كيف أثرت الأزمة الخليجية على الحرب في اليمن؟

كان دخول المملكة العربية السعودية بحرب في اليمن وهي تقود تحالفا عسكريا من عشر دول علامة فارقة في تاريخ المنطقة، لقد مثل ذلك لحظة تحولية قادت وأدت إلى العديد من التحولات بالنسبة للسعودية نفسها، ولليمن أيضا.

 

كانت تلك العملية تمثل محطة جديدة في التكامل العربي، وبعثت الأمل في إمكانية وحدة القرار والمشروع العربي، بعد عقود من الشتات والتشرذم، خاصة مع التهديدات الإقليمية المتواصلة للجزيرة العربية، واحتمالية ذهاب اليمن إلى المجهول، وهو البلد الذي يعد مرتكزا لاستقرار دول الخليج العربي النفطية.

 

لكن تلك الآمال تبخرت، وذلك الوهج لم يدم طويلا، إذ لم يمض عامان حتى دبت الخلافات داخل البيت الخليجي الذي يمثل عمودا أساسيا في تلك الحرب، وذلك التدخل، حتى شهدت المنطقة برمتها محطة أخرى، أثرت بشكل كبير وبالغ على مجريات الأحداث في المنطقة واليمن.

 

تمثل ذلك باندلاع الأزمة الخليجية منتصف العام 2017، بين أربع دول مشاركة في العمليات العسكرية هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمقاعطتها لدولة قطر، ثم انسحاب الدوحة من ذلك التشكيل العسكري، ولحقت بقطر ماليزيا، ثم تأرجح متواصل من المملكة المغربية التي تهدد من وقت لآخر بالانسحاب من التحالف، خاصة مع تدهور علاقتها بالرياض.

 

مع هذا التطور بات التحالف يتكون من السعودية والإمارات، مع مشاركة شكلية لكل من البحرين والكويت والأردن، ومشاركة لوجستية بدون قوات لمصر، ومشاركة عسكرية محدودة لباكستان، وحضور أكثر للسودان، تحول لاحقا لورقة سياسية، بعد رحيل البشير، ثم جاء إعلان دولة الإمارات بسحب قواتها من اليمن، وهو إعلان كان للاستهلاك الإعلامي أكثر من كونه فعلا ميدانيا.

 

هذا الوضع من التفكك وانفراط عقد التحالف عقب الأزمة مع قطر، أثر بشكل كبير على الوضع في اليمن، إذ تصدرت الإمارات والسعودية إدارة المعارك، وجذرت حضورها داخل اليمن، خاصة في المناطق المحررة بمدن جنوب اليمن، وصعدت الدولتان من أجندتهما، وكان لهذا الوضع العديد من التأثيرات والتداعيات.

 

ورغم أن الدور القطري في التحالف الذي قادته السعودية باليمن لم يخرج عن سياق الرؤية السعودية إعلاميا وعسكريا لكنه كان يخلق نوعا من التوازن في البيت الخليجي، خاصة مع مواقف قطر تجاه الملف اليمني، وبالذات في الأمم المتحدة، حيث قدمت مشاريع قرارات دولية منذ العام 2011 كان لها الأثر في ضبط مسار العملية الانتقالية في اليمن.

 

ومع خروج قطر من التحالف بدأت مرحلة جديدة انعكست بشكل سلبي على الوضع في اليمن، إذ جرى تحميلها وزر كل الأخطاء التي ارتكبها التحالف، وجرى فرز الأطراف اليمنية وفقا لعلاقتها مع قطر، وسيقت تهم الخيانة للكثير تحت هذه اللافتة التي جُند لها إعلاميون ووسائل إعلام تابعة للسعودية والإمارات ومصر، وتسبب هذا بتمزيق صف القوى التي كانت مؤيدة للتحالف.

 

وعقب تحالف قطر مع تركيا بعد الأزمة الخليجية، جرى إدخال أنقرة لقائمة الأعداء بالنسبة للسعودية والإمارات خاصة مع جريمة اغتيال جمال خاشقجي، وارتفعت بذلك وتيرة الترويج لقطر وتركيا باعتبارهما تمثلان مشروعا معاديا للرياض وأبوظبي، وباتت الدوحة وأنقرة خصمان للسعودية والإمارات أكثر من طهران التي تتهمها بدعم الحوثيين في اليمن.

 

لقد كانت الأزمة الخليجية هي الحدث الفارق في أداء التحالف داخل اليمن، وأثرت كثيرا على مجريات الأحداث والمعركة، وأدى حصار قطر وإخراجها من التحالف إلى تحول المنصات الإعلامية القطرية بمختلف أنواعها للتركيز على ممارسات وانتهاكات السعودية والإمارات في حربهما باليمن وتسليط الضوء على تداعياتها، وكان لذلك تأثير كبير في لفت أنظار العالم نحو الوضع في اليمن، وبروز المأساة الإنسانية، واستفاد الحوثيون من ذلك كثيرا، في حين تضررت السعودية والإمارات بشكل كبير.

 

هذا الوضع أفضى إلى مشهد جديد انكشف فيه التحالف أكثر من أي وقت مضى، وانهارت طرق السلام، وازداد الوضع قتامة في اليمن، وبات اسم التحالف قرينا بالانتهاكات، وسببا من أسباب الأزمة الإنسانية في اليمن، وكان لتأثير تلك الأزمة أبلغ الأضرار التي انعكست على المشهد العام في اليمن.

 

مظاهر العبث السعودي الإماراتي عقب الأزمة الخليجية

 

لقد أدى تفرد السعودية والإمارات بالحرب في اليمن، بعد الأزمة الخليجية مع قطر، إلى عدة تداعيات أكدت جميعها مظاهر العبث الذي مارسته الدولتان في اليمن، ومن ذلك التأثير على أداء الحكومة الشرعية ومنعها من التواجد والاستقرار داخل عدن، والسيطرة والتوسع في سقطرى والساحل والجزر اليمنية، والسعي للاستحواذ على مدن وجزر يمنية كسقطرى وإلحاقها بالإمارات وتغيير هويتها والعبث بها، والمحاولات المستمرة لتطويع المهرة للأجندة السعودية، ومنع مؤسسات الدولة من النهوض وممارسة عملها في عدن، وعرقلة كل ما من شأنه نجاح الحكومة الشرعية كمنع وصول الرواتب للموظفين، وإضعاف مؤسسات الدولة، وتشجيع أعمال العنف والفوضى الهادفة لتدميرها، ومنع إدارة الحكومة الشرعية لها، كالجزر والموانئ والمطارات، وحقول النفط والغاز.

 

كما أدت تلك السياسة السعودية الإماراتية إلى دعم التيارات المتشددة كالسلفية ومدها بالسلاح والمال لتعمل لصالحها كهاني بن بريك في عدن وأبو العباس في تعز، والتي تورط بعضها في تنفيذ اغتيالات مدروسة ومنظمة ومقصودة مستهدفة العديد من القيادات في حزب الإصلاح والسلفيين ورجال الأمن والجيش في عدن بالذات، وفق ما كشفه موقع بزفيد قبل عامين.

 

وساهمت الدولتان في تفجير معارك عسكرية من وقت لآخر في المناطق المحررة أثرت على المواجهة مع الحوثيين والانطلاق نحو مراحل جديدة من البناء، وتسببتا في إثارة معارك إعلامية متواصلة داخل الصف الواحد المؤيد للشرعية، وطمس هوية الانتماء للدولة اليمنية ولليمن من خلال غياب أي مظاهر لليمن في مناطق تواجدها في عدن كتغييب العلم اليمني.

 

الأمر تجلى أيضا في توظيف ورقة الإرهاب لمصلحة الدولتين في مدن الجنوب، ومشاركة خيوط هذا الملف مع دول أخرى كأمريكا وتهميش وإقصاء الأجهزة اليمنية المختصة كالجيش والأمن السياسي والقومي، والتلاعب بالورقة الأمنية كوسيلة للسيطرة من خلال سلسلة من الهجمات والتفجيرات في المعسكرات وبعض المواقع العامة وراح ضحيتها العشرات من أبناء عدن، وكذلك العمل الحثيث لتصدير الإرهاب إلى مناطق كانت بعيدة عنه كالمهرة، ضمن تحقيق أجندة الدولتين.

 

أما على الجانب السياسي، فقد واصلت زراعة الشقاق والاختلاف بين الأحزاب المؤيدة للشرعية والقوات المنضوية معها كما يجري في تعز ومأرب وغيرها، وكذلك مساعي الدولتين لإنتاج نظام صالح وكل المنشقين بعد مقتله ومنع انضوائهم تحت الشرعية عسكريا وسياسيا وإعلاميا، ثم حربهما على حزب الإصلاح ووضعه في درجة واحدة مع جماعة الحوثي، وشيطنته المستمرة والتصعيد الإعلامي ضده أكثر من الحوثي، والسعي المستمر لاعتبار أن كل الأصوات الرافضة لتواجد الدولتين هي مؤامرة من الإخوان المسلمين في اليمن.

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل واصلت الدولتان دعم وتشجيع الانفصال عمليا بين شطري اليمن، وتشجيع الكراهية بين مواطني الشمال والجنوب، واللعب على ورقة المناطقية، وتوقفت أعمالهما العسكرية عند حدود الشطرين سابقا كما هو الحال في لحج والضالع، ودعمتا ومولتا المليشيا المسلحة من خلال الأحزمة الأمنية والنخب في عدة محافظات جنوبية، وأنشأتا كيانات تستند على المناطقية والتشطير للعمل معها كالمجلس الانتقالي، الذي استخدم للنيل من الشرعية وإضعافها، وأنشأت أيضا كيانات بديلة للشرعية على المستوى العسكري من خلال القوات المتواجدة في الساحل الغربي، ومنعها انضمام قوات طارق صالح للجيش.

 

وعلى الجانب الحقوقي، تسببت سياسة الدولتين في ارتكاب العديد من الانتهاكات في حقوق الإنسان كالقتل والاغتيالات والتعذيب والسجن والإخفاء القسري والنفي، وجرى خلق أعداء وفق مزاج الدولتين كقطر وتركيا وحزب الإصلاح وحشد الناس نحو هؤلاء الأعداء، ومنع مؤسسات الدولة من العمل كالمطارات والموانئ وتحويل بعضها كمطار الريان لمعتقل وسجن.

 

ومن مظاهر ذلك العبث التصعيد المستمر ضد الشرعية أكثر من تصعيد الدولتين ضد الحوثيين، ومنع وصول شخصيات في الحكومة من ممارسة مهامها، أو عودتها لمدنها، مثل عبد العزيز المفلحي سابقا ونايف البكري، وممارسة الاستقطاب داخل الحكومة الشرعية لمسؤولين وموظفين للعمل معها وتبني رؤيتها والدفاع عنها وتنفيذ أجندتها في اليمن، ورعاية وتمويل آلة إعلامية تعمل في خطين، الأول تجميل ممارساتها وأساليبها داخل اليمن، والثاني تشويه خصومها والإساءة لهم وللحكومة الشرعية والأحزاب المنضوية فيها، وإثارة المعارك الإعلامية الجدلية التي لا تنتهي، والتحريض المبكر على الإعلاميين المناهضين للحوثيين، خاصة المتواجدين في السعودية، ثم الحملات الإعلامية على الشخصيات التي تناهض وجود الإمارات والسعودية.

 

مظاهر العبث طالت أيضا المؤسسة العسكرية للحكومة الشرعية، كتوقف الدعم لبعض الجبهات خاصة في مدينة مأرب، وقصف الجيش اليمني كما حدث عند مدخل مدينة عدن، واستمرار شيطنة الجيش وقياداته، وتغذية وتمويل المليشيا المسلحة لمواجهة الجيش واستنزافه في حروب لا تنتهي، وكذلك رعاية الفوضى الأمنية في المناطق المحررة خاصة عدن، وظهور قضايا لم تكن تعهدها المدينة من قبل كالسطو على الأراضي والاغتيالات والصراع البيني بين أبناء الجنوب أنفسهم، و إغراق المناطق المحررة بالسلاح والجماعات المنفلتة، والتحكم بالوضع العام بمدينة عدن وما جاورها من المدن.

 

لقد عملت كلا الدولتين في اليمن منذ الأزمة الخليجية من خلال أسلوبين، الأول التصعيد المستمر ضد الشرعية وسعيها لخلق كيانات بديلة لها، وإضعافها عسكريا، واقتصاديا، مع المحافظة على وجودها شكليا، والثاني تنفيذ أجندة الدولتين الخاصة، المتمثلة بالأطماع والسيطرة والحرب على من تصنفهم خصوما لها، وتجلى التجسيد الأمثل للدولتين في المهرة بالنسبة للسعودية، وفي سقطرى بالنسبة للإمارات.

 

بالطبع عملت الدولتان أيضا من خلال العديد من الأشكال التي ساهمت في توغلهما داخل البلد، ومن ذلك العمل الإغاثي الشكلي الذي تقدمه في مناطق تواجدهما، وإقصاء القيادات الوطنية التي يمكن أن ترفض أجندتهما، واستغلال بقاء الحكومة اليمنية في الرياض، وتغطية كل دولة للأخرى في الأعمال التي مارستها داخل اليمن، وكذلك صمت المجمتع الدولة عن ممارسة الدولتين في الأراضي اليمنية.

 

عوامل استقواء السعودية والإمارات في اليمن

 

عدة عوامل لعبت في هذا الدور العبثي والتخريبي الذي مارسته الدولتان في اليمن، ومن ذلك استغلال صمت السعودية وحاجتها للإمارات في سياق التحالف الذي تقوده في اليمن ضد الحوثيين للتصعيد ضد من تعتبرهم خصوما لها، بل والاستجابة للضغوط التي تمارسها أبوظبي على الرياض لطرد أو إسكات أي معارض لها يقطن داخل السعودية.

 

ومن ذلك أيضا تماهي الجانب السعودي وعدم معارضته لما تفعله الإمارات في اليمن، وتحول ولي العهد السعودي إلى وسيط لإطفاء الحرائق كلما ارتفعت حدة التوتر بين الشرعية والإمارات دون مكاسب تذكر للحكومة الشرعية، وتشكيل لوبي من الإعلاميين والمسؤولين العاملين في الشرعية يعملون لمصلحتها وأجندتها، سواء في الهجوم على خصومها، أو الدفاع عنها، أو الصمت عما تفعله في اليمن، واستغلال التوجه العام الذي تشترك فيه الإمارات مع السعودية في الحرب على جماعات الإخوان المسلمين للتصعيد ضد حزب الإصلاح.

 

وثمة دور إماراتي آخر جعل من أبوظبي اللاعب الأبرز والأكثر تأثيرا في اليمن، ويتعلق بتعزيز أبوظبي لعلاقتها مع الجانب الأمريكي في اليمن لتبرير تواجدها واستمرارها بشكل أطول من خلال الاشتراك مع القوات الأمريكية في الحرب ضد القاعدة وداعش، مما أكسبها صمت وتواطؤ الحكومة الأمريكية، وسمح لها بالتمدد ومواصلة الانتهاكات والتغطية عليها.

 

ولعل العامل الأهم هنا في تواصل مسيرة العبث داخل اليمن يتعلق باستغلال وضع اليمن في البند السابع أمميا للتعمق والتدخل أكثر، وتقديم السعودية لنفسها كوكيل حصري للوضع في اليمن، وذاب القرار اليمني وتلاشى بشكل كبير، وصارت الكلمة الأعلى والفاصلة للسعودية والإمارات.

 

وأغرى ضعف الحكومة اليمنية الإمارات والسعودية أكثر لتمرير أجندتها التي بدأت بالتدرج، وكان أول مثال منع نايف البكري من تولي عمله محافظا لعدن، بعد تحريرها، بحجة انتمائه للإصلاح، ثم توالت عملية التصعيد عبر العنف لإزاحة من تعتقد أنه لن يعمل لمصلحتها كمقتل محافظ عدن جعفر، وأعقب ذلك تعيين عيدروس الزبيدي محافظا لعدن.

 

وتعاملت الدولتان مع الحكومة اليمنية كيافطة يستمدان منها شرعية البقاء داخل اليمن فقط، مما جعل حضور الحكومة وبقاءها شكليا، كما استغلتا الضعف المالي وشحة الموارد لدى الحكومة اليمنية بعد خروج الحوثيين من عدن، وعدم قدرتها على إعادة الحياة للمدينة وتطبيع الأوضاع فيها، وبناء مؤسسات الدولة، وكذلك جرى استغلال الفراغ الأمني والعسكري الذي خلفته الحرب في عدن والمناطق المحررة وملء ذلك الفراغ بمليشيات لا تنتمي للدولة، بل تعمل على استهدافها.

 

تداعيات العبث السعودي الإماراتي في اليمن

 

لقد أدى ذلك العبث الذي مارسته الدولتان منذ الأزمة الخليجية إلى العديد من التداعيات، ومن ذلك ظهور الحكومة اليمنية الشرعية بمظهر الضعف والتبعية، والهوان والعجز، وضعف التأييد الشعبي لها داخل اليمن، من خلال عدم قدرتها في إدارة المناطق المحررة ووقف التدخل الإماراتي.

 

وهذا الإضعاف المتعمد للحكومة اليمنية جاء أيضا من تصعيد شخصيات ضعيفة في الحكومة الشرعية وتعيينها في مناصب مهمة لمجرد أنها تدين لها بالولاء وتساعدها في تنفيذ أجندتها، وفي المقابل الإطاحة بشخصيات وطنية من مواقعها في الحكومة لمجرد اعتراضها على أداء التحالف، وهناك العديد من النماذج لشخصيات جرى الإطاحة بها من مناصبها لمجرد اعتراضها على سياسة التحالف في اليمن.

 

وأدى ذلك أيضا إلى تنامي العنف في المناطق المحررة كالاغتيالات والصراع البيني وانتهاكات حقوق الإنسان وارتفاع نسبة الكراهية والعداء المتبادل بين اليمنيين لبعضهم البعض، وتأخر عملية التنمية المفترضة من قبل دول التحالف والحكومة اليمنية في المناطق المحررة، وخلق الانقسام وتعميقه داخل صف المؤيدين للشرعية جراء تلك الاستقطابات، والصراع مع بعضها، تعز نموذجا.

 

كما ساهم ذلك في تشكيل صورة سيئة عن التحالف العربي في اليمن بسبب كثرة الانتهاكات والتداعيات وأظهره كمحتل وليس كداعم كما يزعم، وخاصة مع انتقال الفوضى والصراع والتأزم إلى المدن التي ظلت بعيدة عن الحرب الجارية في اليمن كسقطرى والمهرة.

 

لقد خدمت تلك السياسة المتبعة للدولتين جماعة الحوثي بشكل كبير من خلال تسويقها لوضع المحافظات المحررة كبؤرة عنف وفوضى قياسا بالمناطق التي تسيطر عليها، ومكنها من حشد الدعم الشعبي لها، وبناء واستكمال مشروعها، وتحولها من عدو محاصر ومعزول دوليا إلى طرف ندي ونظير للحكومة اليمنية الشرعية، وفتحت القنوات أمامه للتواصل مع العالم، بل وتمكن من الحصول على أسلحة نوعية، وتنفيذ هجمات متكررة وغير مسبوقة على المدن السعودية، وتهديده بالمزيد، وهنا ظظهر التساؤل عن مدى العلاقة بين الدولتين والحوثيين، خاصة مع تطابق أجندتهم وتشابه طرق تصعيدهم الميداني في استهداف الشرعية وحزب الإصلاح، والرئيس هادي، واستفادتهم من الفوضى الحاصلة في المناطق المحررة.

 

كل تلك المظاهر من العبث حولت اليمن إلى قضية صراع ونفوذ إقليمي ودولي، وجعلها ساحة لتصفية الحسابات مع الدول الأخرى كقطر وسلطنة عمان وإيران وتركيا، وهي أكثر الدول التي تردد اسمها من قبل الإعلام السعودي الإماراتي، وأعاق فرص انعقاد جولات الحوار برعاية أممية بسبب اعتراضات المجلس الانتقالي من وقت لآخر، وأبان عن الأجندة الحقيقية للسعودية والإمارات في اليمن، وأظهر أجندة الإمارات بوضوح كدعم الانفصال، ومحاربة الإخوان، واستهداف تيار الثورة في الربيع اليمني والوقوف مع الثورات المضادة التي تعد إستراتيجية إماراتية متبعة في أكثر من دولة عربية، وتسبب في ظهور كيانات جديدة ومليشيا مسلحة بعيدا عن الدولة والحكومة وتعد بمثابة ألغام مستقبلية، كالمجلس الانتقالي وقوات النخب والأحزمة الأمنية، وقوات طارق صالح والسلفيين وغيرهم، وزرع بذور الفوضى المستقبلية وأوجد بيئة مستدامة للصراع والأحقاد داخل اليمن.

 

لقد أثر ذلك أيضا على المعركة العسكرية مع الحوثيين في مختلف الجبهات بعد أن وجد المقاتلون التابعون للشرعية أنفسهم عرضة للشيطنة والإساءة، وتزامن هذا مع تنامي نفوذ أمراء الحرب والجماعات الدينية خاصة تلك المتهمة بالتورط في الإرهاب كأبي العباس في تعز، وتسرب السلاح إليها، وكذلك ظهور تنظيم داعش في اليمن بسبب الفراغ الأمني والعسكري، وتنامي دور تنظيم القاعدة، وصعوبة القضاء عليه بشكل مطلق رغم مشاركة السعودية وأمريكا في الحرب عليه، وكانت معركة تحرير المكلا شكلية، وفر أعضاء التنظيم منها إلى محافظات أخرى.

 

لقد عكست سياسة الدولتين في اليمن غياب المشروع لدى دولة الإمارات والسعودية برمته في اليمن بعد تدخلهما، وأطال أمد الحرب في اليمن وزاد من المعاناة الإنسانية للسكان في الداخل، ورفع كلفة الحرب من خلال شراء المزيد من السلاح، وتقديم المزيد من الأموال للمنظمات الأممية.

 

الأمر الآخر أظهرت تلك التطورات السعودية في موقف الضعف إزاء ممارسات الإمارات، وجعلها تبدو كتابعة للإمارات، وحملها تبعات طائلة من المسؤولية وعبء الحرب في الحاضر والمستقبل أمام العالم، وأمام اليمنيين، وقاد ذلك لتعزيز مكانة ونفوذ الإمارات وتحكمها بالقرار في أغلب المدن الجنوبية خاصة في مدينة عدن، رغم وجود قوات تدين للرياض بالولاء كألوية الحماية الرئاسية، لكنها كانت تترك في كل مرة عرضة للتصعيد والمواجهة من المليشيا المسلحة التابعة للإمارات، وتتدخل السعودية للتوسط وفض الاشتباك الجانبين من دون تعزيز لدورها.

 

وبدأ اهتمام السعودية بمدينة عدن مؤخرا من خلال زيارات السفير السعودي للمدينة، وتدشين برامج لإعادة الإعمار بشكل خفيف، وهو ما يعكس ربما وجود تفاهمات بين الدولتين على تعزيز اقتسام النفوذ في المحافظات المحررة، ففي حين تحضر السعودية بشكل أسع في محافظة مأرب يضعف تواجد الإمارات فيها، والعكس صحيح فيما يتعلق بحضور الدولتين في عدن.

 

هذا الدور المغيب للسعودية في عدن سمح للإمارات في مواصلة تمكين قواتها والأدوات التي تعمل لمصلحتها عسكريا وسياسيا في المدينة، حتى تحكمت بكل المفاصل فيها، وكان لهذا التحكم تداعياته الكارثية، على مستوى الممارسات التي انتهجتها الإمارات في عدن كعدم السماح أو السماح لأعضاء الحكومة في الدخول للمدينة، وعلى مستوى التحكم بالخدمات العامة والتعامل بها بمزاجية كمنع طيران اليمنية من الهبوط والمبيت في عدن.

 

لكن أبرز التداعيات تتجسد في نجاح وتمكن الإمارات من منع انعقاد جلسات مجلس النواب في مدينة عدن، بعد الترتيبات التي أجرتها السعودية لجمع الأعضاء المؤيدين للشرعية، وإنجاح انعقاده لأول مرة منذ الانقلاب داخل البلد، واضطرت السعودية إزاء ذلك للرضوخ أمام المنع الإماراتي لعقد الجلسة الأولى والوحيدة للبرلمان في مدينة سيئون التي تعزز فيها الرياض حضورها عسكريا وسياسيا.

 

وكان لهذا الحدث تأثيره في ظهور الخلافات الباطنية بين الدولتين داخل اليمن إلى العلن، وتوالى لاحقا تنديد العديد من المسؤولين في الرياض بممارسات الإمارات داخل اليمن بشجاعة غير مسبوقة، إضافة لتنظيم عدة حملات في وسائل التواصل الاجتماعي شارك فيها مسؤولون حكوميون وسعوديون لتسليط الضوء على التواجد الإماراتي في اليمن.