فنان يمني يخترق حاجز الصمت بالألوان

رغم ضجيج المعارك وأزيز الرصاص ودخان القنابل، يطل اليمني عبد اللطيف المجاهد بالفرشاة والألوان، على براح عالم من وحي عذوبة لوحاته الفنية.


المجاهد (48 عاما) مصاب بالصمم والبكم منذ أن كان في الثالثة من عمره، وفاقد إحدى عينيه، لكنه يملك قلبا محاربا لتحديات الحياة وظروف الحرب الطاحنة في بلاده.


تجاوز المجاهد معاناته بالألوان التي باتت النافذة الوحيدة التي يطل بها على العالم، من خلال رسومات متنوعة تبعث الأمل بالحياة وتمتزج بالتفاصيل الدقيقة التي قد لا يلاحظها الأسوياء من حوله.


وينتمي المجاهد إلى مدينة ذمار التي تبعد حوالي 100 كم جنوب العاصمة صنعاء، وكان الرسم هوايته الوحيدة منذ الصغر، لكنه احترفها بالألوان المائية والزيتية من سن الثالثة عشرة حتى أصبح أحد أبرز فناني اليمن.


عام 2003، شارك برسوماته المتألقة في مهرجان للفنون تم تنظيمه لذوي الإعاقة بالعاصمة اللبنانية بيروت، وحصل على المركز الأول بعد أن نالت لوحاته إعجاب القائمين على المهرجان.


ألوان (المكياج)


ومن خلال وسيط محترف في لغة الإشارة، روى المجاهد للأناضول، تفاصيل حياته وتحديات بلوغ أحلامه، حتى بعد أن أصبح رساما مشهورا في اليمن.


ويقول المجاهد إنه لا يستطيع توفير ما يحتاجه من أدوات وألوان لاستكمال أعماله الفنية، معتبرا أن الحرب والحصار أثرا على حياته كثيرا في جميع المجالات.


ويوضح أنه بسبب شح الإمكانات لم يستطع إكمال العديد من لوحاته، ولجأ إلى أدوات زينة النساء (المكياج) حتى يستكمل بعضها، لتدخل اللوحة الفرحة إلى قلبه حتى وإن كانت ألوانها غير ملائمة مثل الألوان الأصلية.


لكن بعد 7 سنوات من الحرب، تفاقمت معاناة المجاهد، بعد قطع راتبه الشهري البسيط الذي كان يتقاضاه من مؤسسة المعوقين، وعزوف المواطنين عن شراء لوحاته نظرا لتدهور الأوضاع الاقتصادية في بلاده.


ويقول بلغة الإشارة: "أصبحت أبحث جاهدا عن زبائن لشراء لوحاتي بأي ثمن لتوفير لقمة العيش لأسرتي المكونة من ستة أفراد".


ويضيف: "الصعوبات التي تواجهني هي الحصول على المواد التي أحتاجها للرسم والتي يرتفع أسعارها ويندر وجودها حتى الأقلام التي أستخدمها ليست من النوع الجيد بل الرديء، بسبب الحرب والحصار باليمن".


وفي ظل تدني الظروف المعيشية في عموم البلاد، بات الرسم هو مصدر الدخل الوحيد للمجاهد، إذ يبيع اللوحة بمبلغ زهيد لا يتجاوز 10 آلاف ريال (نحو 16 دولارا).


ورغم ذلك تكدست عشرات اللوحات داخل منزله، بعد أن أصبح اليمنيون يبحثون عن قوت يومهم دون اقتناء اللوحات الفنية.


بمعزل عن الحرب


ويرسم المجاهد اللوحات الفنية لوجوه (بورتريه) ومعالم أثرية ولوحات تراثية، فيما لا يميل إلى الرسم حول السياسة والرسومات الكاريكاتيرية أو الدمار وبشاعة الحروب والضحايا.


ويسعى إلى إقامة معرض لرسوماته في العاصمة صنعاء بعد ثلاثة أشهر، سيكون الأول له إن توفر المكان المناسب والداعم له في مشروعه.


ورغم صعوبة ما يمر به، إلا أنه يتمنى أن يؤسس مدرسة أو معهدا لتدريس الرسم، إذ يقول إن من أكثر أسباب سعادته رؤية فنانين يتقنون الرسم تعلموا على يديه.


ويبدي المجاهد سعادته بتعليم الآخرين الرسم بقوله "أشعر براحة وسعادة كبيرة عندما أعلم أحدا الرسم وأسعد أوقاتي عندما يكون بجانبي أحد يتعلم".


ويختتم قائلا: "كل ما أتمناه هو توقف الحرب ورفع الحصار وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، ليعود اليمن سعيدا كما كان في الماضي".


ويشهد اليمن حربا منذ أكثر من ست سنوات، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.


وللنزاع امتدادات إقليمية، فمنذ 2015، ينفذ تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.