المرأة الريفية.. تحت رحمة التخلف في اليمن
تحاول المرأة اليمنية الريفية التغلب على مصاعب الحياة والظروف المحيطة بها من أجل الاستقرار؛ فهي لاتقل شأنًا عن الرجل، في الكدح وتحمل المشقة إضافة إلى الاهتمام بشئون منزلها وأطفالها.
في اليمن تعمل المرأة الريفية في الزراعة، بدءًا من حراثة الأرض، وزراعتها وسقيها إلى غاية حصادها، كما تُسهم في نقل ما تحتاجه الأسرة من الماء والغاز والدقيق فوق رأسها من منطقة الى أخرى متناسية مشقة الطريق ووعورتها، ورغم ذلك لا تسلم من التعنيف والاضطهاد.
كل هذه المعاناة والصعوبات الحياتية عملت على تكبيل المرأة الريفية، بقيود أفقدتها شخصيتها، وجعلتها تتحمل كل أعباء الأعمال الشاقة وتحمُل الاضطهاد الذي تتعرض له من أسرتها في بيئة متخلفة تعتبرها مجرد سلعة للزواج أو أداة للحرث والنقل.
مريم، البالغة من العمر 18 عام، وهي إحدى فتيات عزلة العنين التابعة لمديرية جبل حبشي تقول: "كل يوم يجبرني أبي على احضار الماء من "البير" وعندما أشعر بالتعب، لا يمكنني أن أمانع وإذا قلت لا أتعرض للضرب".
وتضيف مريم: "ذات يوم شعرت بالتعب ولم أكن قادرة على الذهاب إلى البير فذهبت إلى جارتي وأخذت منها دبة ماء سلفةً إلا أن عودتي إلى المنزل بشكل أسرع غير المعتاد جعل والدي يسألني لماذاعدتِ باكرا ؛ فأخبرته بأني اخذتها سلفةً من جارتي لأنني متعبة اليوم ولا يمكنني الذهاب إلى البير ولم تمر ثواني حتى مد يده عليّ وصفعني في خدي وأمرني بأخذ الدبة الأكبر منها عبوة 20 لتراً والذهاب إلى البير وإحضار الماء عشر مرات ومع ذلك قام بصبه على الارض عقاب لتهاوني في المرة الأولى، متناسياً تعبي ومشقة الطريق".
"مريم" واحدة من مئات الفتيات اللواتي يتعرضن للعنف الاسري في مجتمع يعتبرهن أدوات للحرث والنقل والخلفة فقط.
وتقول الناشطة الحقوقية هنادي أنعم، "إن الريف في اليمن ريف ذكوري القرار، نسائي العمل الشاق".
وتضيف أنعم في حديث لـ " يمن21": "المرأة الريفية في أغلب مناطق اليمن تتحمل مسؤولية كبيرة من العمل الشاق سواء في المنزل أو الزراعة أو تربية الأبناء، وأيضا المعروف عن الريف في اليمن انعدام المياه لذى تتحمل المرأة أيضا جلب المياه من الآبار وغيرها وبما يخص المنزل تتحمل المرأة توفير الحطب لاستخدامه في الطبخ وذلك لعدم تواجد الغاز المنزلي في 95% من أرياف اليمن بشكل عام فضلا عن المواشي التي تحتاج نوع من الاهتمام مما يصعب على المرأة الحصول على الراحة وهذا أبسط حق من حقوق المرأة".
أزمات نفسية وصحية
ماتزال المرأة الريفية في اليمن تعاني من مشاكل كثيرة من أزمات نفسية أو صحية، نتيجة العنف الممارس ضدها.
الدكتور مروان العامري أخصائي علم نفس يقول: "بحكم البيئة الريفية، تتحمل المرأة ضغوط باهضة الثمن على حياتها ومستقبلها لقلة توفر مقومات الحياة الأساسية مما يتسبب ذلك في جعل المرأة في صدارة مواجهة تلك الظروف".
ويضيف الدكتور العامري في حديث لـ يمن21: "إن المراة تمتع بحساسية عاطفية دقيقة جدا فكلما كانت هذه البيئة تحتضن في طياتها نوع من العنف والعدوان كلما عاد عليها بشكل مؤلم على عالمها الداخلي مما يتسبب بظهور أعراض اضطراب لمثل هذا النوع التعامل القاسي عليها".
وأشار إلى أن الأعراض التي تظهر "تكمن في تحقير الذات والنظرة السوداوية للعالم والمستقبل إضافة إلى النفسية المنكسرة، والثقة المهزوزة بالمحيطين وتقبل الاهانات لأن مفهوم العنف يصبح سائدًا ومتقبل، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق، ومحاولات الانتحار بل والانتحار الفعلي لبعض الحالات".
ويدعو الدكتور العامري الجهات المعنية والمنظمات المعنية بهذا الشأن إلى بذل الجهد في التوعية اللازمة بمخاطر السلوكيات العنيفة تجاه المرأة وخصوصاً المرأة الريفية.
وصمة عار
نجد الكثير من النساء اللواتي يتحملن العنف الأسري خشية "الطلاق" والذي يعد وصمة عار بالنسبة للمرأة المطلقة في الكثير من الأرياف اليمنية فتجدهن لا يقدرن على معارضة أزواجهن او اخذ قراراً بالإنفصال خوفاً من نظرة المجتمع القاصرة تجاه المرأة المطلقة.
الناشطة لمياء الشرعبي تقول في هذا السياق: "الصبر على الظلم و المعاملات القاسية من أزواجهن وزجرهن إلى أدنى مراتب الحضيض؛ خشية الطلاق، واحدة من المعاناة التي تتحملها معظم النساء الريفيات".
وتضيف في حديث لـ "يمن21": "إن المرأة اليمنية بشكل عام والريفية بشكل خاص تتحمل أعباء مثقلة تفقد من خلالها أحقيتها بكونها إنسان، أعباء خارجة عن نطاق القوانين الإنسانية، إضافة إلى تعرض بعض النساء للعنف الأسري وإجبارهن على الزواج في سنٍ مبكر، مما تُفقد المرأة الطبيعة الفطرية لكونها أنثى".
الحرمان من التعليم
إن المرأة الريفية المنكسرة الحلم في حياتها المليئة بالعنف والعمل الشاق والاضطهاد تحرم من التعليم الذي لطالما كان ملاذها الوحيد للحياة؛ فالمرأة الريفية تلتحق بالتعليم إلى إن تصل المرحلة الإعدادية وتتوقف عن التعليم نظرا إلى أن المهمات المنزلية تتكاثر عليها بشكل مستمر فهي تكبر في العمر وتكبر معها الاعمال.
وتشير هنادي أنعم إلى أن المرأة الريفية تنقطع عن التعليم في مرحلة مبكرة من عمرها نظراً لانتشار ظاهرة الزواج المبكر أو الاجباري من قبل الأهل مما يحرمها من فرصة الحصول على شهادة مؤهلة لسوق العمل أو للحصول على فرصة كريمة إضافةً إلى المشاكل الصحية التي من الممكن أن تودي بحياتها نتيجة الحمل المتكرر أو الإجهاض وأمراض سوء التغذية.
وتصف هنادي المجتمع الريفي مجتمع يسلب المرأة أبسط حقوقها ففي مناطق عدة وأرياف كثيرة يمنع على المرأة تلقي العلم ويسمح أو تجبر للعمل الشاق الذي ينهك حياتها ويكسرها وفي ظل انعدام الخدمات الأساسية في الأرياف مثل الغاز المنزلي والكهرباء والمياه الصالحة للشرب بشكل مستمر مما يجعل المرأة تعاني طويلاً.
وتمثل الأمية في الأرياف نسبة كبيرة جدًا خصوصًا في أوساط الإناث الأمر الذي يستدعي تركيز الاهتمام بقضايا تعليم المرأة وإيضاح أهميتها في تنمية المجتمع والأسرة والدور الفاعل الذي تلعبه المرأة المتعلمة في التنمية على مستوى المجتمع.