الجزائر.. انطلاق التصويت بأول انتخابات برلمانية بعد الحراك
تنطلق بالجزائر، السبت، سابع انتخابات برلمانية تعددية في تاريخ البلاد، وأول اقتراع نيابي بعد انتفاضة 22 فبراير/شباط 2019، التي أسقطت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وسط انقسام بين مشاركين ومقاطعين، وغموض غير مسبوق حول الأوفر حظا للفوز بها.
تفتح صبيحة اليوم، صناديق الاقتراع في الجزائر أمام أكثر من 24 مليون ناخب بالداخل في انتخابات نيابية مبكرة لاختيار 407 نواب في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) والذي حلّه الرئيس عبد المجيد تبون، مطلع مارس/ آذار الماضي.
وتقدم للسباق في هذه الانتخابات، التي سميت رسميا "فجر التغيير"، أكثر من 22 ألف مرشح، ضمن 1208 قوائم للمستقلين، و1080 قائمة تمثل 28 حزبا.
وتتوزع هذه القوائم عبر 58 ولاية، وتعد الولاية في الجزائر بمثابة دائرة انتخابية واحدة، يتم فيها التنافس على عدد مقاعد يحدده القانون بمقعد واحد عن كل 120 ألف ساكن.
وينظم هذا الاقتراع في ظل جائحة كورونا، حيث تسجل البلاد خلال الأيام الأخيرة ما معدله 300 إصابة يوميا، ووضعت السلطة المستقلة للانتخابات نظاما صحيا صارما للوقاية من تفشي كورونا أثناء الحملة الدعائية ويوم الاقتراع.
وتعد هذه المرة الأولى التي يفوق فيها عدد قوائم المستقلين نظيرتها المحسوبة على الأحزاب السياسية، بتشجيع من السلطات التي قدمت دعما ماليا للشباب لتمويل حملاتهم الدعائية، كما سهلت جمع التوكيلات للمستقلين من ممثلي المنظمات والجمعيات.
القائمة المفتوحة والعتبة
كما تم إقرار نمط انتخابي جديد يعتمد على القائمة المفتوحة التي تسمح للناخب بترتيب المترشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي، وفق ترتيب الحزب دون إمكانية التصرف فيه.
وقالت السلطات إن هذا النمط جاء لضمان اختيار شعبي حقيقي للنواب دون وصاية من الأحزاب، فضلا عن محاربة ظاهرة قديمة تخص استعمال الأموال لشراء المراكز الأولى في القوائم، وكذا شراء ذمم الناخبين خلال الاقتراع.
وجعل هذا النظام الجديد العملية الانتخابية معقدة، بحيث يخضع فرز أصوات الناخبين لمرحلتين؛ الأولى تحديد القوائم الفائزة في كل دائرة انتخابية حسب الأصوات التي حصلت عليها، ثم في مرحلة ثانية تحديد المرشح الفائز بأكبر عدد من الأصوات داخل كل قائمة.
وتسود مؤشرات تأخر إعلان النتائج الرسمية الأولية للسباق هذه المرة، بسبب تعقيدات الفرز وتوزيع المقاعد.
وعادة كانت تعلن النتائج في اليوم الموالي للانتخابات، لكن هذه المرة قد يتأخر الأمر لساعات أخرى أو حتى ليوم آخر بسبب الوضع الجديد.
وتقول السلطة المستقلة للانتخابات إنها أجرت قبل أيام انتخابات افتراضية (محاكاة) لتدريب كوادرها على تقنيات النظام الجديد وكيفية فرز الأصوات وتوزيع المقاعد النيابية.
كما أن هذا النظام الانتخابي جعل التكهن بالقوائم الأكثر حظا في الفوز صعبا، لأن التصويت على الأشخاص قد يكون العامل الأهم في تحديد سلوكيات الناخبين، وسط توقعات لمراقبين بإفراز تركيبة فسيفسائية تغيب فيها الأغلبية لأي طرف.
ويتضمن قانون الانتخاب أيضا ما يسمى عتبة الأصوات، حيث يتم خلال الفرز إقصاء القوائم التي لم تحصل على نسبة 5 بالمئة من الأصوات في كل ولاية من المنافسة على مقاعد هذه الدائرة.
ويتوقع مراقبون أن يسقط عدد كبير من القوائم خاصة من المستقلين في هذا الاختبار، بسبب عدم وجود قاعدة انتخابية مضمونة لهم تساعدهم في تجاوز هذا الحاجز.
غموض حول النتائج
كما شهدت الساحة السياسية في الجزائر هزة سياسية كبيرة، بعد انتفاضة 22 فبراير 2019، والتي أطاحت ببوتفليقة، كما أضعفت كبرى أحزاب الموالاة بعد سجن عدد كبير من قياداتها في قضايا فساد، وحدوث انشقاق في قواعدها.
وظلت هذه الأحزاب مثل جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، مهيمنة على المشهد البرلماني منذ تسعينيات القرن الماضي، وسط اتهامات من المعارضة للسلطات بتضخيم نتائجهما، واعتماد نظام "الكوتة" (الحصص) في توزيع مقاعد البرلمان.
ويعول الإسلاميون، الحاضرون بقوة في هذا السباق، على ما يسمونه "وفاء" السلطات الجديدة بالتزاماتها في ضمان انتخابات نزيهة من أجل تحقيق أغلبية في البرلمان القادم، في ظل هشاشة أحزاب الموالاة، ومقاطعة أهم الأحزاب العلمانية للسباق.
لكن دخول الإسلاميين بقوائم متفرقة بعيدا عن التحالفات يجعل طموحهم صعب التحقيق، حيث شاركت الأحزاب الإسلامية بقوائم خاصة وهي: حركة مجتمع السلم، حركة البناء الوطني، جبهة العدالة والتنمية، وحركة النهضة، بالإضافة إلى حركة الإصلاح الوطني، وجبهة الجزائر الجديدة.
والخميس، تعهّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن الصندوق سيكون الفيصل في هذه الانتخابات.
وقال تبون، عقب زيارة أجراها إلى السلطة المستقلة للانتخابات، بالجزائر العاصمة، إن المواطن سيكون "صاحب القرار السيد في اختيار ممثليه بالبرلمان يوم 12 يونيو (حزيران)".
وأوضح "صندوق الاقتراع سيكون الفاصل في تحديد من سيختاره الشعب لتمثيله في البرلمان”.
حكومة رئيس أم حكومة أحزاب؟
ويُعد أهم رهان لهذه الانتخابات هو شكل الحكومة القادمة، حيث نص تعديل دستوري جرى الاستفتاء عليه في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لأول مرة على أن رئيس الجمهورية ملزم بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية الفائزة سواء كانت حزبا أو تحالفا.
وتنص المادة 103 من الدستور على أن يقود الحكومة، "وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، أو رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية".
ولا يوجد ضمن الأحزاب أو القوائم المتنافسة في هذا السباق من هو محسوب على رئيس الجمهورية، بعد أن جمّد عضويته في حزب جبهة التحرير الوطني، لكن معارضين يقولون إن عددا كبيرا من قوائم المستقلين ستشكل كتلة نيابية موالية له في حال فوزها.
ويجعل هذا الوضع الحكومة القادمة بين سيناريوهين اثنين إما مدعومة من كتل نيابية معارضة، أو من كتلة تضم مستقلين وأحزاب موالية تعلن دعمها لرئيس الجمهورية لتشكيل أغلبية رئاسية.
نسبة المشاركة.. الرهان الأبرز
كما تعد نسبة المشاركة في هذا الاقتراع رهانا كبيرا خاصة في ظل تدابير الوقاية من فيروس كورونا، وكذا تسجيل نسبة مشاركة بلغت 23.7 بالمئة خلال استفتاء تعديل الدستور الذي جرى في 1 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، التي تعد الأدنى في تاريخ البلاد.
كما أن عدة قوى سياسية وناشطون في الحراك الشعبي أعلنوا مقاطعة هذا الموعد الانتخابي بدعوى أنه يمثل محاولة فرض خارطة طريق النظام بعيدا عن التوافق.
فيما صرح الرئيس تبون، أنه يرفض فرض منطق الأقلية على الأغلبية، في إشارة للمقاطعين.
وأعلنت أحزاب "جبهة القوى الاشتراكية"، و"العمال" (يسار)، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (علماني)، وناشطون من الحراك مقاطعة الموعد.