إلى أين تمضي الرياض بخريطة السلام في اليمن؟ قراءة في الممكن والمستحيل
يتداول مراقبون يمنيون قراءات عديدة للترتيبات التي تمضي بها الرياض حاليًا بشأن التهدئة في اليمن أو بمعنى أدق ما تسميه خريطة السلام أو الطريق، والتي تتضمن، في المستهل، توقيع اتفاق مبادئ؛ وفي هذا الصدد ما زالت المشاورات مستمرة، ولم يعلن الطرفان موافقتهما النهائية عليها. وفي ذات الوقت لم يصدر عن الجانبين ما يوضح ماهية ما يجري باستثناء ما صدر عن وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان عن خريطة طريق، وما سبقه من حديث لجماعة الحوثيين عن ترتيبات تتعلق بالملفين الإنساني والاقتصادي، ما دون هذا لم يصدر به حديث رسمي حتى اللحظة.
من نافل القول إن خريطة الطريق هذه كان مخطط أن يوقع عليها الطرفان، بما فيه اتفاق المبادئ واتفاق هدنة، في مكة المكرمة خلال رمضان الماضي؛ إلا أن ما شهدته الجولة الرسمية الأولى من المفاوضات بين الحوثيين والرياض بصنعاء خلال 8-13 نيسان/ابريل حال دون الوصول إلى النتيجة المتوخاة.
منذ تلك الجولة ظل مسار المفاوضات بين الحوثيين والرياض بتيسير عماني في مد وجزر، حتى تم التهيئة لعقد جولة ثانية في الرياض خلال أيلول/سبتمبر الماضي؛ وهي الجولة التي حققتْ تقدمًا اقتربت معها المفاوضات من الاتفاق على مجمل نقاط الخلاف (الملفان الإنساني والاقتصادي) إلا أن توترا أعاق المضي في ذات المسار جراء ما تعرض له جنود بحرينيون في أحد المواقع على الحدود الجنوبية للمملكة جراء استهدافهم بطائرة مسيرة قالت الرياض إنها من قبل الحوثيين، ومن ثم حدوث مناوشات في الحدود قضى فيها خمسة جنود سعوديين وفق مصادر إعلامية، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي زاد من تجميد الملف اليمني حتى أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إذ بدأت الرياض تحركاتها لاستئناف المشاورات بغية الوصول إلى اتفاق، تمهيدًا للمضي في عملية سياسية دون أي حديث يصدر عنها، على هامش هذه التحركات، عما ناقشته مع جماعة «انصار الله» وتصرّ عليه الجماعة؛ وذات العلاقة بالترتيبات الإنسانية والاقتصادية وهي المشاورات التي تكثفت منذ الأسبوع الفائت في الرياض.
على العموم؛ كل ذلك ما زال في طور ما يمكن قراءته كتسريبات؛ حيث لم نلمس على الأرض، حتى الآن، أي خطوة حقيقية تشي بقرب التوقيع على اتفاق وشيك، لاسيما عندما نعود إلى تصريحات الحوثيين، وتأكيدهم المتكرر على ضرورة الاتفاق على ما تسمى باشتراطات بناء الثقة، كمقدمة للمضي في مناقشة اتفاق الهدنة؛ وتشمل تلك الاشتراطات، فيما تتضمنه من ترتيبات إنسانية واقتصادية، خروج القوات الأجنبية وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى إصرار الجماعة على التعامل مع الرياض كطرف وليس وسيطًا، علاوة على ما تمثله القضية الجنوبية من نقطة خلاف لدى الطرفين، وهنا نعود للسؤال نفسه: فهل بتنا قريبين من اتفاق سلام حقيقي وشيك في اليمن؟
بناء الثقة
يؤكد نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، لـ«القدس العربي» أن «بناء الثقة قضية أساسية، ولكنها تخص كل الأطراف بدون استثناء؛ فكل طرف في المستويات الثلاثة في الحرب: الأهلية، والإقليمية، والدولية- مطالب ببناء الثقة، وتعزيزها، كما أن للجوانب الإنسانية الأولوية، إضافةً إلى الالتزام الدقيق والصارم بالتهدئة، وفك الحصار الداخلي والخارجي، وتبادل الأسرى على قاعدة (الكل مقابل الكل) وإطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسريًا، ووقف الحملات الإعلامية، والابتعاد عن نهج التكفير والتخوين، والاتهامات الجزاف».
كما أشار إلى أهمية «الاعتراف بالقضية الجنوبية؛ فحرب 1994 هي أساس في الصراع الدائر حتى اليوم، ثم التعامل مع اليمن ككيان ووطن ذو سيادة واستقلال ومتحد أمر أساسي ومهم أيضًا في التعاطي مع القضية وفي التفاوض، كما أن قضية المرتبات، وتوحيد البنك المركزي والعملة أساس، وواضح أن كل طرف من الأطراف الثلاثة يتحمل مسؤوليته في المعالجة والحل». وفيما يتعلق بما تطرحه الرياض على صعيد الموافقة على خريطة السلام أو خريطة الطريق يضيف طاهر: «التوافق على الخريطة، وترتيب الأولويات مهم، ثم أيضًا إشراك الأحزاب السياسية المدنية، ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، والشخصيات العامة قضية في غاية الأهمية؛ فأطراف الحرب – كل أطراف الحرب – هم كل المشكلة، ولا يمكن أن يكونوا كل الحل؛ فالمجتمع المدني والأهلي ضحية الحرب، وهو المعني بالأساس بالحلول السياسية، وصيغة بناء مستقبله، وتقرير مصير وطنه، والأهم قبل كل شيء، وبعد كل شيء، قبول اليمني باليمني، وإدراك استحالة أن يحكم اليمن طرف واحدـ أو حزب، أو طائفة، أو منطقة، أو قبيلة، أو حتى عدة قبائل، ومن باب أولى أسرة؛ فاليمنيون- كل اليمنيين- شركاء في بناء وطنهم، وتقرير مصيرهم بدون فرض أو وصاية».
التصالح الوطني
ولا ينسى عبدالباري طاهر فلسطين وغزة، معتبرًا أن أعظم دعم ومساندة لفلسطين في هذه المرحلة هو التوحد العربي بما فيه التصالح الوطني في اليمن، وقال «إن أعظم دعم ومساندة لغزة ولفلسطين ولكفاحها المجيد هو وقف الحرب في اليمن، والتصالح المجتمعي والوطني في اليمن وعربيًا؛ فحرص العربي على سلام وأمن واستقرار الأمة هو الأساس».
وأضاف: «لليمن دائمًا موقف قومي إيجابي إزاء القضايا القومية، وإزاء قضية فلسطين. هذا الموقف اليمني القومي يتعزز ويتقوى بالتصالح مع نفسها وأخوتها اليمنية، وشقيقاتها العربية، والمحيط الإقليمي. ويقينًا، فإن التوحد العربي هو أعظم دعم ومساندة لفلسطين».
وهنا نسأل: ماذا تريد الرياض من استئناف جهود تمرير مشروع خريطة طريق حاليًا بينما مفاوضاتها مع الحوثيين ما زالت مرتبطة بترتيبات تتعلق بالمرتبات والأسرى والطرقات واستئناف تصدير النفط؟
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بمركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم: «يبدو أن الرياض التي حرصت في السابق على إبرام تفاهمات ثنائية مع الحوثيين بعيدًا عن مجلس القيادة الرئاسي والمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، تسعى هذه المرة لإعادة الأمور إلى نصابها، مع الحفاظ على ما تم إحرازه في المشاورات الأحادية مع الحوثيين، عبر إقناعها لحلفائها في الحكومة اليمنية بالقبول باشتراطات الحوثيين، الذين وجدوا في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة لاستعراض القوة، وممارسة المزيد من الضغط على الرياض، التي حاولت في السابق الذهاب منفردة للتفاوض معهم، وكانت تصطدم برفض الإدارة الأمريكية لأي اتفاق من جانب واحد، بذريعة رفض تجزئة الملف اليمني ورفض استبعاد الحل السياسي الشامل، لكن يبدو أن المتغيرات الجديدة المتمثلة في الحرب الإسرائيلية على غزة ووصول المسيرات والصواريخ الحوثية إلى شمال البحر الأحمر ومدينة إيلات جنوب إسرائيل، صارت مدعاة لتخلي واشنطن على بعض اشتراطاتها، بما يجعل المقاربة السعودية للحل قابلة للتطبيق، في هذه المرحلة، دون اعتراض الإدارة الأمريكية والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، إلا إن هذه المقاربة ستصطدم دون شك بمصلحة الغالبية العظمى من اليمنيين الذين يأملون في بناء دولة ضامنة للحقوق والحريات وقائمة على المشاركة السياسية، كما ستصطدم هذه المساعي السعودية برفض المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرفض تقاسم الثروات السيادية (النفطية) مع الحوثيين، واستعدادًا لمواجهة هذا التحدي دعت قيادة الانتقالي الجنوبي القوات التابعة لها، قبل أيام، للجاهزية لأي تطور محتمل».
ويرى غانم أن «هذه المقاربة السعودية أو ما يطلق عليها خريطة الطريق، ليست سوى عملية تخدير موضعي، لا تحمل حلولا تذكر لأسباب الأزمة اليمنية». منوها بمرجعيات الحل التي تؤكد عليها الحكومة ممثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 وقال: ما أطلق عليه وزير الدفاع السعودي خريطة طريق، ليست سوى شرعنة لسيطرة الأمر الواقع، وهي أبعد ما تكون عن الحل الذي يضمن ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام المستدام، وأبعد ما تكون عن التأسيس للحل السياسي العادل والشامل، الذي يأمله غالبية اليمنيين.
ترتيبات اقتصادية
ويعتقد غانم أن الرياض تحاول من خلال تحريك مسار المفاوضات مع الحوثيين لتفادي أي انزلاق نحو التصعيد العسكري بالتوازي مع الحرب الإسرائيلية على غزة في ظل التحشيد العسكري نحو جبهات القتال، بما في ذلك جبهات الحد الجنوبي للسعودية. وقال: «سعيا منها لخفض التوتر تعمل الرياض على إقناع حلفائها في الحكومة اليمنية بالقبول باشتراطات الحوثيين المتمثلة بالترتيبات الاقتصادية، ومنها: توسيع وجهات الرحلات من وإلى مطار صنعاء، والحد من القيود أمام حركة السفن القادمة إلى موانئ الحديدة، ودفع مرتبات الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الحوثيين، ولتجاوز إشكالية الموارد اللازمة لتحريك ملف المرتبات، من المرجح أن تتكفل الرياض بدفع المبالغ المخصصة لعام كامل، حتى يتسنى للجان المختصة الانتهاء من الترتيبات اللازمة للإنفاق على هذا البند من عادات النفط والغاز بعد استئناف تصديره، على أمل إقناع الحوثيين بالقبول المبدئي بالدخول في مفاوضات يمنية يمنية، بعد تنفيذ ما أطلق عليه إجراءات بناء الثقة، على الرغم من الصعوبات التي تعيق نجاح هذه الجهود، إذ لم يبد الحوثيون أي استعداد، للدخول في شراكة سياسية مع الأطراف اليمنية الأخرى، لكن في كل الأحوال فإن انخراط المجلس الرئاسي في هذه المباحثات واستئناف المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن لدوره كوسيط لحل الأزمة اليمنية من شأنه الحد من الضغوط التي تواجهها الرياض، حتى لا تتحمل السعودية بمفردها مسؤولية الدخول في دورة جديدة من العنف، كما أن من شأن هذه المساعي السعودية أن تُعيد الأزمة اليمنية إلى الواجهة مجددا».
العربي الجديد