المؤرخون الإسرائيليون والحروب الصليبية.. قراءة في كتاب

الكتاب: "المؤرخون الإسرائيليون والحروب الصليبية"

المؤلف: د. محمد مؤنس عوض

الناشر: مكتبة الآداب، القاهرة، 2015.


اهتم المؤرخون الإسرائيليون بتأريخ الحروب الصليبية اهتمامًا خاصًا، ودرسوا قضايا تعنيهم في المقام الأول، وتخدم أهداف مشروعهم الصهيوني في فلسطين، وذلك من أجل إيجاد الحلول اللازمة له، خاصة أن نفس المشكلات التي واجهت مملكة بيت المقدس الصليبية ـ في إطارها العام ـ تواجه الآن الكيان الصهيوني. 


في هذا الإطار صدر كتاب "المؤرخون الإسرائيليون والحروب الصليبية"، عن مكتبة الآداب، القاهرة، 2015، لأستاذ تاريخ العصور الوسطي، د. محمد مؤنس عوض.


يقع الكتاب في 96 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف من مقدمة، وثلاثة فصول، والخاتمة.

 

يتناول الكتاب من خلال الجانب البيبلويوغرافي، المؤرخين الإسرائيليين الذين ساهموا بكتاباتهم في تأريخ الحروب الصليبية على مدى القرنين الـ12 والـ13م. "واقع الأمر، يعنى المؤلف بثلاثة مؤرخين بارزين هم: يوشع براور (Joshua Prawer) أستاذ تاريخ العصور الوسطى بالجامعة العبرية بالقدس، وبنيامين كيدار (Benjamin Kedar) أستاذ تاريخ العصور الوسطى بالجامعة المذكورة، وأرييه جرابوا (Aryeh Grabois) أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة حيفا بفلسطين المحتلة" (ص 7).


الفصل الأول: يوشع براور (Joshua Prawer)


يعرف المؤلف في الفصل الأول؛ المؤرخ الإسرائيلي البارز يوشع براور (Joshua Prawer)، وإصدارته في مجال الحروب الصليبية. 


يستنتج المؤلف من خلال مؤلفات يوشع براور ما يلي: "اهتم المؤرخ الإسرائيلي اهتمامًا بارزًا بمدينة بيت المقدس خلال عصر الحروب الصليبية، وسعى ـ عن عمد ـ لإبراز الوجود اليهودي فيها تأصيلاً لآمال اليهود في العصر الحديث (ص 25). "حرص يوشع براور على تقديم تجربة الصليبيين في الاستعمار للصهاينة الذين أقاموا مستعمراتهم في نفس مواقع المستعمرات الصليبية (...) "ودرس معركة حطين "من أجل تجنب الأخطاء التي وقع فيها الصليبيون في العصور الوسطى وعدم تكرارها" (ص 26). 


"حرص ذلك المؤرخ على دراسة الحدود الجنوبية لمملكة بيت المقدس الصليبية خاصة عسقلان، وكذلك شبة جزيرة سيناء والبحر الأحمر، وهي مناطق كانت تؤرق الكيان الصليبي (...) وبالتالي قدم خبرته لصناع القرار في (إسرائيل) من خلال تجربة الحروب الصليبية" (ص 27). 


"وجه يوشع براور اهتمامه صوب الجانب الأثري لدى الصليبيين" (ص 28). "اتجه ذلك المؤرخ الإسرائيلي إلى تناول دور اليهود في عصر الحروب الصليبية والتركيز على وجودهم ومعاناتهم في ذلك العصر" (ص 30). وبحسب المؤلف، ومن خلال كتابات المؤرخ الإسرائيلي، "يتضح لنا إيمانه بالحركة الصهيونية" (ص 34). 


الفصل الثاني: بنيامين كيدار (Benjamin Kedar)


يتناول المؤلف في الفصل الثاني، المؤرخ الإسرائيلي البارز بنيامين كيدار (Benjamin Kedar)، ويعرفنا به، وبمؤلفاته، وأهميتها بين إسهامات المؤرخين الإسرائيليين في مجال تاريخ الحروب الصليبية.


يستنتج المؤلف من خلال مؤلفات بنيامن كيدار ما يأتي:


"اتجه كيدار إلى دراسة القلاع والنقوش في عصر الحروب الصليبية" (ص 56). "اهتم كيدار بالمسح الجوي من خلال الأقمار الصناعية من أجل تعميق دراساته عن عصر الحروب الصليبية؛ إدراكاً منه لثبات عنصر الجغرافيا" (ص 57). 

 

قدموا تجربة الحروب الصليبية لصانع القرار في الكيان الصهيوني من أجل السعي لإطالة عمر الوجود الصهيوني في فلسطين بدراسة أخطاء الصليبيين ومحاولة تجنبها قدر المستطاع.

 

"شارك كيدار غيره من المؤرخين الإسرائيليين في الاهتمام بتجربة الحروب الصليبية، وتقديم حصاد تلك المرحلة إلى صناع القرار السياسي في إسرائيل من أجل تجنب أخطاء الصليبيين في العصور الوسطى في نفس مسرح الأحداث" (ص 58). 


"حرص [كيدار] على إبراز وتضخيم دور اليهود في عصر الحروب الصليبية" (ص 59). "اهتم [كيدار] بمعركة حطين (...) ولذلك حرص على تخصيص أحد أبحاثه لدراستها، كما أنه اتجه إلى الإشراف على عقد مؤتمر دولي في (إسرائيل) شارك فيه عدد من المؤرخين الأوروبيين وكذلك الإسرائيليين من أجل دراسة تلك المعركة، وكذلك تاريخ الحروب الصليبية في بلاد الشام" (ص 60). 


"وجه كيدار اهتمامه إلى الدراسات السكانية، نظراً لأهميتها الخاصة في حسم الصراع بين الصليبيين والمسلمين (...) ويلاحظ أن تلك الناحية ذاتها تؤرق الإسرائيليين" (ص 61). 


الفصل الثالث: أرييه جرابوا (Aryeh Grabois)


يتناول المؤلف في الفصل الثالث، تعريفاً بالمؤرخ الإسرائيلي أرييه جرابوا (Aryeh Grabois)، وأهم مؤلفاته في مجال الحروب الصليبية، ويلقي الضوء على دلالة تلك المؤلفات، وأهميتها بين إسهامات المؤرخين الإسرائيليين. 


يستنتج المؤلف من خلال مؤلفات أرييه جرابوا ما يأتي:


"اهتم أرييه جرابوا بتاريخ اليهود في أوروبا العصور الوسطي، وكذلك الشرق اللاتيني (...) اتجه ذلك المؤرخ الإسرائيلي إلى الاهتمام بالرحلة والرحالة الأوروبيين في مملكة بيت المقدس الصليبية، وبالتالي عالج في عدد من بحوثه مؤلفاتهم باعتبارها مصدراً من مصادر تاريخ الوجود الصليبي في الشرق (...) حرص ذلك المؤرخ على دراسة الجانب الدفاعي والعمارة الحربية الصليبية خاصة في القسم الشمالي من مملكة بيت المقدس اللاتينية" (ص 88). 


"حرص أرييه جرابوا على دراسة أوضاع اليهود في أوروبا خلال الحملة الصليبية الأولى؛ من أجل إظهار المذابح الدموية التي تعرضوا لها ولكشف معاناتهم (...) إتجه أرييه إلى استعمال تعبير (إسرائيل) خلال تناوله لأحداث الحروب الصليبية في بلاد الشام، وهو أمر يدل على التوظيف السياسي للمصطلحات الحديثة، ومحاولة تأصييلها تاريخياً" (ص 91). 


ختامًا، تؤكد مؤلفات المؤرخين الإسرائيليين في مجال الحروب الصليبية؛ أنهم يمثلون اتجاهاً فكريًا قائمًا بذاته، حيث اهتموا بقضايا الاستيطان والأمن والعلاقات اليهودية-المسيحية، وبذلك وظفوا التاريخ لخدمة السياسة الصهيونية، وقدموا تجربة الحروب الصليبية لصانع القرار في الكيان الصهيوني من أجل السعي لإطالة عمر الوجود الصهيوني في فلسطين بدراسة أخطاء الصليبيين ومحاولة تجنبها قدر المستطاع.