اتفاقا "الرياض" و"السلم".. هل اجتمعا على شرعنة انقلابي اليمن؟

أيام معدودة ويكتمل عام منذ توقيع "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والذي كان يُفترض أن يُنهي خلال مدة لا تتجاوز 90 يوما الإشكالية الناتجة عن تمرد المجلس وسيطرته على محافظة عدن (جنوب) وطرد الحكومة الشرعية منها.

 

مَثَّلَ الاتفاق الموقع في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بارقة أمل للقوى السياسية المناهضة لجماعة الحوثي، لتوحيدها خلف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتفرغها لمواجهة الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات الشمالية منذ 2014.

 

وتركز الاتفاق في شقه السياسي على إشراك المجلس الانتقالي في حكومة جديدة، في حين نص في شقه العسكري والأمني على انسحاب القوات من عدن والمحافظات التي سيطر عليها المجلس، ودمج مليشياته ضمن قوام الجيش والأمن، وإنهاء الأسباب التي أدت إلى الانقلاب على حكومة هادي.

 

وبعد أشهر من تعثر تنفيذ الاتفاق وتبادل الاتهام بالعرقلة، أعلنت السعودية نهاية يوليو/ تموز الماضي، آلية لتسريع التنفيذ نصت على تشكيل الحكومة خلال شهر، يتم خلاله تنفيذ الشقين العسكري والأمني من الاتفاق.

 

ورغم مرور نحو ثلاثة أشهر على إعلان الآلية، فإن ما تحقق هو تقدم طفيف، تمثل في تسمية رئيس الحكومة، وتعيين محافظ ومدير لأمن العاصمة المؤقتة عدن، فيما لا تزال مشاورات تشكيل الحكومة جارية.

 

بينما لم يتم إحراز أي تقدم في تنفيذ الشقين العسكري والأمني، وهما معيار النجاح الحقيقي، بحسب مراقبين.

 

"السلم والشراكة"

 

في الآونة الأخيرة أبدى سياسيون ومحللون يمنيون مخاوفهم من أن يصبح اتفاق الرياض نسخة من اتفاق السلم والشراكة، الذي وقعته القوى السياسية اليمنية وجماعة الحوثي عند اجتياحها صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، برعاية الأمم المتحدة.

 

بل إن كثيرين رأوا أن اتفاق الرياض لا يختلف عن اتفاق السلم والشراكة إلا في تفاصيل.

 

والنتيجة هي مخاوف من أن الاتفاق يُضعف الحكومة الشرعية لصالح المليشيات التي تفرض سيطرتها بقوة السلاح والدعم الخارجي، مقابل تنازلات الدولة تحت وقع الضغوط الخارجية.

 

تشابه الاتفاقين

 

قال مارب الورد، كاتب وصحفي يمني، للأناضول، إنه "توجد أربع أوجه تشابه بين الاتفاقين، فهما من جهة يكرسان منطق القوة ويمنحان المليشيات المتمردة شرعية لما قاما به من تمرد على أرض الواقع، على حساب الدولة التي تحتكر الصفة الدستورية".

 

وأضاف: "ومن جهة أخرى فإنهما يحاولان المساواة بين سلطة الدولة والمليشيات، فاتفاق السلم والشراكة كان يفترض انسحاب الحوثيين من صنعاء مقابل استيعابهم في العملية السياسية والسلطة، والأمر ذاته يتكرر في عدن".

 

وتابع: "بينما الذي يحصل هو أنه يتم القبول بما تفرضه المليشيات على أنه الأمر الإيجابي، بالضغط على سلطة الدولة للتنازل عن صلاحياتها وهيبتها وقراراتها وسيادتها لصالح مليشيات متمردة".

 

وأردف "الورد" أن "وجه التشابه الثالث هو أن الاتفاقين يشجعان أي جماعة تمتلك القوة أو تحصل على دعم خارجي على القيام بمثل ما قامت به مليشيات الحوثي في صنعاء ومليشيات المجلس الانتقالي في عدن، وبالتالي تشجيع على استمرار التمرد واستخدام العنف لتحقيق المطالب السياسية".

 

واستطرد: "الرؤى الرسمية للاتفاقين، سواء الأمم المتحدة وسفراء الدول المعنية برعاية عملية الانتقال السياسي في حالة اتفاق السلم والشراكة، أو السعودية وخلفها الإمارات والمبعوث الأممي في حالة اتفاق الرياض، هذه الأطراف لا تمارس أي ضغط على المليشيات المتمردة للوفاء بالتزاماتها، بينما يكون الضغط دائما على سلطة الدولة للتنازل والقبول، وهذا هو التشابه الرابع بين الاتفاقين".

 

ورأى أنه "من الطبيعي أن يستمر التمرد، فحتى هذه الاتفاقات التي هي شكلية أو تخدم المليشيات، لا تُنفذ، بغض النظر عن الخلفية الفكرية والسياسية للانقلابيين، فهما انقلابان مرفوضان في المحصلة ومصادرة لإرادة الشعب، سواء اتخذ بعدا مناطقيا أو مذهبيا".

 

شرعنة لانقلابات مليشوية

 

مع "الورد" اتفق نبيل البكيري، كاتب وباحث يمني، بقوله للأناضول إنه "لا فرق بين الاتفاقين ربما إلا باختلاف السياقين فقط، وإلا فمضمونهما واحد تقريبا من حيث شرعنة الانقلابات ودمجها في كيان شرعي، لتحويل هذا الكيان المعترف به دوليا إلى مظلة للمليشيات الانقلابية".

 

واستدرك: "الفارق الوحيد أن اتفاق السلم والشراكة كان حول مصير صنعاء واتفاق الرياض حول مصير عدن، لكن مضمونهما هو شرعنة الانقلابات المليشوية وتطبيعها على حساب دولة اليمنيين وكرامتهم".

 

مستقبل الاتفاق

 

وقال "الورد" إنه لم يحدث أي تقدم في اتفاق الرياض، سوى أن يُعاد الضغط على الشرعية عن طريق ملفات كثيرة، أهمها الجانب العسكري على الأرض، وتوقيت المعارك في وقت يُراد منه الضغط على الشرعية للقبول بأمر واقع، والسلطة الشرعية هي المستهدفة من ذلك من أجل دفعها للتنازل.

 

واستبعد تنفيذ الاتفاق بالشكل المُعلن، وإنما الاستمرار بذات الوتيرة، بين فترات طويلة من الجمود وأحيانا تصعيد محدود يستنزف الطرفين "محلك سر"، معتقدا بوجود مصلحة للسعودية، وخلفها الإمارات، لبقاء الطرفين في حالة احتراب واستنزاف، ليظلا في حاجة لهما.

 

وأضاف: "قد لا يُعلن عن فشله، لكن عدم تنفيذ بنوده هو فشل واضح، وقد يتم تعديل نسخة منه أو عمل ملحق جديد".

 

بينما قال البكيري إن اتفاق الرياض هو اتفاق أمني عسكري بالأساس، وتقديم الشق السياسي على الشق الأمني والعسكري يعني مقدما فشل الاتفاق، لأنه يقدم العربة على الحصان، وهو ما يعني توقف الحصان، أي توقف الشرعية وانهيارها وتلاشيها.

 

ولا يبدو متفائلا بتطبيق الاتفاق بعد عام من توقيعه، دون تطبيق شيء منه، سوى تعديل صيغه من لحظة لأخرى وتحويله لهدف بحد ذاته.

 

وذهب إلى أن "الاتفاق أُفرغ من مضمونه وتحول لمجرد صيغه وورقة سياسية بيد التحالف (العربي بقيادة السعودية) للتحكم بالمشهد اليمني ومليشياته".

 

الانتخابات الأمريكية

 

وحول احتمال صمود الاتفاق، في حال تنفيذه، قال "الورد" إنه سيصمد، فمن هم وراءه لا يريدون إعلان فشله، فهذا يعتبر إعلان فشل لهم في اليمن.

 

وحول تأثير تنفيذه على مجريات الصراع في اليمن، رأى أن الصراع بين الحكومة والمجلس الانتقالي يكاد يكون تحت السيطرة، ويتم التحكم به لتصعيد محدود في أوقات معينة ثم التهدئة، فالصراع في عدن لن يأخذ البعد الذي يتجاوز اليمن.

 

وعن تأثيره في الصراع مع جماعة الحوثي، ذهب "الورد" إلى أن الأمر لا يختلف كثيرا، فما يهم الأطراف الخارجية هو عدم استهداف الحوثي لطرق الملاحة في البحر الأحمر، بينما استهدافهم للسعودية يُعتقد أنه أقرب إلى رسائل سياسية منها هجمات مؤثرة على الأرض.

 

واعتبر أن هذا يشير إلى تفاهمات بين الحوثيين والسعودية عمرها قرابة العام، جعلت الطرفين في حالة ترقب، خصوصا لما ستسفر عنه انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي يخوضها الرئيس الحالي دونالد ترامب، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الموافق اليوم.

 

ولا يذهب البكيري بعيدا، حيث يرى أن الاتفاق بحد ذاته هو إعلان فشل للتحالف (العسكري العربي) في تحقيق هدفه المعلن، وهو استعادة الشرعية اليمنية وإسقاط الانقلاب.

 

ورأى أن "اتفاق الرياض جاء لتخريج هذا الفشل بطريقة مكشوفة وسخيفة عبر إضافة انقلاب آخر للانقلاب الحوثي الموجود".