الذكاء الاصطناعي... هل أثّر حقاً على الانتخابات الأميركية؟
في وقت مبكر من هذا العام، حذّر المراقبون والتقنيون من أن الذكاء الاصطناعي سيزرع الفوضى في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، متوقعين نشره معلومات مضللة تعتمد صوراً ومقاطع مفبركة مع حملات إعلانية سياسية مخصصة. هذه المخاوف انتشرت بين العامة، فأكثر من نصف البالغين في الولايات المتحدة قالوا إنهم قلقون للغاية من التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على الانتخابات، وفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو أخيراً. ومع انتهاء الانتخابات، يجد المتابعون أنفسهم منقسمين حول حقيقة هذا التأثير.
مخاوف الخبراء والمواطنين من الذكاء الاصطناعي
حذّر الباحثون شهوراً من إمكانية استخدام التزييف العميق في الانتخابات، وهي تقنية تزييف بالذكاء الاصطناعي تفبرك أفعالاً وأقوالاً. وقدّموا أمثلة على مقاطع مفبركة لكامالا هاريس وجو بايدن، وصورة مزيفة لتوقيف دونالد ترامب، بالإضافة إلى رسالة هاتفية صوتية مفبركة تقلّد بايدن وتمنع الناخبين من التصويت في الانتخابات التمهيدية.
أثناء ذلك، توقّع أكثر من 50% من الأميركيين أن تؤثر المعلومات الكاذبة المفبركة بواسطة الذكاء الاصطناعي على نتيجة انتخابات 2024، وفق استطلاع نشرته، في العام الماضي، مجموعة إكسيوس الإعلامية وشركة مورنينغ كونسالت للمعلومات التجارية. وأفاد نحو ثلث الأميركيين بأن ثقتهم في النتائج ستتراجع بسبب الذكاء الاصطناعي، وفق ذات الاستطلاع. كما انتقدت منظمة فري برس غير الربحية شركات الإنترنت، لأنها لم تقدّم التزامات "جوهرية" لمحاربة الفبركة في الانتخابات.
مخاوف مبالغ فيها؟
مع ذلك، يعترف المطلعون على الشأن التكنولوجي بأن 2024 لم تكن سنة مفصلية في تاريخ استغلال الذكاء الاصطناعي لتخريب أو التأثير على الانتخابات. تنقل مجلة تايم عن مؤسِّسة صندوق هاير غراوند لابس لاستثمارات التكنولوجيا السياسية، بيتسي هوفر، قولها إن "هناك الكثير من الحملات والمنظمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة أو بأخرى. لكن من وجهة نظري، لم يصل الأمر إلى مستوى التأثير الذي توقعه الناس أو خافوا منه".
في المقابل، حذّر باحثون من أن تأثيرات الذكاء الاصطناعي التوليدي على الانتخابات الأميركية 2024 لم تُفهَم بعدُ بشكل كامل، خاصةً بسبب نشرها على منصات المراسلة الخاصة، أو لحجب البيانات عن الباحثين من قبل المنصات نفسها. تقول ميا هوفمان، من مركز جورج تاون للأمن والتكنولوجيا الناشئة للمجلة، إنه من الصعب التأكد من تأثير الذكاء الاصطناعي على الناخبين لأسباب عدة، أحدها أن شركات التكنولوجيا الكبرى قد حدّت من كمية البيانات التي تشاركها حول المنشورات، مما يجعل تتبّع الباحثين لخطاب الكراهية والتضليل عبر تلك المنصات صعباً. ولا يستطيع الباحثون الوصول إلى الأرقام الدقيقة، بينما آثار الفبركة بادية هنا وهناك.
في الولايات المتحدة جاءت الفبركة من الرئيس الفائز نفسه عندما كان مرشحاً، إذ نشر ترامب في أغسطس/آب صوراً من تزييف الذكاء الاصطناعي للمغنية تايلور سويفت وهي تؤيده، بالإضافة إلى كامالا هاريس وهي ترتدي الزي الشيوعي. وفي سبتمبر/أيلول، اتهم مقطع فيديو رُبط بحملة تضليل روسية هاريس بالتورط في حادث صدم وهروب، وشوهد على وسائل التواصل الاجتماعي ملايين المرات.
وظهر تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على الساحة السياسية في مناطق أخرى من العالم. في بلدان في جنوب آسيا، استخدم المرشحون الذكاء الاصطناعي لإغراق الجمهور بمقالات وصور وفيديوهات مزيفة، وفي بريطانيا انتشر مقطع صوتي مفبرك يصوّر عمدة لندن، صادق خان، وهو يدلي بتصريحات مثيرة للجدل قبل مسيرة واسعة للتضامن مع الفلسطينيين.
تأثير أوضح في المستقبل القريب
يؤكد الباحثون أنه، حتى لو بدا تأثير الذكاء الاصطناعي على الانتخابات الأميركية الحالية قليلاً، فمن المرجح أن يتضخم في الانتخابات المقبلة مع تحسّن التكنولوجيا وتزايد استخدامها بين عامة الناس والنشطاء السياسيين. ستؤدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المحسنة إلى مقاطع فيديو ومقاطع صوتية مزيفة أكثر مصداقية، مما سيؤدي على الأرجح إلى انتشار المعلومات المضللة وزيادة عدم الثقة في جميع الرسائل السياسية ومدى صحتها. وتنقل المجلة عن المسؤول في منظمة إنكود جاستس غير الربحية، ساني غاندي، قوله "أنا متأكد من أن نماذج الذكاء الاصطناعي ستتحسن في غضون عام أو عامين آخرين. لذلك أنا قلق للغاية بشأن ما سيبدو عليه الأمر في عام 2026 وبالتأكيد في عام 2028".