نادي الإعلاميين اليمنيين في تركيا يعقد ندوته الأولى حول جذور الأزمة اليمنية

عقد نادي الإعلاميين اليمنيين في تركيا ندوته الأولى في اسطنبول مع نخبة من الصحفيين الأتراك للتعريف بجذور الأزمة اليمنية ومآلاتها.

واستعرضت الندوة عددا من الأوراق التي تناولت جذور الأزمة اليمنية ومسببات الحرب المدمرة التي تدخل عامها السابع وأدت إلى أسوأ أزمة انسانية في العالم، حسب تقارير وبيانات الأمم المتحدة.

وشملت الندوة محورين، الأول سياسي أداره الإعلامي عارف الصرمي، تناولت خلاله أوراق العمل الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي في اليمن على العملية السياسية وآثاره الكارثية على المشهد العام في البلاد، كما تناولت التواطؤ الدولي إزاء جرائم الحوثيين وانحراف التحالف عن أهدافه وانعكاسات ذلك على مسار الأزمة.

فيما تناول المحور الثاني الذي أداره الإعلامي صلاح بابقي الجانب الانساني والحقوقي، استعرضت خلاله أوراق العمل جرائم الحرب من مختلف الأطراف والانتهاكات والقمع المختلفة بحق اليمنيين.

تناول الكاتب والباحث السياسي  ياسين التميمي، الانتقال السياسي والانقلاب في اليمن، وقف من خلالها على طبيعة ما جرى في اليمن، مجيبا على السؤال الملح: لماذا انتهى التغيير الذي تم وفق نموذج أشاد به المجتمع الدولي، إلى انقلاب تحول إلى وجهة نظر لدى ذلك المجتمع رغم أنه كان قد وضع كل ثقله لإنجاح عملية الانتقال السياسي في بلد يبدو أكثر من غيره في أمس الحاجة إلى التغيير والخروج من نفق الأزمات متعددة الأبعاد ومن الانسداد السياسي الخطير الذي أوصل البلد إلى مرحلة الفشل نتيجة السياسة الخاطئة لرأس النظام السابق.

وأشار التميمي في ورقته إلى ثلاثة محاور، تطرق فيها إلى حلم التغيير وكلفته في مواجهة الاستبداد، والرحلة التي قطعها شباب الثورة من الثورة إلى التسوية، وكيف جاء انقلاب 21 سبتمبر/ أيلول 2014 تعبيراً صارخاً للثورة المضادة التي أداتها ومولتها ماكينة إقليمية حاقدة وموتورة ومتوجسة من الربيع العربي.


مؤكدا أن ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط الشبابية الشعبية السلمية في اليمن لم تفشل ولم تسقط أهدافها، بل كانت نموذجاً للنجاح في إحداث التغيير بكلف بسيطة، ولم تكن في إطار ما هو متاح لتسمح للفرصة أن تفلت من يدها لذلك حرصت على إنجاز التغيير بأدوات سلمية.

لافتا إلى الأدوار التي لعبتها مؤسسات الدولة ورأس الدولة نفسه والتي قدمت كل التسهيلات لإنجاز الثورة المضادة، وهي خيانة كان أبسط الناس يدرك أنها ستنتهي إلى الإطاحة بالسلطة الانتقالية ورئيسها وقد كان.

من جانبه، أفادت ورقة الباحث، محمد المقبلي، أن الأزمة اليمنية منذ انقلاب جماعة الحوثي في اليمن في 21 سبتمبر 2014 ازمة مركبة ويتداخل فيها ما هو تاريخي بالسياسي وتشتبك فيها المسألة المحلية بالمسألة الإقليمية.


مؤكدا أن الجذور التاريخية للأزمة مرتبطة بالمسألة الفكرية وفكرة الامامة على وجه التحديد.

وأوضح المقبلي بأن الجانب لفكري والتاريخي يعود الى القرن الثالث الهجري بدخول يحيى ابن الحسين "الرسي" إلى اليمن محملا بفكرة الامامة للبيت الهاشمي وفيه يدعي ان الحكم للهاشميين من سلالة الحسن والحسين.

ويواصل المقبلي أنه من تلك الحقبة شهدت اليمن سلسلة من الأئمة الذين حكموا اليمن باسم الحق الإلهي الهاشمي وولاية البطنين، وتعني ان يكون الهاشميين المتناسلين من الحسن والحسين حكاما على البلدان الإسلامية.

كما تطرق أيضا إلى الجغرافيا كسبب آخر للأزمة اليمنية من حيث موقع اليمن على طريق الممر الدولي الأكثر حساسية في العالم.

وانتهت ورقة المقبلي إلى القول بأن خطر استمرار انقلاب جماعة الحوثي ينتمي الى المخاطر المباشرة على الأمن القومي اليمني خصوصا على الركائز الأربع للدولة اليمنية الحديثة، وهي الهوية والجمهورية الديمقراطية والوحدة الوطنية.

وقدم الصحفي، علي الفقيه، صورة مقاربة للخلاصات التي انتهى إليها المقبلي، قائلا إن "عمر الحرب في اليمن وبتوقيت اندلاعها الأخير تعتبر في عامها السابع إلا أنها عملياً وبالنظر إلى جذورها وإلى مسببات اندلاعها فأن عمرها يمتد لعقود من الزمن".

واستعرض في ورقته المحطات المهمة التي ساهمت في وصول البلد إلى وضعه الحالي، ومنها مشاركة نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح والذي قامت عليه ثورة 11 فبراير مع الانقلابيين.

أدى ذلك إلى تحالفه مع جماعة الحوثيين وهي حركة ذات طابع عنيف وتحمل فكراً طائفياً وتقوم على الاعتقاد أن لذرية النبي محمد من بنته فاطمة، الحق الحصري في الحكم.

ومن الأسباب الكامنة أيضا أداء الأحزاب السياسية اليمنية الهزيل والمشتت والعدمي، حيث عقدت الوضع وفشلت في أن تكون رافعة سياسية لثورة 11 فبراير وأسهمت في إفساح المجال لحضور المشاريع الانفصالية والطائفية.

ورغم التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية جاء إلى اليمن بهدف معلن هو دعم الشرعية اليمنية ومواجهة الانقلاب الحوثي.

يرى الفقيه أن التحالف السعودي الإماراتي دخل بأجندات مختلفة وبدا بعد سنوات أنه غير جاد في حسم المعركة لأنه لم يمكن الجيش اليمني من أدوات القوة التي تجعله قادراً على الحسم.

أسوأ من ذلك، حيث ذهب التحالف إلى تفخيخ الساحة اليمنية بصناعة مزيد من المليشيات والكيانات المتنافرة. كما شكلت الإمارات مليشيات مسلحة في الجنوب ودعمت نجل شقيق الرئيس السابق "طارق صالح" في الساحل الغربي لليمن.

يقول الفقيه "ظلت المملكة السعودية تائهة غير قادرة على وضع يدها في يد شركاء أقوياء على الأرض وترفض أن تسلح الجيش اليمني".

أمام هذا كله، تبدو الحكومة اليمنية عاجزة عن استعادة القرار المسلوب بعد أن تمكنت السعودية من وضع موالين لها في المفاصل المهمة وتحول الرئيس ونائبه ورئيس الحكومة وأعضاؤها إلى دمى بيد السفير السعودي.

أما الناشط الحقوقي، محمد الأحمدي، فقد استعرض في ورقته جرائم الانتهاكات والتعذيب في ظل الحرب والتي تصدرتها مليشيا الحوثي.

مؤكدا أن الحالة اليمنية تميزت منذ الانقلاب على السلطة الشرعية بهدر غير مسبوق للحقوق الأساسية، وفي مقدمها الحق في الحياة، وحصد النزاع المسلح أرواح اليمنيين بشتى الوسائل.

وأشار الأحمدي إلى بروز ظاهرة التوظيف السياسي لعمليات القتل العشوائي في سياق قمع الخصوم السياسيين ومحاولة تطبيع الوضع الانقلابي القائم.

كما تفشت ظاهرة التعذيب بوتيرة ممنهجة في السجون الواقعة تحت سيطرة قوات الحوثيين وفي سجون القوات الإماراتية في عدد من مدن جنوب اليمن.

وأضاف الأحمدي أنه "على مدى ست سنوات من الانقلاب في اليمن، نسفت ممارسات الحوثيين وحلفائهم كسلطة أمر واقع كل مضامين التشريع الوطني والمواثيق والاتفاقيات الدولية".

واعتبر ان السجل القاتم لحقوق الإنسان في السعودية والإمارات ألقى بظلاله على المسألة اليمنية، وبدت حرب السعودية والإمارات كأنها امتداد لسلوك البلدين المستهتر بحقوق الإنسان.

من بين ذلك، حسبما يقول الأحمدي استهتار البلدين بأرواح المدنيين واستهداف تجمعاتهم، خاصة صالات العزاء والأفراح وتجمعات الأطفال، ناهيك عن شبكات السجون السرية وفظائع التعذيب التي كشف عنها النقاب في عدة تقارير حقوقية دولية.

وخلص الأحمدي إلى أن اليمن أضحى ساحة مفتوحة لانتهاكات حقوق الإنسان للعديد من الأطراف المحلية والإقليمية، في الوقت الذي يبدو مناخ الإفلات من العقاب سائدا.

وضع المرأة اليمنية في ظل الحرب، يعد أسو مرحلة مرت بها منذ أكثر من خمسين سنة، كما تقول نادية عبد الله الاخرم، وكيلة وزارة الشباب والرياضة لقطاع المرأة.

وتوضح نادية عبد الله بأن المرأة اليمنية تتعرض لانتهاكات لا حصر لها من قبل مليشيات الحوثي وتعرضت لكافة أنواع الانتهاكات.

وتشير إلى ان منظمة واحدة فقط سجلت أكثر من ٤٠٠٠ ألف حالة انتهاك خلال ست سنوات من الانقلاب وشملت اختطافات واغتصاب وتعذيب.

عدا غير ما تتعرض له المرأة من آثار الحرب كنزوح وتشرد ومعاناة في حياتها سواءً بالجانب الاقتصادي أو الصحي والتعليمي.


في مجال الحريات الإعلامية المنتهكة، يقول الصحفي شاكر أحمد خالد إن مليشيا الحوثي شنت حرب شعواء على الصحافيين اليمنيين، وشملت اغتيالات وخطف وتعذيب وملاحقة الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.

واوضح في ورقته المعنونة "محنة الإعلام اليمني في زمن الانقلاب والمليشيات" أن هذه الممارسات، والانتهاكات بمثابة حرب مفتوحة أعلن عنها زعيم مليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي على الإعلاميين.

قال عبد الملك الحوثي في خطاب بثته قناة (المسيرة) التابعة للحوثيين في سبتمبر 2015، إن المخالفين لتوجهه من "فئة الصحفيين والمثقفين أكثر خطرا على هذا البلد ممن يقاتلون في الجبهات". 

ولم يتوقف الأمر في الانتهاكات عند الحوثيين، ففي المناطق الواقعة تحت نفوذ الإمارات والسعودية وعبر أدواتهما المحلية شهدت هي الأخرى تضييقا على الحريات الصحافية والإعلامية.

ويرى شاكر أن المحنة التي تمر بها الحريات الصحافية في اليمن والعاملون في هذه المجال ومؤسساته لا سابق لها وهي ثمن سقوط الدولة في قبضة المليشيات.

ويشير إلى أن هناك انتهاكات خارج اهتمامات الراصدين ولم يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف من تبعات الإبلاغ. 

كما قدم الصحفي، يوسف عجلان، وهو أحد الصحافيين المفرج عنهم من سجون الحوثيين، صورة حية خلال الندوة عن أساليب التعذيب التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق الصحفيين.

وقضى عجلان في سجون الحوثي، لمدة عام وشهرين، ولم تكن حادثة اختطافه الأولى، فقد سبق ذلك مرتين لكنها استمرت لساعات فقط.

وأكد عجلان أن الصحفي عدو الحوثي بشكل رئيسي، فهو من ينقل المعلومة ويفضح ما تقوم به من جرائم، لذلك فإن الصحافة في مناطق الحوثي معدومة وغير متوفرة إلا لمن هم يتبعون للمليشيا.

ورغم نزوحه إلى تركيا للهروب من بطش الحوثيين، يقول ان التهديدات تصله عبر عائلته بين الحين والآخر لمطالبته بالتوقف عن الحديث ضدهم.

وتعد الندوة المغلقة التي عقدها نادي الاعلاميين اليمنيين في تركيا هي الأولى له لتعريف الصحفيين الأتراك بجذور الأزمة اليمنية ومن تسبب بجرائم الحرب المدمرة.

وأنشئ النادي بترخيص من الحكومة التركية، ككيان إعلامي يعبر عن الهوية اليمنية ويهدف إلى تعزيز أوجه الشراكة بين اليمن وتركيا على أساس المصالح المشتركة، وبناء جسور تواصل بين الصحفيين اليمنيين الموجودين في تركيا للدفاع عن اليمن ضد مخاطر الطائفية و الوصاية والاستبداد، و السعي لدى الجهات التركية للحصول على الامتيازات الخاصة بالصحافيين أسوة بزملاء المهنة في البلد.