"انتصارات شبوة ومأرب".. مفتاح الهجوم الحوثي على الإمارات؟
شهد الصراع في اليمن تطورا ملحوظا، تمثل باستهداف جماعة الحوثي للعاصمة أبو ظبي، في هجوم هو الأبرز ضد أهداف إماراتية منذ بدء الحرب قبل نحو 7 سنوات، فيما اعتبره مراقبون محاولة للانتقام بعد ضربات موجعة تلقتها الجماعة على يد قوات محلية مدعومة من الإمارات.
والإثنين، شنت جماعة الحوثي هجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة استهدفت العاصمة الإماراتية أبو ظبي، ما تسبب بانفجار 3 صهاريج لنقل المحروقات قرب خزانات شركة "أدنوك" للنفط، واندلاع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار الإمارة، ليؤدي ذلك إلى مقتل 3 أشخاص من جنسيات آسيوية، وإصابة 6 آخرين بجروح.
وكانت الجماعة أعلنت فور وقوع الهجوم عن تنفيذها "عملية عسكرية نوعية في العمق الإماراتي"، قبل أن تعلن في وقت متأخر من مساء الإثنين، أنها استخدمت 5 صواريخ باليستية وعددا كبيرا من الطائرات المسيرة المفخخة في استهداف العاصمة الإماراتية.
والأهداف التي طالتها الهجمات الحوثية في الإمارات تعد مناطق استراتيجية حساسة فشركة "أدنوك" هي المسؤولة عن جميع أنشطة الحكومة الإماراتية بقطاعات النفط والطاقة، ومطار أبو ظبي الشريان الأهم للعاصمة الإماراتية وأحد أهم المنشآت الحساسة في البلاد.
وبعد الهجوم أعلن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، في بيان له، أن "الاستهداف لن يمر دون عقاب".
وقال: "الإمارات تحتفظ بحقها في الرد على تلك الهجمات الإرهابية وهذا التصعيد الإجرامي الآثم".
بدوره، أعلن التحالف العربي، مساء الإثنين، استهداف قيادات إرهابية حوثية شمالي العاصمة صنعاء، ردا على تهديد الجماعة.
وأفادت وسائل إعلام محلية يمنية، بأن ضربات التحالف أدت إلى مقتل القيادي الحوثي البارز العميد عبد الله الجنيد مدير كلية الطيران التابعة للجماعة بصنعاء.
ويرى مراقبون أن العميد الجنيد هو أحد المشرفين على الطيران الحوثي المسير الذي هاجم الإمارات والسعودية، وهو الأمر الذي دفع التحالف العربي إلى استهدافه.
وإضافة إلى استهداف أبوظبي فإن الحوثيين أعلنوا في 3 يناير/كانون الثاني الجاري، "احتجاز سفينة شحن إماراتية قبالة سواحل محافظة الحديدة (غرب)، على متنها معدات عسكرية وتمارس أعمالا عدائية".
فيما قال المتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي، في بيان آنذاك، إن "السفينة كانت تقوم بمهمة بحرية من جزيرة سقطرى (جنوب شرق) إلى ميناء جازان السعودي، وتحمل على متنها كامل المعدات الميدانية الخاصة بتشغيل المستشفى السعودي الميداني في الجزيرة".
سر الهجمات المفاجئة
ويكمن السر وراء هذا التحول الحوثي بتوجيه نيرانهم تجاه أهداف إماراتية ظلت غائبة إلى حد كبير طوال سنوات الحرب السبع، في الانتصارات التي حققتها "ألوية العمالقة" اليمنية المدعومة من الإمارات، خلال الأيام الماضية، خاصة بمحافظتي شبوة ومأرب.
ودخلت "ألوية العمالقة" إلى المعارك ضد الحوثي في مطلع يناير الجاري، مساندة للقوات الحكومية، لتتمكن خلال 10 أيام فقط من استعادة السيطرة على كافة مناطق محافظة شبوة النفطية، من قبضة الحوثيين، بعد أشهر طويلة تقهقرت فيها قوات الجيش اليمني أمام الضربات القوية من الحوثيين.
كما التحقت "ألوية العمالقة" بخط المعارك للمرة الأولى في محافظة مأرب النفطية التي يهاجمها الحوثي منذ نحو عام، لتتمكن من ترجيح الكفة لصالح القوات الحكومية عبر توجيه ضربات موجعة لقوات الحوثي.
وأعلنت هذه الألوية خلال الأيام الماضية، السيطرة على مساحات واسعة من مديرية حريب بمحافظة مأرب.
وخسارة الحوثي لمحافظة شبوة كلفها ورقة رابحة مهمة، فهذه المحافظة من المدن الرئيسية الرافدة لاقتصاد البلاد بحوالي 25 بالمئة من الموازنة العامة، حيث تنتج ما يقارب 50 ألف برميل من النفط يومياً، ويمثل حقل العقلة بالمحافظة ثاني أكبر حقول النفط بالبلاد إضافة إلى امتلاكها منفذا بحرياً يمتد لأكثر من 300 كيلومتر.
كما يعد ميناء الغاز في بلحاف على البحر العربي أكبر مشروع صناعي واستثماري في تاريخ اليمن، وكان يوفر إيرادات بنحو 4 مليارات دولار سنوياً، النصف منها يذهب إلى الحكومة والباقي لصالح الشركات الأجنبية (فرنسية، أميركية).
ويعتبر بلحاف أكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في البلاد وقد بدأ الإنتاج فيه بشكل فعلي منذ 2009، وتقدر الطاقة الإنتاجية 6.7 ملايين طن، وقد كلف إنشاؤه نحو 5 مليارات دولار، ويمر عبر أنبوب بطول 320 كلم بدءا من حقول الغاز بالقطاع 18 في مدينة مأرب (وسط) وينتهي عند محطة التسييل في بلحاف شبوة.
أما محافظة مأرب التي حققت فيها "ألوية العمالة" انتصارات مهمة على الحوثيين، مؤخرا، فتكتسب أهمية اقتصادية واستراتيجية بين المدن اليمنية، لكونها تزخر بالثروات المعدنية، مثل البترول والغاز والفضة والملح الصخري والجرانيت والإسكوريا والجبس والرخام.
ومأرب هي المحافظة الوحيدة المنتجة للغاز في اليمن والتي تضم أحد أكبر حقول النفط في البلاد في منطقة الوادي التي لا تزال مع مدينة مأرب تحت سيطرة الحكومة اليمنية.
وكانت شركة صافر للنفط تنتج قبل اندلاع الحرب مطلع 2015 نحو 40 ألف برميل نفط يوميا من القطاع 18 في محافظة مأرب، كما تنتج الغاز المنزلي بطاقة إنتاجية قدرها 800 طن متري يوميا.
انتقام بعد ضربات موجعة
وفي تحليله للمؤشرات السابقة، يقول المحلل السياسي اليمني يعقوب العتواني، للأناضول، إن "قوات ألوية العمالقة التي تلقت دعما كبيرا من الإمارات استطاعت إلحاق الهزيمة بالحوثيين في عدة مناطق يمنية مؤخرا".
وأضاف العتواني، أن "الدعم والإسناد الإماراتي لقوات ألوية العمالقة أوجع الحوثيين ودفعهم لتنفيذ ضربات على أبو ظبي".
وتابع: "الواقع العسكري والسياسي في اليمن سيشهد تصعيدا أكبر، ما يؤثر سلبا على كافة الجهود الدولية والأممية الرامية لوقف إطلاق النار".
من جانبه، قال العميد في الجيش اليمني مسعد الصلاحي، في تصريحات للأناضول، إن "الإمارات أسهمت بشكل فعال في دعم ألوية العمالقة وتحرير كامل محافظة شبوة النفطية، ما أزعج الحوثيين بشكل كبير".
وذكر الصلاحي، أن "الحوثيين تلقوا ضربات موجعة خلال الأيام الماضية في شبوة ومأرب، سواء من خلال تقدم العمالقة على الأرض، أو من ضربات طائرات التحالف، ما جعلهم يحاولون الانتقام عن طريق ضرب منشآت مدنية في أبو ظبي".
وزاد: "هجمات الحوثي على الإمارات جاءت بعد أن تعرضت الجماعة لخسائر كبيرة، حيث فقدت العديد من قياداتها المهمة، إضافة إلى خسارة أسلحة ومعدات كبيرة ومنصات إطلاق صواريخ دمرها التحالف مؤخرا".
واعتبر الصلاحي، أن "أكثر ما يزعج الحوثيين هو أن ألوية العمالقة بعد تقدمها في شبوة ومأرب، من المرجح أن تتوجه لتحرير محافظتي البيضاء (وسط) وتعز (جنوب غرب) من قبضة الجماعة".
ويشهد اليمن منذ أكثر من 7 سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وحتى نهاية العام 2021، أسفرت حرب اليمن عن مقتل 377 ألفا بشكل مباشر وغير مباشر، وفق الأمم المتحدة.
وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات.
الأناضول بتصرف