الحوثيون ينسفون استقلالية القضاء لتعزيز سلطاتهم

تسعى جماعة الحوثيين إلى تعزيز سيطرتها على مؤسسات الدولة اليمنية وسلطاتها، من خلال دأبها للسيطرة على السلطة القضائية لتكون تابعة للسلطة التنفيذية، ونسف مبدأ الفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء. فقد أقر الحوثيون تعديلات على قانون السلطة القضائية، من شأنها أن تجعل هذه السلطة تابعة للسلطة التنفيذية، إذ تمنح صلاحيات لرئيس الجمهورية، بتعيين أعضاء في وظائف ودرجات السلطة القضائية من خارج أعضاء السلطة القضائية، في مصادرة صريحة لصلاحيات مجلس القضاء الأعلى. وكانت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" في نسختها التي يديرها الحوثيون قد ذكرت، الاثنين الماضي، أن مجلس الوزراء (التابع للحوثيين) أقر مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 1 لسنة 1991 بشأن السلطة القضائية وتعديلاته، المقدم من وزير العدل وحقوق الإنسان القاضي مجاهد عبد الله، ورئيس المكتب القانوني للدولة إسماعيل المحاقري. وأضافت أن المجلس وجّه بإحالة المشروع إلى مجلس النواب للمناقشة والإقرار واستكمال الإجراءات الدستورية لإصداره.

يشار إلى أن قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991 ينص على أن القضاء سلطة مستقلة في أداء مهامه، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. ولا يجوز، بحسب هذا القانون، لأي جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم. وتم عرض مشروع القانون المقدم من الحكومة التابعة للحوثيين، يوم الثلاثاء الماضي، على مجلس النواب مع مذكرته الإيضاحية التي تضمنت مكونات مشروع القانون ومبررات التعديل موزعة على عدد من المواد. وبحسب وكالة سبأ، فقد أقر المجلس إحالة مشروع القانون مع مذكرته التفسيرية إلى لجنة خاصة لدراسته، ليتسنّى مناقشته والبت فيه وفقاً للإجراءات الدستورية القانونية. ومن المتوقع أن يصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، خلال الأيام القليلة المقبلة، قراراً يتضمن هذه التعديلات بعد إقرارها من مجلس النواب التابع للحوثيين في صنعاء.


الحوثيون يصادرون صلاحيات مجلس القضاء الأعلى

وبحسب المشروع الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، تنص المادة 57 مكرر على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية للاعتبارات التي تدعو إليها المصلحة العامة، أن يعين بقرار يصدر منه أعضاء في وظائف ودرجات السلطة القضائية من خارج أعضاء السلطة القضائية خلال فترة ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا القانون، يختارون من بين أساتذة كليات الشريعة والقانون بالجامعات اليمنية أو من علماء الشريعة الإسلامية الحاصلين على إجازات علمية في الفقه، المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والإصلاح بين الناس، محمودي السيرة والسلوك". وتنص المادة 122 الفقرة "ب" على أنه "مع عدم الإخلال بحق المحامي في الدفاع عن نفسه، على قضاة المحاكم وضع المحامين الذين يثبت تضليلهم للعدالة أو عرقلة إجراءات التقاضي بدفوع كيدية، ضمن قائمة الممنوعين من الترافع أمامها لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ويعمم ذلك على بقية المحاكم".

هذه التعديلات من شأنها مصادرة صلاحيات مجلس القضاء الأعلى، وضرب استقلالية القضاء، والتحريض على المحامين وسحب حصانتهم القانونية، كما تُعد تعدياً على حقوق ومهنة المحاماة، بما فيها منع المحامي من الترافع أمام المحاكم. وقالت نقابة المحامين اليمنيين، في بيان الأربعاء الماضي، إن "إصدار المشروع الكارثي يمثل انتكاسة تشريعية، ويعكس رغبة جادة في تمزيق اللحمة الوطنية، وتعميق مفاهيم الانفصال التشريعي على أرض الواقع، ويعمل على شق الصف الوطني، ويمثل مساساً بالوحدة التشريعية للبلاد". وأضافت أن "التعديلات المقدمة تعكس رغبات فردية لإخضاع السلطة القضائية وتحويلها من سلطة مستقلة إلى هيئة تابعة للسلطة التنفيذية". واعتبرت أن "مشروع التعديلات يشكل انتهاكاً صارخاً لمبدأي الفصل بين السلطات، واستقلال السلطة القضائية المنصوص عليه في دستور الجمهورية اليمنية، وكافة الدساتير للدول المتحضرة"، مؤكدة رفضها مشروع التعديلات "والذي حمل في طياته استهدافاً مباشراً بغية النيل من مهنة المحاماة".

من جهته، وصف نادي قضاة اليمن، المشروع بأنه مذبحة وانقلاب قضائي من قبل مجلس الوزراء، من دون أن يكون لمجلس الوزراء أي اختصاص في ما يتعلق بالسلطة القضائية. وقال النادي في بيان، الأربعاء الماضي، إن "الانقلاب القضائي طاول كافة المهن القانونية والقضائية وعصف بقيم التماسك والتشارك والعدالة، وهو يستعيد نظام القاضي الرقعة الذي كان في النظام الإمامي". أما منتدى قاضيات اليمن فقال في بيان، إن إعداد مشروع التعديلات "يتضمن انتهاكات جسيمة للدستور، تمثلت في إعادة هيمنة السلطة التنفيذية ووضع يدها على السلطة القضائية من خلال منحها في التعديل صلاحيات تعيين قيادة السلطة القضائية وقضاتها بصورة مباشرة وبدون معايير، وكذا إباحة تعيين كوادر قضائية من خارج أعضاء السلطة القضائية لا صلة لهم بالقانون، ويكتفي بمسمى الإجازة العلمية بالفقه، في سابقة لم يحصل لها مثيل في العالم المعاصر".


استهداف ممنهج

وعن ذلك، قال القاضي اليمني فارس عبده الصبري، لـ"العربي الجديد"، إن التعديل الذي أجراه الحوثيون و"سلطة صنعاء على بعض نصوص قانون السلطة القضائية سبقه استهداف ممنهج من القائمين على بعض القنوات التابعة للحوثيين لجناحي العدالة (القضاة والمحامين) وجعلوا منهما سبباً لإطالة الفصل في الخصومات، ملوحين باستبدال ذلك بقضاة من أهل العلم الشرعي". وأضاف أن "تلك الحملات كان القصد منها خلق نوع من السخط الشعبي ضد القضاة والمحامين، يكون وقتها قد هيأوا المناخ لإنزال تلك التعديلات وتقبّلها بارتياح وترحيب كبيرين". غير أنه، وفق الصبري، جاء "على العكس من ذلك، وهذا واضح من ردود الأفعال على هذه التعديلات". ولفت إلى أن "القائمين على هذه التعديلات ليست لهم معرفة بأحكام القوانين الإجرائية بالذات"، موضحاً أنه "لزحزحة الحرج الذي سيواجهه قضاة معينون لا يحملون أي تخصص قانوني وشرعي وتأهيل تكويني من المعهد العالي للقضاء، لجأوا إلى إذلال المحامين، فجاءت فكرة ذلك النص الذي يحرم المحامي من الترافع مدة ثلاث سنوات أمام المحكمة التي قدم فيها دفعاً اعتبره قاضي تلك المحكمة أنه دفع كيدي".


من جهته، قال المحامي اليمني مختار الوافي، لـ"العربي الجديد"، إن التعديلات التي أجراها الحوثيون على قانون السلطة القضائية "غير دستورية وغير مشروعة لعدة أسباب، منها مخالفة الدستور الذي كفل حق الدفاع، وجعل من مقومات ذلك توكيل محام، وصدر قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 31 لسنة 1991 الذي بيَّن حقوق وواجبات المحامي وطرق محاسبته". بالإضافة إلى أن المشروع "مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية التي هي مصدر التشريعات التي نظمت أحكام التوكيل في الخصومة، وبينت مسؤولية الوكيل المحامي". وأشار الوافي إلى أن "الأهداف الحوثية من إصدار هذه التعديلات كثيرة، أهمها التهديد والتخويف للمحامي من إثارة أي دفوع قانونية، لأنها ستعجز وتبيّن عدم فهم من سيقوم بتعيينهم من القضاة دون مؤهلات".  كما أن هذه التشريعات، وفق الوافي، والتي "تمس جوهر عمل المحامي، هي إفساح المجال لأولئك القضاة الذين سيعينهم من دون مؤهلات، كما جاء في ذلك المشروع المعيب".


العربي الجديد