصناعة الطائرات كانت بعد نحو أسبوع من إطلاق الحوثيين أوّل طائرة مسيّرة باتجاه مطار أبها وتحديداً في الـ17 من أبريل عام 2018، معلناً استهداف "ورشة" قرب ميناء الحديدة، تستخدمها المليشيا "لتركيب وتجميع الطائرات المسيرة".

ومنذ ذلك التاريخ وحتى ديسمبر 2021 رصد فريق التحقيق نحو 48 عملية استهداف "نوعية" أعلن التحالف تنفيذها في مناطق تسيطر عليها مليشيا الحوثي "لاستهداف وتدمير شبكة متكاملة لقدرات ومرافق لوجستية للطائرات بدون طيار الحوثية وأماكن تواجد الخبراء الأجانب". منها نحو 40 عملية في صنعاء، فيما توزّعت البقيّة في صعدة والحديدة والمحويت.

ومن خلال العمليات المرصودة، فإن الأهداف التي أعلن التحالف تدميرها خلال تلك العمليات، والتي بلغت ذروتها في (أكتوبر- ديسمبر 2021)، تتوزّع كالتالي:

- ورش تجميع وتركيب الصواريخ الباليستية ومواقع تخزينها.

- ورش تجميع وتركيب وتفخيخ الطائرات المسيرة وأماكن تخزينها.

- مراكز دعم لوجستي ومراكز للصيانة والتحليل للطائرات المسيّرة.

- مخازن لمنصات الإطلاق وتجهيز الطائرات المسيّرة.

- عناصر "أجنبية" مسؤولة عن تجميع وتفخيخ الطائرات المسيّرة.

- منظومات وشبكة اتصالات عسكرية ومحطات التحكم الأرضية للطائرات المسيرة.

- أماكن وجود الخبراء "الأجانب" والمشغلين لمنظومات الاتصالات العسكرية.

- مواقع تدريب على إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.

- مواقع لتجميع وتفخيخ وإطلاق الزوارق المسيّرة والألغام البحرية.

- ورش ومراكز لتطوير الأسلحة النوعية.

وقبل ذلك التاريخ، لم يكن التحالف قد أعلن إلا عن تنفيذ عملية وحيدة في (ديسمبر 2017)، قال إنها استهدفت "ورش تصنيع وتعديل صواريخ أرض- أرض وصواريخ باليستية" في صعدة. مضيفاً أنه استهدف الورشة بينما كان "يوجد بها عدد من الخبراء والفنيين الأجانب" في إشارة إلى خبراء الحرس الثوري الإيراني. وهي المرّة الأولى التي يعلن فيها استهداف ورش تصنيع صواريخ داخل اليمن.

ولا يوجد معلومات عن الورش والمرافق اللوجستية التي تستخدمها المليشيا الحوثية لتركيب وإطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، إلا أن عمليات الإطلاق التي نفّذتها خلال السنوات الماضية، وكذا غارات التحالف المضادة، تشير إلى نحو 12 موقعًا في صنعاء ومحيطها وهي: قاعدة الديلمي الجوية المجاورة لمطار صنعاء الدولي، وكلية الطيران، ومعسكرات دار الرئاسة (بمديرية السبعين)، ومعسكر الحفا (أسفل جبل نقم)، ومعسكر الصيانة، ومعسكر سلاح المهندسين بسعوان، ومعسكرات الصمع والفريجة (بمديرية أرحب)، وجبل عيبان (بمديرية بني مطر)، ومعسكر السواد في منطقة حزيز، ومعسكر عمد وريمة حميد (بمديرية سنحان).

واستعرض التحالف في مؤتمر صحفي لمتحدثه تركي المالكي بتاريخ (٢٦ ديسمبر 2021)، ما قال إنها "أدلة تثبت تحكم وسيطرة ميليشيا حزب الله (اللبناني) المدعوم من إيران على الحوثي باليمن، وتحويل المليشيا مطار صنعاء الدولي إلى ورش لتفخيخ الطائرات وإجراء تجارب صاروخية".

وتضمنت الأدلة مخططات وبيانية ولقطات جوية مصورة لورش صناعة الطائرات المسيرة في مطار صنعاء المدني، وتجارب إطلاق صواريخ تم تطويرها كصواريخ دفاع جوي.

وعرض ناطق التحالف "فيديو يظهر فيه قيادي من حزب الله اللبناني وهو يعطي تعليمات للقيادي الحوثي أبو علي الحاكم بشأن استهداف السفن في البحر الأحمر". كما عرض مشاهد مصورة لقيادات إيرانية ومن حزب الله اللبناني في صنعاء، ومكونات طائرات مسيرة هرّبتْ إلى اليمن وخزّنتْ في مواقع مدنية.

وتعليقاً على المشاهد التي عرضها التحالف، اعتبرت الحكومة اليمنية على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، أنها "دليل على أن الحرس الثوري الإيراني ومليشيا حزب الله اللبناني هي من تدير العمليات العسكرية في اليمن (قيادة، تخطيط، قتال، تدريب، تسليح، تصنيع)، وهي من تطلق الصواريخ وتفخخ الطائرات لقتل اليمنيين واستهداف السعودية".

وفي أواخر يناير الماضي، نشر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريره لعام 2021 قال إن الحوثيين يعملون على تركيب معظم أنواع الطائرات المسيرة في المناطق التي يسيطرون عليها باستخدام المواد المتاحة محلياً، إضافة إلى مكونات تجارية مثل المحركات والإلكترونيات التي يحصلون عليها من الخارج باستخدام شبكة معقدة من الوسطاء في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.

وأضاف أن الحوثيين يواصلون السعي لاقتناء مكونات حيوية لمنظومات أسلحتهم، مشيراً إلى تتبع الفريق مكونات أسلحة استخدمها الحوثيون في هجمات نفذوها على جدة السعودية ومأرب. ومرّت هذه القطع بشبكة معقدة من الوسطاء لإخفاء المستخدم النهائي.

منظومة التهريب الإيرانية

وفيما يتصل بنشاط التهريب، كشفت المعلومات والوثائق التي حصل عليها «المصدر أونلاين» من مصادر أمنية، عن (35) شركة صناعية وتجارية تعمل ضمن المنظومة الإيرانية لتهريب الأسلحة والدعم اللوجستي إلى مليشيا الحوثي في اليمن، منها (10) شركات إيرانية تملكها الدولة، وتعمل في مجال صناعة الطائرات والصواريخ الباليستية والمراكب البحرية والتكنولوجيا العسكرية وأخرى تنشط في مجال النقل الجوّي والبحري.

وتحتل تلك الشركات الإيرانية رأس الهرم في هيكل المنظومة، ويليها شركات وسيطة تتواجد في إيران ودول أوروبية وآسيوية وخليجية، وتستخدم كواجهة لتغطية أنشطة الحرس الثوري الخارجية.

كما تكشف المعلومات عن (45) شخصاً يعملون ضمن منظومة التهريب، منهم (17) إيرانياً يتولّون قيادة أنشطة التهريب إلى اليمن، والبعض منهم يديرون شركات وسيطة تنشط في التهريب خارج إيران.

مصادر الصواريخ والطائرات الحوثية

وبرزت (5) شركات إيرانية على رأس الكيانات الإيرانية التي مكّنت الحوثيين من امتلاك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وزوّدتهم بخبرات تجميعها وتركيبها وإطلاقها لضرب أهداف داخل اليمن وخارجها.

ومنها، الشركة الإيرانية لصناعة الطائرات «HESA»، التي زوّدت المليشيا الحوثية بأنظمة الطيران المسيّر بما فيها طائرات «قاصف1». وأثبتت تحقيقات فريق الخبراء الأممي المعني باليمن ومؤسسة أبحاث التسلّح «كار» وتقارير دولية أخرى، أن الطائرة المسيّرة «قاصف1» التي ظهرت بيد الحوثيين هي نسخة من الطائرة الإيرانية «أبابيل-T» التي تصنّعها «HESA».

يليها مجموعتي ”الشهيد باقري الصناعية“ «SBIG» و“الشهيد «همّت» الصناعية“، وتعتبران أهم مؤسستين صناعيتين ضمن «منظمة الصناعات الجو فضائية» الإيرانية التي تنتج الصواريخ بأنواعها. وتقفان وراء تزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية ومنها صاروخ «بركان» الذي أثبتت تحقيقات دولية بما فيها تحقيقات فريق الخبراء الأممي أنه نسخة معدلة من الصاروخ الإيراني «قيام1».

واستخدمت المليشيا هذا النوع من الصواريخ في استهداف منشآت سعودية بينها مصافي نفط ينبع، غرب السعودية في (22 يوليو و4 نوفمبر 2017). وأكدت التحقيقات أن تلك الصواريخ، "ذات أصل إيراني، جلبت إلى اليمن بعد صدور الحظر المحدد الأهداف المفروض على الأسلحة". وظهر على بعض مكوّناتها علامات شركتي «باقري» و«همّت».

وإلى ذلك، تقف «شركة بهنام شهرياري للتجارة» على رأس الكيانات الإيرانية التي تقوم بتهريب الأسلحة إلى وكلاء طهران في لبنان وسوريا واليمن. ويملكها رجل الأعمال الإيراني «بهنام شهرياري» وهو قيادي في «فيلق القدس» وأحد قادة ما يعرف بـ«الوحدة 190» المعنية بتنفيذ مخطط التوسّع الفارسي خارج إيران، وتستخدم المؤسسات وشركات الشحن كواجهة؛ بما فيها شركة «بهنام» وشركة الطيران الإيرانية «ماهان إير».

وتتولّى «ماهان إير» هي الأخرى، نقل الخبراء والأسلحة والعتاد العسكري والأموال الإيرانية لدعم أنشطة الحرس الثوري في سوريا ولبنان والعراق واليمن.

و«ماهان إير»، هي أوّل شركة إيرانية أبرمت معها مليشيا الحوثي اتفاقاً فور انقلابها واجتياحها العاصمة صنعاء بقوّة السلاح في سبتمبر 2014، وبموجب هذا الاتفاق، الذي رفضته الحكومة الشرعية واعتبرته "انتهاكاً للسيادة اليمنية"، دشّنت خطوط «ماهان إير» جسراً جوّياً من بداية مارس 2015 انطلاقاً من طهران إلى مطار صنعاء، بمعدل (14) رحلة أسبوعياً. ولم تتوقف هذه الرحلات حتى انطلاق «عاصفة الحزم» بقيادة المملكة العربية السعودية في الـ26 من مارس 2015 لدعم الحكومة الشرعية. ووفقاً لناطق الحكومة اليمنية حينها، راجح بادي، فإن الهدف الإيراني من هذه الرحلات «إنشاء جسر جوي حربي لدعم الحوثيين عسكريًا ولوجستيًا».

وتخضع شركتي «باقري»و«بهنام» لعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأدرجتهما الخزانة الأمريكية إلى جانب «همّت» و«ماهان إير» على لائحة العقوبات بسبب "أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة ولدورها في تهريب الأسلحة الفتّاكة إلى الحوثيين".

شركات وسيطة

وتتلخص أنشطة الشركات الوسيطة في أربع مهام وهي: بيع الوقود الإيراني، وتحويل الأموال لدعم أنشط الحرس الثوري الخارجية، وشراء الأجهزة والمعدات العسكرية وشحنها إلى إيران وتهريبها إلى أذرعها المسلحة في المنطقة بما فيها مليشيا الحوثي.

ويقود الشركات الوسيطة، غير الإيرانية، تجّار ورجال أعمال ينتمون للمليشيا المسلحة الموالية لإيران في لبنان والعراق واليمن، وتعمل كأطراف ثالثة لخدمة الشركات الإيرانية الصناعية والتجارية.

وتمتلك شركة «ماهان إير»، على سبيل المثال، 5 شركات وسيطة، منها 4 شركات تتواجد مقراتها في الإمارات وهي: شركة «Gatewick LLC» للشحن، وشركة «Jahan Destination Travel and Tourism LLC»، لخدمات الطيران، وشركتي «بارثيا كارجو» لخدمات الشحن، و«دلتا بارتس ساب إف زد سي»، إضافة إلى شركة «Gomei Air Services Co» لخدمات الطيران في «هونغ كونغ» جنوب الصين. وجميعها تخضع لعقوبات أمريكية لقيامهما بتوفير قطع الغيار والخدمات اللوجستية الرئيسية لشركة «ماهان إير» الإيرانية. وشملت الإيراني «أمين مهدوي» الذي يملك «بارثيا كارجو»، ويقيم في الإمارات.

ويعود أوّل نشاط إيراني لاستخدام الشركات الوسيطة لتهريب مكوّنات الطائرات المسيّرة للحوثيين في اليمن إلى العام 2015، وفقاً لتحقيق أجراه فريق الخبراء الدوليين في مسلسل العهدة المتعلق بمحركين من نوع «3W110i B2» عُثِرَ عليهما ضمن حطام طائرة حوثية نوع «صماد» يحملان الرقمين التسلسليين «1561517B» و«1561528B».

واستناداً إلى وثائق قال فريق الخبراء إنه حصل عليها، فإن المحركين من صنع الشركة الألمانية «3W- MODELLMOTOREN Weinhold GmbH» في هاناو بألمانيا، وكانا ضمن شحنة من (21) محركاً من هذا النوع تم تصديرها في (يونيو 2015) إلى شركة «Eurowings Aviation and Consultancy» في أثينا.

وأظهرت الوثائق أن الشحنة مرّت عبر اليونان إلى تركيا لتصل أخيراً إلى شركة اللوجستيات ««Giti Reslan Kala، التي تلقتها نيابة عن «Tafe Gostar Atlas» في طهران". قبل أن يُعثر عليهما ضمن حطام طائرة أطلقتها مليشيا الحوثي في اليمن (2018).

وأيضاً، وثّق الفريق وجود ملفات الإشعال «AM» التي تصنّعها شركة «Swedish Electro Magnets» كجزء من نظام محركات الطائرات المسيرة «صماد». وتفيد معلومات الفريق بأن الشحنة جرى "تصديرها في عام 2016 إلى شركة في إيران عن طريق وسيط في الهند"، قبل أن يتم تهريبها إلى الحوثيين في اليمن ويّعثر عليها في حطام طائرة مسيّرة حوثية.

قيادة التهريب

وبالنسبة للأشخاص، تنوّعت أنشطتهم بين تهريب الصواريخ ومكوّناتها إلى الحوثيين وتزويدهم بالخبرات التقنية والفنية المتعلقة بها، وكذا تهريب الطائرات المسيّرة والمكوّنات التي تدخل في صناعتها، وتمويل شراء الأسلحة والمعدات العسكرية وتهريبها، فيما يقوم آخرون بتمويل أنشطة خبراء الحرس الثوري الذين ينفذّون برامج التدريب الميداني للعناصر الحوثية داخل اليمن.

وعلى رأس هؤلاء 6 قيادات عسكرية إيرانية تقود عمليات تهريب تقنية الصواريخ الباليستية إلى الحوثيين وكل ما يتعلّق بتركيبها وتشغيلها وهم: محمود باقري كاظم اباد، محمد آغا جعفري، جواد بوربار شير امين، محمد سيد علي طهراني، مهدي آزاربيشه. إضافة إلى محمد إبراهيم زرغر طهراني. وجميعهم وضعتهم الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات "لنقلهم مكونات الصواريخ الباليستية ونشر خبراء الصواريخ في أنحاء المنطقة، وتقديمهم خدمات استشارية مرتبطة بالصواريخ الباليستية للحوثيين، نيابة عن الحرس الثوري".

ويليهم «سعيد آغاجاني» قائد قيادة الطائرات المسيّرة التابعة للحرس الثوري الإيراني، ويقود عمليات تهريب أنظمة الطائرات المسيّرات إلى الحوثيين. وكانت واشنطن قد وضعته على قائمة العقوبات واتهمته بتدبير الهجوم الحوثي بطائرة مسيّرة على مصفاة أرامكو النفطية بالسعودية في عام 2019، والهجوم على سفينة شحن تجارية قبالة سواحل عمان في الـ29 من يوليو 2021 ومقتل اثنين من طاقمها.

وارتبط الإيرانيان «يوسف أبوطالبي» و«عبدالله محرابي» بنشاط طهران لتهريب الطائرات المسيّرة لوكلائها في المنطقة، بما فيهم الحوثيين في اليمن، وهما أيضاً ضمن قائمة العقوبات الأمريكية لدعمهما "برامج الطائرات المسيّرة الإيرانية، وأنشطة فيلق القدس الخارجية".

ونشط ثلاثة من رجال الأعمال الإيرانيين في تهريب الأسلحة والعتاد إلى الحوثيين من خلال شركات وسيطة يديرونها، وهم «عبدالحسين خضري» وشركتيه «خضري جاهان داريا» «ماريتايم سيلك رود» مقرّها بسلطنة عمان وسفينتيه «جينافا11» و«جينافا12»، والسفينة الأخيرة ضبطت وهي تنقل شحنة أسلحة في طريقها إلى اليمن. ويليه «أمين مهدوي» ويدير شركة «بارثيا كارجو» للشحن. إضافة إلى العراقي الإيراني «أمير ديانات» والذي يشارك بشكل مباشر في تهريب الأسلحة والصواريخ الإيرانية إلى الحوثيين ويملك شركة «Taif Mining services LLC». وجميع الأسماء السابقة تخضع لعقوبات أمريكية لقيامها بدعم أنشطة الحرس الثوري المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

شبكة مالية

وفي مجال التمويل، برزت شبكة «سعيد الجمل» اليمني البريطاني المقيم في إيران، كأهم الكيانات التي يستخدمها الحرس الثوري للتهريب الدولي، وتستخدم سلسلة من الشركات والسفن والأشخاص كواجهة لتهريب الوقود والسلع الإيرانية الأخرى وتحويل الأموال لوكلاء طهران في المنطقة، وفي مقدمتهم الحوثيين، عبر شبكة دولية معقدة من الوسطاء ومراكز الصرافة.

وفي (10 يونيو 2021) أدرجت الخزانة الأمريكية «الجمل» وأعضاء في شبكته ضمن قائمة العقوبات، منهم 6 أشخاص من جنسيات يمنية وسورية وصومالية وهندية، إلى جانب ثلاث شركات على رأسها شركة «سويد وأولاده» اليمنية، لنشاطها بتحويل الأموال الإيرانية لدعم الحوثيين وتمويل أنشطة فيلق القدس وخبراء حزب الله اللبناني المتواجدين في اليمن.

ويرتبط «الجمل» بعلاقات وثيقة مع «حزب الله» اللبناني التابع لإيران، وقائده «حسن نصرالله»، وكانت طهران تعتمد على حزبها في لبنان لتقدير وتأمين الدعم للحوثيين، قبل أن ترسل قائدها العسكري «حسن إيرلو» إلى صنعاء.

ووفقاً لثلاثة مصادر أمنية تحدّثت لـ«المصدر أونلاين» فإن اللبناني «خليل يوسف حرب» وهو مستشار مقرب من حسن نصر الله، أشرف لفترة على الدعم المقدم للحوثيين، وأجرى تحويلات مالية كبيرة لهم بالتعاون مع شبكة «الجمل».

وأضافت المصادر أن الحوثيين تلقّوا دعماً مالياً ولوجستياً من «حزب الله» اللبناني عبر القيادي العسكري البارز «هيثم علي طبطبائي» ويشرف على عناصر الحزب المتواجدة في اليمن لتدريب الحوثيين وتقديم المساعدات الميدانية والفنية لهم.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية عرضت في أغسطس 2021 مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن القيادي «حرب». وفي أكتوبر 2021 أعلنت عن مكافأة مماثلة لمن يبلغ عن «طبطبائي»، وقبلها كانت الخارجية الأمريكية قد صنفته كإرهابي عالمي عام 2016 لمساعدته «حزب الله» اللبناني على زعزعة استقرار المنطقة.

ورجّحت المصادر أن «حزب الله» اللبناني سيتولّى عمليات الدعم للحوثيين بعد وفاة الضابط الإيراني في فيلق القدس «حسن إيرلو» في صنعاء والذي تولّى تنسيق الدعم المالي واللوجستي خلال الفترة الماضية.

نقل خبرات التهريب

لم تقتصر إيران على نقل الخبرات المتعلقة بالأسلحة والحرب إلى مليشيا الحوثي، بل عملت على إكسابهم فنون التهريب سواء في مجال تهريب الوقود أو الأسلحة أو المخدّرات أو الآثار.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطّلعة اشترطت عدم الإفصاح عن هويّتها، تحدثت لـ«المصدر أونلاين»، فإن الحوثيين أنشأوا خلال السنوات الأخيرة، عشرات الشركات لاستخدامها في تهريب الأسلحة والمستلزمات العسكرية والمشتقات النفطية التي يقدّمها لها النظام الإيراني.

وحددت المصادر نحو 10 شركات تجارية تعمل ضمن شبكة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، إضافة إلى 20 شخصاً يتبعون مليشيا الحوثي ويرتبطون بملف تهريب الأسلحة.

وفي مجال تهريب الوقود، كشف تقرير حديث لمبادرة استعادة «Regain Yemen»، عن (30) شركة أنشأتها مليشيا الحوثي مؤخّراً ومنحتها صلاحيات حصرية لتهريب واستيراد النفط الإيراني "المجاني" عبر مينائي الحديدة والصليف. إلى جانب سلسلة شركات أخرى وسيطة تنشط بأسماء قيادات حوثية من الصف الثاني والثالث، تستخدمها كواجهة للتهريب والمضاربة بالعملة وغسيل الأموال، منها 10 شركات تنشط بمناطق خارج سيطرة الحوثيين.

وكان فريق الخبراء الأممي قد أشار إلى أنه يحقق في هبات من الوقود بقيمة 30 مليون دولار، تقدمها إيران شهرياً إلى مليشيا الحوثي في اليمن.

خلية حلص

حصل «المصدر أونلاين» على محضر تحقيق رسمي أجرته إدارة البحث الجنائي بمحافظة المهرة مع أفراد خلية تهريب تضم خمسة بحارة يمنيين ضُبطوا في البحر العربي في الـ23 من يناير 2021، أثناء تهريبهم أسلحة إيرانية لصالح مليشيا الحوثي.

وينتمي أفراد الخلية المضبوطة إلى محافظة الحديدة، وهم: عبدالله مناجي محمد علي عفيف (27 عامًا) ويعمل رباناً، وعلي إبراهيم أحمد زواعقي (30 عامًا) ويعمل طباخاً، إضافة إلى ثلاثة بحّارة هم: حسن علي محمد دحمان (25 عامًا)، وسعيد سليمان محمد حسن حلص (19 عامًا)، علي عبدالله يوسف شرف (21 عامًا).

وتقسّم مليشيا الحوثي عمليات التهريب في البحر إلى أربعة قطاعات بحرية وهي: قطاع (إيران- عمان) بإشراف القيادي الحوثي «إبراهيم حلوان»، وقطاع (عمان- المهرة) بقيادة «علي الحلحلي»، وقطاع (خليج عدن) بقيادة «عبدالعزيز محروس»، وقطاع (الحديدة وأفريقيا) ويشرف عليه القيادي « أحمد محمد حلص»، وفقاً لاعترافات خلية تهريب أخرى سبق وأن ضبّطتها قوات خفر السواحل اليمنية في 7 مايو 2020 بمنطقة باب المندب جنوب غرب اليمن.

والقيادي الحوثي «أحمد حلص» هو من قام بتجنيد الخلية الأخيرة، وبحسب أقوال المضبوطين والمعلومات الأمنية التي تضمّنها المحضر، فإن «حلص» طلب من الربان «عفيف» اختيار مجموعة أشخاص للعمل على لنش (سفينة متوسّطة) لمدة ثلاثة أشهر.. مشترطاً إخضاعهم في البداية لدورة تدريبية نظامية حول استخدام الأسلحة الخفيفة ودورة ثقافية خاصة بالمنهج الحوثي لمدّة 20 يوماً. وبعدها بشهر تم الاتفاق على إعطاء كل شخص من أفراد الخليّة 30 ألف ريال سعودي.

وفي البداية تحرك أفراد الخلية من مناطقهم بالحديدة إلى صنعاء في 18 نوفمبر 2021، وفيها نظمت المليشيا سفرهم إلى المهرة بشكل منفصل عبر مرحلتين، انتهت الأولى بالتقائهم جميعاً في مدينة سيئون بحضرموت في (21 نوفمبر)، ومنها إلى مدينة شحن بالمهرة وأقاموا بأحد فنادقها حتى (24 نوفمبر).

وفي منطقة «شحن» الحدودية مع عُمان التقوا بشخص يدعى "بكر المهري" والذي رتب رحلتهم إلى إيران وجهّزهم بالمؤن وسلمهم إحداثيات الذهاب والعودة وأجهزة الاتصالات، منها جهاز ثريا وهاتف جوال به رقم عماني وطلب منهم التواصل به عند وصولهم إلى نهاية الإحداثيات. كما طلب منهم التحرك إلى مديرية الغيظة الساحلية بالمهرة، وأعطاهم رقم هاتف شخص من أبناء المهرة للتواصل به عند وصولهم وبدوره رتب لهم القارب الذي نقلهم إلى اللنش المتواجد قرب سواحل مديرية حوف.

يقول أفراد الخلية إنهم لما صعدوا على اللنش وجدوا على متنه شخصين يتكلمان اللغة العربية ولم يستطيعوا تمييز جنسيتهما، وهناك جرى تبادل المراكب وذهب كل فريق إلى وجهته المرسومة.

وأبحر أفراد الخلية من سواحل المهرة لمدة ستة أيام وصولاً إلى ميناء بندر عباس الإيراني الذي يبعد حوالي 1200 ميل بحري، وهناك استقبلهم مسؤولون إيرانيون وأخذوا منهم اللنش ونقلوه إلى ميناء حكومي إيراني يقع على بعد 90 ميلاً بحرياً من سواحل مدينة بندر عباس.

ظل أفراد الخلية يتنقلون في ثلاثة منازل في إيران لمدّة 16 يوماً، وكان يقوم بتلبية طلباتهم شخصين إيرانيين الأول يدعى "محراب" والثاني "حسين"، وآخر يوم لمكوثهم هناك زارهم إيراني في عقده الرابع يكنى «الرئيس» والذي أبلغهم أن الحمولة جاهزة وطلب منهم المغادرة فجراً.

وأثناء المغادرة -يقول أفراد الخلية- إن الإيرانيين تواصلوا بالمدعو "بكر المهري" وأخبروه بتفاصيل الشحنة، وبعدها تواصل الأخير بـ«الربان» وأبلغه أن الحمولة في مقدمة السفينة تضم 350 جونية وفي آخرها 500 صندوق حديد، وأخبره أن قاربين وعبري كبير سيكونا بانتظاره في إحداثية بين الحدود البحرية العمانية واليمنية، طالبًا منه أن يسلم الشحنة التي في مقدمة السفينة للعبري الكبير ويسلم كل قارب 250 صندوقاً من الشحنة الموجودة في مؤخرة اللنش.  

وبينما كان أفراد الخليّة يبحرون بمحاذاة السواحل على بعد 20 إلى 30 ميلاً بحرياً من نقطة الإلتقاء بعد أن ابتعدوا حوالي 370 ميل بحري من سواحل إيران اعترضت البحرية الأمريكية قاربهم وألقت القبض عليهم، وبعد 4 أيام سلّمتهم إلى خفر السواحل اليمنية.

ووفقاً لمحضر التحقيق فإن الشحنة كانت تضم (1750) قطعة سلاح نوع آلي كلاشنكوف و(500) صندوق ذخيرة سلاح خفيف ومتوسط.

مواجهة تدفق الأسلحة

رغم تقلّب الظروف وتغيّر الأحداث وتبدّل التحالفات، في اليمن والمنطقة، إلا أن موقف طهران من دعم الحوثيين وتزويدهم بالأسلحة المتطوّرة لم يتغيّر، بل شهد تصاعداً كبيراً منذ العام 2015، إذ سخّرت شبكة التهريب التي شيّدتها منذ عقود لمضاعفة تهريب الإمدادات العسكرية واللوجستية لمليشيا الحوثي ولم يتوقف تدفقها نحو اليمن يوماً واحداً رغم إجراءات التفتيش.

وبحسب وثائق ومعلومات حصل عليها «المصدر أونلاين» من مصدر أمني، فقد ضُبطت 77 شحنة أسلحة وذخائر وأجهزة ومكونات أسلحة متطوّرة وممنوعات أخرى أثناء محاولة الشبكة الإيرانية تهريبها إلى الحوثيين في اليمن خلال الفترة من (يوليو 2015 حتى يوليو 2021).

ومن ضمنها 26 عملية اعتراض وضبط جرت قبالة السواحل اليمنية الشرقية والجنوبية والغربية التي تمتد نحو 2500 كيلومتر، و51 شحنة أسلحة وممنوعات ضبطت أثناء تهريبها داخل اليمن.

وضمّت تلك الشحنات أسلحة وذخائر وطائرات مسيّرة وأجهزة ومكونات تدخل في صناعة وتشغيل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والزوارق المسيّرة (المفخخة) والألغام البرّية والبحرية المتقدّمة، إضافة إلى أجهزة اتصالات عسكرية لاسلكية وأجهزة بث فضائي وتكنولوجيا اتصالات وتقنيات تجسس حديثة، فضلاً عن شحنات وقود ومخدّرات وغيرها.

التهريب بالتجزئة

وأظهرت الوثائق والمعلومات أن من ضمن الشحنات المضبوطة 25 شحنة ضمّت أجهزة ومعدّات ومكونات تدخل في صناعة وتشغيل الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية والزوارق المسيّرة المفخخة، وجرى تهريبها إما منفردة أو ضمن شحنات تجارية.

ووفقاً للمصدر فإن النقاط النهائية لعمليات التهريب الداخلية تتركّز إما في صنعاء أو صعدة أو الحديدة، سواء القادمة من الأطراف الشرقية أو الجنوبية أو الغربية. مضيفًا أن إدارة عمليات التهريب تلك، تتولّاها "قيادات حوثية متمرّسة تتمركز بدرجة رئيسية في محافظتي المهرة والحديدة".

وفي نوفمبر 2016 ضبطت أوّل شحنة لمكّونات الطائرات المسيّرة بإحدى النقاط العسكرية في محافظة مأرب، أثناء محاولة تهريبها إلى الحوثيين في صنعاء، قادمة من محافظة المهرة شرقي اليمن. وبعدها بنحو شهرين (أي في يناير 2017)، ضُبطت شحنة أخرى مماثلة بمأرب قادمة من ذات الطريق ومتجهة نحو الهدف ذاته.

وأكد المصدر الأمني في حديث لـ«المصدر أونلاين» أن الإمدادات الإيرانية للحوثيين شهدت تحوّلاً نوعياً خلال السنوات الأربع الأخيرة، وتركّزت على "تهريب معدّات وأجهزة إلكترونية وتقنيّة تدخل في صناعة الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية"، وهو ما يتناسق مع المنحى الذي اتسمت به الهجمات الحوثية في تلك الفترة باستخدام الطائرات المسيّرة.

طرق التهريب الخارجي

ووفقاً لمسؤول أمني سابق في شرطة محافظة الجوف ومصادر أخرى على اطلاع بأنشطة التهريب تحدّثت لـ«المصدر أونلاين» فإن شبكات التهريب الإيرانية تستخدم أربع طرق خارجية لإيصال الأجهزة والمعدات ومكّونات الطائرات والصواريخ إلى الحوثيين في اليمن.

الأولى عبر نقلها جوًا أو بحراً إلى سلطنة عمان ومن ثم تهريبها عبر المنافذ البرّية التي تربط السلطنة مع محافظة المهرة اليمنية. ومنها شحنة مكوّنات الطائرات المسيّرة التي ضبطتها أجهزة الأمن بمحافظة الجوف في (يناير 2019) والتي كانت تحمل حوالي 3 أطنان من القطع والمكوّنات التي تدخل في صناعة الطائرات المسيّرة، منها محركات نوع «DLE 110» و«DLE 170».

وأثبتت تحقيقات فريق الخبراء الأممي أن هذين المحركين يستخدمان في الطائرتين المسيرتين «قاصف وصماد» وصنعا في شركة «هونغ كونغ» بالصين، وصدرت إلى كيان اسمه «BAHJAT ALLEQ,A» يتواجد في مسقط، وسلّمت له الشحنة من مطار مسقط الدولي في (2 ديسمبر 2018) ومن ثم جرى تصديرها في الوقت نفسه إلى المنطقة الحرة في صلالة، وبعد شهر من ذلك ظهرت الشحنة مجدداً في محافظة الجوف اليمنية".

والطريقة الثانية عبر شحنها في سفن تجارية ضمن بضائع، وتبدأ رحلة التهريب من أحد موانئ إيران أو موانئ أخرى وتتخذ مسارات تحويلية قبل أن تصل إلى الموانئ اليمنية، وتمر إما بموانئ في الهند أو تايلاند لتجاوز آلية التفتيش الدولية. ويتمثّل هذا النوع من التهريب في السفينة التي ضبطتها بحرية التحالف بتاريخ (14 فبراير 2016) قبالة ميناء الحديدة. مؤكداً أنها كانت تحمل أجهزة اتصالات عسكرية ومعدات متنوعة تستخدم في الأغراض العسكرية داخل حاويات مصدرها ميناء بندر عباس الإيراني، وكانت قد توقفت مؤقتًا في ميناء بجيبوتي وميناء بالهند قبل أن يتم ضبطها قبالة سواحل الحديدة.

والطريقة الثالثة تتمثّل في التهريب المباشر عبر قوارب شراعية تنطلق من أحد الموانئ الإيرانية، وتصل إما إلى قبالة سواحل عمان ومن ثم يتم تهريبها إما براً أو بحراً إلى الخلايا الحوثية المتواجدة في محافظة المهرة.

والرابعة إما عبر النقل العابر من سفن إيرانية في نقاط بحرية ميّتة قبالة السواحل الأفريقية، أو إنزالها في مخازن تتبع تجّار يعملون لصالح إيران بموانئ في الصومال وجيبوتي والتي تعد مركزاً للمهربين الحوثيين الذين يستقبلون هذه الشحنات ويتولّون تهريبها إلى سواحل اليمن تحت غطاء شركات حوثية "وهمية".

تحوّل في التهريب الداخلي

وفي اليابسة، قالت المصادر إنه بدءً من مطلع العام 2020 وحتى أواخر 2021، شهد نشاط التهريب في الخطوط البرّية الداخلية تحوّلاً جوهرياً سواء الخطوط الممتدة من الأطراف الشرقية أو الجنوبية الغربية، وذلك إثر التقدم الذي أحرزته مليشيا الحوثي في محافظة الجوف، وفي الأطراف الشمالية الغربية والجنوبية لمارب، والأطراف الغربية لمحافظة شبوة، وفي الحديدة إثر انسحاب القوات المشتركة من سواحلها الجنوبية مؤخراً.

وذكرت أن هذه التطورات منحت الحوثيين طرقاً آمنة للتهريب باتجاه صعدة وصنعاء خصوصاً بعد سيطرتها على المناطق الصحراوية الواسعة والمفتوحة بالجوف، والتي تضم سلسلة طُرق فرعية تصل إلى مدينة الحزم المركز الإداري للمحافظة. كما تقدّمت خطوة نحو نقاط التهريب الأولى في سواحل شبوة بعد سيطرتها على بيحان غربي المحافظة، قبل أن تفقد السيطرة على هذه المديريات في يناير 2022.

وأوضحت المصادر أن تلك التطورات أغنت المليشيا عن خطوط التهريب الخطرة، ومنها الطريق الدولي الممتد من المهرة وحضرموت إلى الجوف (شمال غرب) أو البيضاء (غرباً) مروراً بمدينة مارب. وفي الجهة الغربية، كسبت مساحات ساحلية واسعة إلى جانب موانئ الحديدة الثلاثة بعد سيطرتها على سواحل المحافظة الجنوبية وصولاً إلى أطراف المخا الساحلية (غرب تعز).

خطوط التهريب الداخلية

وبشأن عمليات التهريب الداخلية، قالت المصادر إنها تنطلق من عدّة موانئ ونقاط تهريب على سواحل المحافظات الشرقية (المهرة، حضرموت، شبوة) التي تمتد لأكثر من «1000 كيلومتر» أو من خلال المنافذ البرّية التي تربط اليمن بسلطنة عُمان وهي «شحن، صرفيت». وبعدها تمر الشحنات عبر شبكة من خطوط التهريب الفرعية تنتهي بالاندماج بواحد من ثلاثة طرق رئيسية تصل إما إلى صنعاء أو صعدة (أقصى شمال اليمن)، اثنين منها بمحافظة الجوف.

الأوّل «الخط الصحراوي» الموازي للشريط الحدودي مع السعودية ويبدأ من «المنافذ البرية مع عمان» شرق المهرة مروراً بمديريات «رماه» و«ثمود» شمال حضرموت، ويقطع الطريق الدولي بين «الوديعة والعبر» ومن ثم يسلك مسارين عبر الصحراء أحدها شمال الجوف وصولاً إلى الأطراف الشمالية الشرقية لمحافظة صعدة، والآخر عبر صحراء منطقة الرويك محاذياً للطريق الاسفلتي في تلك المنطقة ثم الوصول عبر خطوط فرعية إلى مدينة الحزم ومن ثم إلى النقطة النهائية إما في صعدة أو صنعاء.

والثاني «الخط الساحلي» يبدأ من مديرية «حوف» جنوب شرق المهرة التي تضم منفذ «صرفيت» الحدودي مع عمان، مروراً بمدينة الغيضة المركز الإداري لمحافظة المهرة، وساحل حضرموت وصولاً إلى مدينة «المكلّا» ومن ثم إلى بلدة «العبر» ومنه تنطلق إما باتجاه صعدة عبر الطريق الرملي الذي يمر عبر منطقة الريان الصحراوية بمحافظة الجوف، أو إلى صنعاء مروراً بطريق «العبر/عتق» وصولاً إلى «بيحان» غربي شبوة على الحدود مع البيضاء.

والثالث، يتركّز في شبوة وتعبره الشحنات القادمة من سواحل المحافظة أو القادمة إليها من حضرموت وتتجه إما إلى صنعاء عبر «بيحان» أو تسلك طريقًا آخر باتجاه صعدة مروراً بالجوف عبر الطريق الرملي "الرويك/ صافر" وهنا تضطر لعبور نقاط عسكرية تابعة للقوات الحكومية على حدود محافظتي مارب والجوف، وتكون الأسلحة مخفيّة بإحكام ضمن البضائع.

وحصل «المصدر أونلاين» على وثيقة وجّهتها السلطة المحلية بشبوة إلى رئيس الجمهورية في (يناير 2016) تشكو فيها قيام عصابات حوثية بإنشاء موانئ للتهريب في سواحل المحافظة (حوالي 6 مواقع). مطالبة إياه بإعادة "إنشاء مراكز نقاط المراقبة وتفعيل القوات البحرية لحماية الشواطئ".

ووفقاً للوثيقة فإن سواحل المحافظة كان يوجد بها في السابق أكثر من (17) نقطة مراقبة ممتدة من سواحل عدن إلى نهاية سواحل شبوة الحدودية مع حضرموت.

وفيما يخص التهريب في الجهة الغربية، قال مسؤول محلي لـ«المصدر أونلاين» مفضلاً عدم ذكر اسمه كونه غير مخوّل بالتصريح لوسائل الإعلام، إن سواحل محافظة الحديدة التي تمتد لنحو (300) كيلومتر تعتبر منافذ مفتوحة تهريب من خلالها مليشيا الحوثي مختلف الأسلحة ومكونات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية والخبراء الإيرانيين. مؤكداً أن معظم هذه الشحنات تدخل عبر موانئ الحديدة الثلاثة (ميناء الحديدة، الصليف، رأس عيسى)، والتي يسيطر عليها الحوثيون كلّياً.

وأشار إلى أن المليشيا تقوم أيضاً بعمليات التهريب عبر منافذ بحرية في السواحل الجنوبية بما فيها ميناء رأس العارة بمحافظة لحج، وسواحل أبين، وميناء عدن، ومما يتم تهريبه عبر هذه الموانئ مكوّنات تدخل في صناعة الأسلحة ومخدّرات تخفيها ضمن شحنات تجارية ومن ثم تقوم بتهريبها في شاحنات نقل أو سيارات خاصة عبر شبكة تهريب وطرق داخلية متشعّبة تصل إلى مناطق سيطرتها.

تهريب مكونات الطائرات

قال مصدران أمنيان أحدهما يعمل في شرطة محافظة مأرب والآخر في شرطة محافظة الجوف لـ«المصدر أونلاين» إنه خلال الفترة من نوفمبر 2016 وحتى يونيو 2019، ضبطت أجهزة الأمن بالمحافظتين 8 شحنات تضم أجزاء جاهزة لتركيب طائرات مسيّرة ومكوّنات تدخل في صناعة وتشغيل الطائرات المسيّرة والصواريخ. وجميعها قدمت عبر منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عُمان وكانت في طريقها إلى الحوثيين بصنعاء، وحملت إما على متن سيارات أو مركبات متوسّطة.

ووفقاً للمصدرين فإن أوّل شحنة من هذا النوع، ضبطتها الشرطة العسكرية في نقطة الميل بمحافظة مأرب، أواخر 2016. وتضم الشحنة "أجزاء لما لا يقل عن 6 طائرات كاملة من طراز «قاصف1» ومكونات لما يبلغ عدده 34 طائرة أخرى من النوع نفسه" وفقاً لتحقيقات فريق الخبراء الأممي المعني باليمن.

واستناداً إلى تصميم هذه الطائرات، وتعقب مسار الأجزاء المكونة لها، استنتج فريق الخبراء الدوليين أن "المواد اللازمة لتجميع طائرة «قاصف-1» المسيّرة بدون طيار وردت من إيران". مؤكداً أن هذه الطائرة المسيّرة "تتطابق تقريباً في التصميم والأبعاد والقدرة هي والطائرة «أبابيل-T» التي تصنعها شركة إيران لتصنيع الطائرات (HESA)".

وكشف الفريق في تقريره الدوري للعام 2017، أن "مكونين اثنين على الأقل من مكونات هذا النظام تم توريدهما إلى إيران بعد تنفيذ حظر توريد الأسلحة المحددة الأهداف في 14 أبريل 2015، وسددت تكاليف تمويل مكون من الاثنين بواسطة طرف ثالث وسيط وحساب وسيط في بلد ثالث. وهذا، بحسب الفريق، يدل على "تعمد إخفاء الوجهة النهائية للمكونات".

على دفعتين

وفي السياق ذاته، قالت مؤسسة «أبحاث التسلح أثناء الصراعات» إن الطائرات الـ6 في شحنة مأرب كانت "مركّبة جزئياً، وتحمل أجسام الطائرات وأجنحتها أرقاماً تسلسلية مطبوعة تطابق الأرقام التسلسلية المكتوبة يدوياً على عدّة مكونات داخلية".

ويشير ذلك، وفق مؤسسة أبحاث، إلى "نيّة محتملة لنقل هذه الأجزاء المكوّنة جملة ليتم تجميعها لاحقاً بسهولة". لافتة إلى أن "الأرقام التسلسلية، والتي لوحظ أن بعضها متعاقب، تشير إلى أن هذه الطائرات بدون طيار قد "صُنعت في خط إنتاج واحد".

وكانت «أبحاث» قد وثّقت خلال أكتوبر 2016 وفبراير 2017" (7) طائرات بدون طيار، تتطابق مع الطائرة الحوثية «قاصف1»، منها الـ6 الطائرات التي ضبطت بمارب". إضافة إلى محرك يخص هذا النوع من الطائرات.

وتوصّلت تحقيقاتها إلى أن طائرات «قاصف1» قد تم نقلها "على دفعتين"، حيث إن محرك "دي إل إي" الذي اُنتشل من هجوم في مأرب وطائرة بدون طيار انتشلت عقب تحطمها قرب مطار عدن الدولي "يحملان علامة (أ) في رمزي الدفعة الخاصين بهما، في حين تحمل الطائرات الـ6 علامة (ب) في رموز الدفعة الخاصة بها.

وأكدت أن "الأرقام التسلسلية من كلا الدفعتين (أ) و(ب) متطابقة بشكل كبير، مما يشير إلى أنها صُنعت في نفس المكان والفترة الزمنية؛ فالدفعات (ب1) و(ب2) و(ب4) وكذا (أ5) تحمل بادئات أرقام تسلسلية تمتد من (33) إلى (39) تباعاً. كما أن بادئة العدد التسلسلي (-22) مطابقة لبادئة التعدد التسلسلي التي وُجدت على طائرات «أبابيل- II» الإيرانية الصنع".

ووفقاً للمؤسسة البحثية، فإن "وجود طائرات بدون طيار إيرانية التصميم والصنع في اليمن لا يؤكد دعم إيران المادي للحوثيين فحسب، بل وحتى دورها في تمكين هذه الجماعات من تنفيذ عمليات متماثلة تتطور باستمرار".

تهريب مكونات الصواريخ

وبالنسبة للصواريخ، يعد الصاروخ «بركان H2» أحد أبرز الصواريخ التي زعمت المليشيا الحوثية أنها قامت بتصنيعها واستخدمتها في عملياتها الهجومية خصوصاً على المنشآت السعودية، ومنها الهجوم الذي استهداف مصافي نفط ينبع، غربي السعودية، في (22 يوليو 2017). وهجوم آخر بصاروخ من ذات النوع في الـ4 من نوفمبر في العام ذاته باتجاه الرياض.

وهي المرّة الأولى التي تستخدم مليشيا الحوثي فيها هذا النوع من الصواريخ ذات المدى الطويل باتجاه المملكة وتقدّر المسافة التي قطعها بأكثر من 1200 كم. وحينها، أصدر التحالف بياناً اعتبر فيه تزويد الحوثيين بالصواريخ "بمثابة عدوان إيراني مباشر على السعودية، ويرقى إلى اعتباره من أعمال الحرب ضد المملكة".

وقال فريق الخبراء الأممي إنه فحص بقايا الصواريخ التي أُطلقت على الرياض في (22 يوليو و4 نوفمبر) واستنتج أنها "تطابق القذيفة من نوع «قيام-1» الإيرانية التصميم والصنع في كثير من سمات التصميم الداخلي، والخصائص والأبعاد الخارجية". مؤكداً أن ذلك يدل على أن "القذيفتين صنّعهما مُصنّع واحد".

وبيّن أن هذه الصواريخ قد نقلت من إيران إلى الحوثيين على شكل أجزاء ومن ثم أُعيد تركيبها في ورش محلية، مضيفاً أنه رصد بعض التغيرات "في بنية القذيفة ومعايير اللحام". مبيّناً أن هذه التغييرات تدل على أن "التكنولوجيا نقلت في شكل نظام تركيبي مكون من وحدات نموذجية"، ذلك يقتضي من "مهندسي القذائف في تحالف الحوثيين- صالح (قبل أن ينتهي) أن يتولوا تجميع القذائف واختبار صلاحيتها للتشغيل قبل النشر العملياتي".

وأضاف أن "غطاء ريشة توجيه تيار النفث الذي عثر على ثلاثة منه ضمن بقايا القذيفة المطلقة في 4 نوفمبر، منقوش عليه علامات كثيرة تشبه كثيراً في تصميمها شعار شركة الشهيد باقري للصناعات، التي يوجد مقرها في إيران".

وأكد الفريق أن إيران لا تمتثل للفقرة 14 من القرار 2216 (2015) ولم تمنع "توريد قذائف تسيارية قصيرة المدى من نوع «بركان H2» وصهاريج تخزين ميدانية لمؤكسد سائل ثنائي الدفع للقذائف، وطائرات عسكرية مسيّرة من نوع «أبابيل-T» «قاصف-1» أو بيعها أو نقلها إلى تحالف الحوثيين- صالح آنذاك".

تهريب الخبراء

قال مصدران عسكريان في رئاسة هيئة الأركان اليمنية لـ«المصدر أونلاين» إن طهران بدأت منذ العام 2015 بإرسال خبرائها لتقديم الدعم الميداني لوكلائها الحوثيين في حربهم للسيطرة على اليمن. وأضافا أن أكبر عملية تهريب من هذا النوع نفّذتها إيران خلال الجسر الجوّي لطيران ماهان الإيراني قبيل «عاصفة الحزم». فيما استمرّت بتهريبهم بحراً عبر السواحل اليمنية.

ومنذ ذلك الحين، قال المصدران إن "أعداد السفن والمراكب التي تحمل عناصر إيرانية تزايدت قبالة السواحل اليمنية، البعض منها ضبطت مع عناصرها بعد اختراقها مياه اليمن".

وأواخر (سبتمبر 2015)، أعلن التحالف بقيادة السعودية اعتقال 14 إيرانياً جنوب شرق ميناء صلالة كانوا على متن سفينة "إيرانية" في طريقها إلى مليشيا الحوثي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة، منها 15 طاقم بطارية قذائف، و4 أنظمة توجيه لإطلاق النيران.

وفي 21 مايو 2016، أعلنت الحكومة اليمنية على لسان وزير الثروة السمكية- حينها- فهد كفاين، احتجاز 7 سفن إيرانية سعة 40 إلى 60 طن على متنها 89 إيرانياً، بعد اختراقها المياه اليمنية. وفي أكتوبر 2016 كشف الوزير كفاين، عن محاولة 40 سفينة إيرانية (متوسطة) التوغل في المياه الإقليمية لليمن.

وكانت الحكومة اليمنية قد أعلنت في (2015) ضبط أربع سفن صيد إيرانية رست في سواحل سقطرى، وأُفرج عنها وطاقمها بذريعة تعرضهم لعواصف أثناء توجههم من الصومال إلى إيران.

واستنادا لمعلومات استخباراتية، كُشفت مؤخّراً طريقة جديدة تتبعها إيران لتهريب الأسلحة والمدربين إلى الحوثيين في اليمن، بالتعاون مع تجار المخدرات في كولومبيا.

وأشارت المعلومات الاستخباراتية التي استندت عليها دراسة أعدّها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، إلى أن مليشيا الحرس الثوري الإيراني طلبت من الكولومبيين "إنتاج «كارتيلات» ومراكب غاطسة لتهريب الأسلحة والذخائر ومكونات الصواريخ إلى الحوثيين".

و«الكارتيلات» هي غواصات صغيرة محلية الصنع يستخدمها التجار الكولومبيون لتهريب المخدرات إلى المكسيك، ويمكنها نقل 8 أطنان من البضائع، إلى جانب طاقم من 4 أفراد، وتقطع رحلات سرّية قد تستمر 14 يومًا، ويصعب رصدها أو اكتشافها من الجو.

وبيّنت الدراسة أن إيران "تستخدم ما تطلق عليه عمليات «مكافحة القرصنة» قبالة السواحل اليمنية كغطاء لتهريب الأسلحة إلى اليمن"، و"تستخدم الغواصات الصغيرة لنقل المدربين الإيرانيين والأسلحة والذخائر الإيرانية عالية القيمة إلى الحوثيين".


مسالك الخبراء

ووفقاً للمصدرين العسكريين ومصدر ثالث على اطلاع بنشاط التهريب تحدث لـ«المصدر أونلاين» فإن هناك طريقين رئيسيين يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني لتهريب خبراءه إلى اليمن.

ويأتي الطريق الأول عبر سواحل وموانئ الحديدة، حيث يقوم الحرس الثوري بنقلهم على متن سفن إيرانية إلى موانئ صغيرة شمال شرق أفريقيا أو عبر النقل العابر في نقاط التقاء ميّتة قبالة سواحل الحديدة لتتولّى مليشيا الحوثي بعد ذلك إيصالهم إلى مناطق سيطرتها في الحديدة عبر زوارق متوسطة يقودها صيادون يتبعونها ويعملون معها ضمن شبكة التهريب.

والطريق الثاني عبر نقلهم إلى سلطنة عُمان أو إلى نقطة التقاء بسواحلها أو نقاط التقاء قبالة سواحل الصومال، ومن ثم تتولّى مليشيا الحوثي الترتيب والتنسيق اللازم لتهريبهم إلى محافظة المهرة، ومن ثم تنقلهم إلى صعدة عبر الطريق الصحراوي الموازي للشريط الحدودي مع السعودية، والذي تحتكره شبكات التهريب.

فيلق صنعاء

وفي 21 ديسمبر 2021 أعلنت الخارجية الإيرانية وفاة الضابط في «فيلق القدس» «حسن إيرلو» بعد ثلاثة أيام من مغادرته العاصمة اليمنية صنعاء، بمبادرة إنسانية بزعم إصابته بوباء كورونا.

وكانت طهران قد أعلنت في الـ17 من أكتوبر 2020 وصول «إيرلو» إلى صنعاء، بصفته سفيراً فوق العادة و"بصلاحيات مطلقة"، إلا أن الحكومة اليمنية الشرعية اعتبرت طريقة وصوله الغامضة والمفاجئة، امتداداً للتدخلات الإيرانية في اليمن ودعمها لحرب مليشيا الحوثي التوسّعية الرامية للسيطرة على اليمن ومحاولة التحكّم بخطوط التجارة الدولية في البحر الأحمر.

ويعد «إيرلو» من القيادات العسكرية الإيرانية المتشدّدة، حيث تفيد تقارير بأنه كان يتولّى قيادة التدريبات التي يقيمها «فيلق القدس» في إيران لعناصر المليشيا المسلحة الموالية لها في المنطقة بما فيهم الحوثيين، ومنها معسكر «الامام علي» في طهران ومعسكر «بهونار» في مدينة خرج، شمالي طهران. وهو ما يشير إلى أن الهدف من إرساله إلى صنعاء ذا طبيعة عسكرية قيادية.

وكشف تقرير حديث لـ«إنتليجنس أونلاين» الفرنسية، نشرته في مايو 2021، عن جهود حثيثة يقوم بها «إيرلو» بمساعدة قادة عسكريين آخرين تابعين للحرس الثوري الموجودين في اليمن لإعادة هيكلة الوحدات القِتالية للحوثيين. موضحاً أن «إيرلو» كان "يضغط من أجل ضرورة الوصول البحري إلى مناطق الحوثيين، فيما يبدو لزيادة وصول الأسلحة إلى المليشيا".

وفي ديسمبر 2019، كشفت واشنطن عن تواجد قيادي في الحرس الثوري الإيراني يدعى «عبدالرضا شهلائي» في صنعاء. مُعلنة عن مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يعطي معلومات عن أنشطته. وقال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، بريان هوك، إن «شهلائي» يدير عمليات فيلق القدس في اليمن عبر دعم الحوثيين ومدهم بالأسلحة المتطوّرة والتدريب.

وبعدها بنحو أسبوع، قالت مجلة «انتيليجنس أونلاين»، إن «شهلائي» "يتواجد في اليمن على رأس قوة مكونة من حوالي (400) مقاتل من الحرس الثوري الإيراني، يعززها خبراء من حزب الله تم إرسالهم من لبنان".

وذكرت المجلة، وهي متخصصة في شؤون الاستخبارات، أن «شهلائي» هو المسؤول عن قيادة الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة على منشأة أرامكو السعودية في (سبتمبر 2019).

فيما لفت تقرير «انتليجينس» الصادر في مايو الماضي، إلى الدور الذي يلعبه «شهلائي» في "التخطيط للمعارك وهيكلة وحدات الحوثيين، التي ساعدت في الهجوم على مأرب". وكذا "تهريب الأسلحة إلى الحوثيين من إيران".

وكانت دول الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والسعودية، والبحرين، قد أدرجت «شهلائي» على قوائم المطلوبين عام 2018. فيما كانت الخزانة الأمريكية قد وضعته على قوائم الإرهاب لارتباطه بمحاولة اغتيال السفير السعودي- حينها- عادل الجبير في واشنطن عام 2011.

وقبل كل ذلك، كان نائب الرئيس اليمني، الفريق الركن علي محسن الأحمر، قد كشف بتاريخ 27 مارس 2017 عن وجود "150 خبيراً عسكرياً إيرانياً ولبنانياً من حزب الله وعراقياً من الحشد الشعبي" في صنعاء. وأضاف في تصريح لصحيفة «الرياض»: أن "أكثر من 58 خبيراً إيرانياً يديرون معركة الحديدة ويعملون على تركيب الألغام البحرية".

ما تخفيه الديبلوماسية الإيرانية

منذ نحو عقدين، والحكومة اليمنية تتهم إيران بالتدخل في الشأن اليمني من خلال تسليح الحوثيين ودعمهم لزعزعة استقرار اليمن والمنطقة، ومؤخراً تحوّل هذا الاتهام إلى شبه إجماع إقليمي ودولي، وفي المقابل دأبت طهران على نفي أي علاقة مباشرة لها بذلك، إلا أن قيادات عسكرية إيرانية بارزة تفصح بوضوح عما تحاول الديبلوماسية الإيرانية إخفاءه بشأن اليمن.

ومنها تصريحات لـ9 قيادات عسكرية إيرانية تحتل مناصب رفيعة في الحرس الثوري تحدّثوا فيها بصراحة عن الدور الإيراني في حرب اليمن والدعم المباشر الذي يقدمونه لمليشيا الحوثي. وبعض هذه القيادات رافقت حروب الحوثيين منذ انقلابهم على الحكومة اليمنية الشرعية عام 2014، بتصريحاتها الداعمة والمتفاخرة بما تقدمه طهران من أسلحة وتكنولوجيا عسكرية وعتاد، بما فيما أنظمة الصواريخ الباليستية والطيران المسيّر.

مساعد قائد فيلق القدس رستم قاسمي

٢1 أبريل 2021: "كل ما يمتلكه الحوثيون من أسلحة هو ناتج عن مساعدتنا". "لقد ساعدناهم في تكنولوجيا صناعة السلاح ".

حوار مع قناة روسيا اليوم

رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري

أكتوبر 2019: "نحن نقدم الدعم الاستشاري والفكري إلى اليمن (يقصد الحوثيين)". "الحرس الثوري هو المسؤول عن ذلك، وسنبقى إلى جانب اليمن (الحوثيين) حتى دفع الاعتداء".

مقابلة لمحطة فونيكس الصينية

نائب قائد الحرس الثوري علي فدوي

31 مايو 2019: "إيران تدعم الحوثيين في اليمن بكل ما تستطيع". "مساعدة الحوثيين بكل الطرق فرض علينا وفقا للقرآن، وإننا نقوم بهذا الواجب". "ما يمنع إرسال قوات إيرانية إلى اليمن كما يحصل في سوريا هو الحصار المفروض على اليمن".

مقابلة مع القناة الثالثة للتلفزيون الإيراني

15 يناير 2022: "نحن أم القرى لليمن في جبهة الثورة الإسلامية، لذلك يجب التمسك بمبادئ الثورة الإسلامية حتى إذا بذلنا أرواحنا في سبيل ذلك" *كلمة بمناسبة تأبين قتلى إيرانيين.

كلمة لفدوي في فعالية تأبين قتلى إيرانيين

قائد مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري اللواء غلام رشيد

25 سبتمبر 2021: الحوثيون ضمن (6) جيوش شعبية وعقائدية أسسها قاسم سليماني في المنطقة ستقاتل من أجل طهران. هذه الجيوش هي "القوة الرادعة أمام الاعتداءات على إيران".

كلمة له في "إحياء الذكرى الـ41 للدفاع المقدس"

المتحدث باسم القوات الإيرانية أبو الفضل شكارجي

٢2 سبتمبر 2020: "طهران نقلت تجربتها التكنولوجية في المجال الدفاعي إلى اليمن ليتمكن اليمنيون (الحوثيون) من صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة بأنفسهم".

"طهران ترسل خبراء ومستشارين عسكريين إلى اليمن وسوريا والعراق ولبنان"

تصريح لقناة روسيا اليوم

قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي

30 ديسمبر 2014: "أنصار الله (الحوثيين) يمارسون الآن دورًا مهمًا في اليمن كحزب الله في لبنان وهو ما حصل بفضل اتخاذ قيم الثورة الاسلامية نموذجًا". كلمة في ملتقى بحثي (بعد نحو (3) أشهر من الانقلاب الحوثي)

1 يناير 2016: القوات الشعبية في سوريا وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن وحزب الله اللبناني صاروا لاعبين مهمين في تحديد معادلات المنطقة. خطبة الجمعة في طهران

12 ديسمبر 2016: "مشروع الجمهورية الإيرانية سيمتد إلى البحرين واليمن والموصل بعد سقوط مدينة حلب السورية، وهذه كلها وعود إلهية". "إيران لا تزال تقدم دعمًا غير محدود للحوثيين، والصواريخ الإيرانية بإمكانها تدمير أهداف العدو في أي منطقة".

القائد الحالي لفيلق القدس إسماعيل قاآني

مايو 2015: "أنصار الله" (الحوثيين) تلقوا تدريبا تحت راية الجمهورية الاسلامية، وحزب الله يعمل على برنامج التدريب والتسليح هناك. مجلة فورين بوليسي الأمريكية

22 أبريل 2021: قائد فيلق القدس قاسم سليماني ورفيقه محمد حجازي أسسا معاً جبهات المقاومة في المنطقة. في كلمة له أثناء تشييع العميد محمد حجازي، نائب قائد فيلق القدس والقائد السابق لقوة الباسيج

معاون العمليات بقاعدة "ثار الله" في طهران اللواء ناصر شعباني

7 أغسطس 2018: "قلنا لليمنيين (الحوثيين) أطلقوا النار على ناقلتي البترول السعوديتين، وقد فعلوا ذلك". حديث مع وكالة فارس الإيرانية

7 أغسطس 2018: "حزب الله بلبنان والحوثيين أنصار الله في اليمن يمثلون الامتداد الإيراني في المنطقة". حديث لموقع "اعتماد أونلاين"

القائد السابق للحرس الثوري الفريق محمد علي عزيز جعفري

5 ديسمبر 2014: "طهران أحيت ثورة البحرين، ونفخت روحاً جديدة في الثورة اليمنية، واستطاعت أن تظهر كقوة كبيرة مسيطرة في سوريا، والعراق، والبحرين، واليمن".

تصريح في اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.



*التحقيق خاص بالمصدر أونلاين