رفض الحوثيين و"الانتقالي" رفع علم اليمن… انعكاس لأزمة الهوية الوطنية
اعتقلت جماعة الحوثيين أخيراً ما يقرب من ألف شخص على خلفية احتفالهم بالذكرى الواحدة والستين لثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، التي قضت على الحكم الإمامي، لتعلن انتهاء نظام المملكة المتوكلية اليمنية وقيام الجمهورية العربية اليمنية.
وسُجلت مصادرة مسلحي الجماعة الأعلام الجمهورية والدوس عليها بأقدامهم، متهمين المحتفلين بذكرى ثورة سبتمبر بأنهم مدفوعون من جهات خارجية، حسب ما ذكره مدير قسم شرطة جمال جميل -الملصي حالياً- ونقله عنه المحامي عبد المجيد صبرة.
وكانت جماعة الحوثيين قد غيرت أخيراً اسم هذا القسم، كونه يعود لأحد رموز ثورة 26 سبتمبر، واستبدلته باسم أحد رموزها الذي قتل في السنوات الأخيرة، حسن الملصي.
وفي جنوب البلاد، وعقب سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على معظم المحافظات اليمنية، صار العلم الجمهوري محظوراً في الشوارع والمباني والمؤسسات الحكومية والمدارس، إذ يجرى استبداله بعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهو علم الدولة الشطرية التي اتحدت مع الجمهورية العربية اليمنية وأعلن بموجب اتحادهما قيام الجمهورية اليمنية.
العلم الوطني اليمني رمز لوحدة اليمن
ويتألف العلم الوطني للجمهورية اليمنية من ثلاثة ألوان هي الأحمر والأبيض والأسود، مرتبة من أعلى إلى أسفل. وقد اعتُمد ليكون علم الجمهورية اليمنية التي أعلن عن قيامها في 22 مايو/ أيار 1990، وهو علم يجمع المشترك بين علمي الشطرين الشمالي والجنوبي قبل الوحدة.
وهذا العلم كان علم "الجبهة القومية" في جنوب اليمن، وهي إحدى فصائل المقاومة للاستعمار البريطاني لعدن، التي تمكنت من نشر نفوذها قبل الاستقلال على حساب منافستها "جبهة التحرير"، واستطاعت الانفراد بالسلطة بعد الاستقلال وإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967.
الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية اليمنية
وبرأي دكتور علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز ياسر الصلوي، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن ما يجري هو "تعبير بشكل أو بآخر عن أزمة الهوية الوطنية اليمنية، بمعنى أن الحرب الحاصلة اليوم في اليمن أثرت سلباً على الهوية الوطنية اليمنية".
وأضاف أنه قد "تراجع الشعور والإحساس بالهوية الوطنية اليمنية لصالح الهويات الفرعية المادونية، ولصالح بروز الهويات الطائفية والمناطقية والجهوية والقروية والقبلية، وهذه كلها بسبب حالة الحرب والتشتت والتراجع".
ولفت الصلوي إلى أن الأطراف المتنازعة والمتحاربة اليوم "لا تحارب باسم الوحدة الوطنية اليمنية بقدر ما تحارب باسم مشاريع صغيرة تعبر عن هذه الجماعات والأطراف المتنازعة".
وأضاف أنه "من الطبيعي جداً أن نلاحظ أزمة العلم الجمهوري، وهي انعكاس للوضع القائم حالياً، ورغبة كل طرف من أطراف النزاع بفرض هويته الجزئية على حساب الهوية الوطنية".
وأشار الصلوي إلى أن "العلم الوطني يرمز بطبيعته للهوية الوطنية اليمنية، والأعلام الأخرى ترمز كل منها إلى هوية الطائفة أو الجماعة أو القبيلة أو غيرها، وبالتالي من الطبيعي أن تحاول هذه الجماعات أن تبرز هوياتها على حساب الهوية الوطنية، سواء كان بالشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب".
ولفت إلى أن "هناك قدراً كبيراً من اليمنيين يدركون أن هوية الشعب اليمني هوية واحدة، بالتالي كان هذا الالتفاف حول العلم الوطني باعتباره انعكاساً لهوية وطنية يمنية جامعة"، وهم يرفضون الهويات الفرعية الطائفية والمناطقية التي هي هويات ما دون الهوية الوطنية، بحسب تعبيره.
أما من جهة الحوثيين، فاعتبر الصلوي أن العلم الوطني بالنسبة لهم "يرمز إلى الهوية الوطنية للأمة اليمنية بأجمعها، وهو ما يتناقض مع مشروعهم"، الذي وصفه بالـ"طائفي بدرجة أساسية ويعبر عن جماعة معينة لا تمثل الشعب اليمني، وهي أقلية في ظل الوضع اليمني"، في حين أنهم يريدون فرض مشروعهم على اليمنيين.
كما اعتبر الصلوي أن المجلس الانتقالي الجنوبي أيضاً لديه مشروعه الخاص، "فهو ينادي باستعادة دولة الجنوب، وبالتالي يرى أن ما يجب أن يُرفع هو علم الجنوب قبل الوحدة، لأنه يعبّر عن هوية الدولة في الشطر الجنوبي سابقاً".
وأشار إلى أن هذا المجلس "لا يتمسك بالعلم الوطني، فعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يرفرف في مناطق الانتقالي، وهو يريد أن يقول نحن فقط نريد استعادة دولتنا، وهو مشروع واضح وصريح له أدبياته، وهدفه النهائي هو استعادة دولة الجنوب، وفك الارتباط مع دولة الوحدة".
واعتبر الصلوي أن المجلس الانتقالي الجنوبي "يرى أن علم الجمهورية اليمنية لا يعبر عن قطاع كبير من سكان الجنوب الذين لم يعودوا راغبين بالوحدة اليمنية، ويريدون العودة إلى وضعهم السابق كدولة مستقلة ذات سيادة على أرض الجنوب".
صناعة هوية مزيفة في اليمن
من جهته، قال الدكتور في قسم العلوم السياسية بجامعة تعز جهاد عبد الرحمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مشروع الحوثيين ومشروع "الانتقالي" "فاقدان للهوية، ولذا فهما يريدان صناعة أي هوية مزيفة، ولديهما استراتيجيات افتعال الأزمات وإدارتهما العشوائية لها، والتي ترتكز في جزء منها على تناقض الصراع الأيديولوجي، والتوسع في أهداف المشاريع الخارجية".
وأضاف عبد الرحمن أن الطرفين يحاولان استعادة "تاريخهم غير الموجود، وتاريخهم المزيف"، معتبراً أنهم "ينزعجون من وجود السيادة، سيادة للجمهورية وللثورة وللحرية، فهم يتبعون مشاريع خارجية، ولا يملكون رؤية وطنية".
وقال: "هم يوجدون الصراعات بين المجتمع، ويحاولون تدمير الهوية والنسيج الاجتماعي، ويحاولون تهديد الوحدة الوطنية".
ورأى عبد الرحمن أن ما حدث من التفاف شعبي حول العلم الوطني "دليل على أننا أمام شعب عظيم، لا يقبل بإهانته لأن لديه وعي وطني قوي، ورؤية، ومقاومة طبيعية، فالعلم رمز لسيادته وكرامته ومبادئه والإنجازات العظيمة لثورة 26 سبتمبر، والمكاسب لهذا الشعب التي بالأساس صنعها أجدادهم، وهم اليوم يعملون على الحفاظ عليها".
العربي الجديد