أعراس يمنية تتألق على ضفاف النيل
بينما تشتعل هناك الحرب ويستمر الصراع ويعم القلق والخوف وعدم الاستقرار، تنبت هنا الأفراح والطقوس المبهجة ومحاولات التشبث بالحياة والأمل. الأفراح التى تلتزم بالطقوس اليمنية فى مصر أصبحت ظاهرة لافتة مؤخرا بعد توالى مبادرات، تلتها شركات يمنية متخصصة لتجهيز كل مستلزمات أفراح الجالية اليمنية، بذات الأدوات التى اعتادوا عليها فى محافظاتهم وقراهم.
أسباب الظاهرة عديدة، كما يوضح محمد سبأ، باحث دكتوراه وفنان تشكيلى يمنى مقيم بالقاهرة، أولها الأمان والاستقرار الذى يشعر به اليمنيون داخل مصر. فيقول سبأ: «القاهرة باتت مركزا وسطا يستقطب الأسر المغتربة فى دول الخليج وأوروبا وأمريكا، لإقامة أفراحهم ومشاركة ذويهم الفرحة فى بيئة عربية قريبة من نفوسهم. وذلك بخلاف زيادة أعداد النازحين اليمنيين فى مصر نتيجة الحرب، وكذلك الممارسات التى تجرى داخل اليمن من أطراف الصراع، من تفجير مخيمات الأفراح، التى أصبحت أهدافا للقصف العشوائى».
ويضيف سبأ: «بعض شباب اليمن المقيمين فى مصر أقاموا مشاريع لتنظيم حفلات الأعراس، بما يحافظ على العادات والتقاليد وخصوصيات كل محافظة ومنطقة يمنية، بما فيها فصل النساء عن الرجال، جعل حفلات الزواج مصدر ذكريات تظل محفورة فى الوجدان، وهى نوع من مقاومة قبح الحرب وتحدى آثارها الحزينة» .
المبادرات اليمنية تراعى مختلف الأذواق، وقدرات العرسان المادية، فبعضها يقام فى فنادق فخمة، وأخرى تقام فى قاعات بسيطة بأحياء شعبية أو مراكب على ضفاف نهر النيل، وجزء من الطقوس ربما يتم فى مساكن العروسين للاقتصاد فى النفقات.
ويشير إلى أن مبادرات وشركات الأعراس تقدم عدداً من الخدمات، مثل تجهيز قاعات الأفراح والـ«كوشات»، وفقا للطقوس اليمنية، بإقامة مجالس عربية، وإعداد لبث أغانى الأفراح فى اليمن. ولا ينسى القائمون على الفرح إعداد «أوشحة» باسم العريس أو العروس، بالإضافة إلى إعداد أزياء الحناء والزفاف حسب عادات كل منطقة يمنية، مشيرا إلى وجود أقسام لبيع أو إيجار الفضة والعقيق اليمنى، وأخرى خاصة بالتحف والهدايا والعطور والبخور والعبايات وبيع وتأجير الأزياء والملابس التراثية و«الجنبية»، وهو خنجر يتوشحه اليمنى فى وسطه بحزام.
وتطورت تلك المشاريع إلى تنظيم فعاليات لأعياد الميلاد، والمناسبات الوطنية، وحتى طقوس تشييع المتوفى وتجهيزات العزاء، فأعداد كبيرة من اليمنيين يحضرون إلى القاهرة للعلاج، وبعضهم يتوفاهم الله، فيتم دفنهم فى أرض مصر أو الإعداد لنقلهم إلى وطنهم.
ووفقا لعادات اليمنيين، تبدأ طقوس احتفالات الزواج بما يعرف بـ «أسبوع العرس»، الذى يستمر 5 أيام. ويقام يوم عرس خاص بالرجال، بينما تستمر حفلات النساء ثلاث ليالٍ، ولا يرى العريس عروسه إلا عقب انتهاء المراسم. وحسب الطقوس ذاتها، يرتدى العريس ملابس وطنية يمنية، وتكون الاحتفالات عبارة عن زفة شعبية تحييها فرق يمنية فولكلورية. وفى «ليلة الحناء» اليمنية ترتدى العروس الملابس الوطنية التى تعكس المنطقة التى تنتمى إليها، سواء الدرع أو الجلباب المطرز، بينما ترتدى فستان الزفاف فى يوم عرس النساء.
أما العريس، فيرتدى الزى التقليدى، وهو الثوب والإزار وأحزمة من الجلد تغطى منطقة الصدر، ووشاح يميزه عن أقرانه، و«ربطة» على رأسه قد تكون محشوة بالفل والريحان. والأهم، أنه يقبض بيديه سيفاً مذهباً، ليؤدى به فقرات من الرقص الشعبي.
وبحسب العادات اليمنية، يتمسك اليمنيون بمبدأ التكافل، إذ يقوم أصدقاء العريس ومعارف العائلة بتحمل التكاليف معه، على أن يقوم «العريس» بفعل المثل عندما يتزوج أحد أصدقائه.
لكن الباحث محمد سبأ يرصد امتزاج طقوس الفرح اليمنية بنظيرتها المصرية، حيث أدخلت ضمن برامج الحفلات فقرات للفرق الفنية والمطربين المصريين. وكذلك الأمر بالنسبة لتجهيزات «الكوشة»، التى يغلب عليها الذوق المصرى، لافتا إلى أن أحد الشباب المصريين حرص على إقامة مراسم زواجه على الطريقة اليمنية فى القاهرة، ودعا شخصيات مصرية من بينها السفير المصرى الأسبق فى صنعاء أشرف عقل.
يبلغ عدد اليمنيين فى مصر قرابة مليون شخص، يتمركز أغلبهم فى القاهرة والجيزة، ويعمل أغلبهم فى قطاعات المطاعم والسياحة والعطارة. وبحسب إحصاءات سابقة للسفارة اليمنية بالقاهرة، ينتظم خمسة آلاف طالب يمنى فى مراحل التعليم العالى المصرية، منهم ألفان على نفقة الدولة اليمنية.
وفى عام 2014، تم تجنيس ثلاثة آلاف يمنى بالجنسية المصرية، لكون أمهاتهم مصريات. وتضم القاهرة أربع مدارس يمنية، ينتظم فى صفوفها أربعة آلاف طالب وطالبة، بالإضافة إلى أن المدارس المصرية تضم نحو سبعة آلاف طالب يمني.
الأهرام