نافذة أمل موسيقية للسلام في يمن تنهشه الحرب
وطني بوست ـ دويتشة فيلة
قد تكون الموسيقى بين آخر ما يذكر عند الحديث عن اليمن، في ظل ظروف الحرب وقيود العادات والتقاليد الاجتماعية، لكن ذلك بالضبط، هو التحدي الذي تخوض غماره دريم (22 عاماً)، ومجموعة من عشاق صنع البهجة بالعزف على الآلات الموسيقية، ممن تحدَّوا النظرة التقليدية وظروف الحرب والتحقوا بأحد معهدين هما الوحيدان في البلاد لتعلم الموسيقى، الأول في صنعاء والآخر في عدن.
بدأت رحلة دريم مع الموسيقى، في مرحلة الطفولة، حيث كان البيانو يجذب انتباهها ودفعها إلى سماع “العديد من المقطوعات الجميلة جداً، وبدأت بالبحث عن مقطوعات موسيقية يكون البيانو هو الآلة الرئيسية لعزفها”، إلى أن “كبرت وبدأت أميل لآلة الكمان التي سلبت لبي”، وفقاً لما ترويه لدويتشه عربية.
وبينما كانت دريم، تدرك العقبات الاجتماعية في طريق تحويل شغفها بالموسيقى إلى واقع، كانت المرحلة التالية والتي حملت مفاجأة سارة بالنسبة إليها، موافقة والدها على شراء “آلة الكمان”، لكنه اشترط، حصولها على معدل مرتفع في الثانوية العامة، مقابل ذلك، وهو ما حصل بالفعل.
وتضيف “اشترى لي أبي الآلة رغم الكثير من العقبات التي تواجه العازف في اليمن، فمعظم الأوقات قد يعتبر العازف منبوذاً، ولكنه دعمني بكل حب واعتبره الداعم الروحي حتى الآن، وبعد موته ما زال صداها يردد دعمه لي”.
وبالإضافة إلى العقبات الاجتماعية، جاءت الحرب وقبلها سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، على صنعاء، لتخلق ظروفاً قاسية، نالت من أغلب مجالات الحياة، بما فيها الفنون، والتي إن نجا جزء منها من نار الحرب والانهيار الاقتصادي، فإنها ستظل في مواجهة متجددة مع قيود الجماعات المتشددة المسيطرة، هنا أو هناك.
ومع ذلك، فإن دريم وفي سبيل تحقيق رغبتها في احتراف العزف، التحقت بالمعهد الموسيقي التابع للمركز الثقافي اليمني، وهو المدرسة الوحيدة لتعلم الموسيقى في صنعاء، ويتواجد فيه مدرس وحيد، يقدم دروسه المجانية، دون أن يتقاضى حتى راتبه الشهري المقرر من الحكومة، حاله كحال مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين، لم يتقاضوا مرتباتهم منذ سنوات.
تتابع دريم “بدأت بتعلم العزف في المركز الثقافي بقيادة المايسترو عبدالله الدبعي، الذي لم يأخذ أي مقابل مادي ودعمنا كثيراً بروحه المعطاءة، واجتهدت فيها رغم كوني طالبة جامعية، وواجهت الكثير من العقبات في مجتمعنا إلا أنني لم أستسلم للضغوط، كان لي من البداية حلم أن أكون من أوائل العازفين وها أنا قد قطعت نصف الطريق لتحقيق حلمي وسأستمر إلى أن أجعل حلمي وحلم أبي حقيقة”.
شغف وتصميم على مواجهة التحديات
على ذات الصعيد، فإن العازفة رانيا الشوكاني تقول لدويتشه إنها تعتقد بأن الموسيقى في داخلها حتى قبل أن تولد، وبعد أن رافقتها منذ الطفولة وحتى كبرت، وحصلت على تشجيع عائلتها وأبيها المتوفي على وجه التحديد، اتجهت لدراستها في المعهد نفسه.
وتضيف “ما زلت أتذكر أول يوم وطأت قدمي المكان، احتضنتني نوتات الموسيقى مرحبة وكأننا وجدنا بعضنا بعد عناء، لطالما أحسست بأني تائهة ووجدت نفسي هناك، وروح أبي التي تسكن الألحان”.
وكغيرها من اليمنيات الطامحات في مجال العزف، تقول الشوكاني “واجهتني بعض الصعوبات في كوني عازفة كمان، فمجتمعنا لا يتقبل الموسيقى كثيراً وكوني عازفة ترتدي النقاب فعائقي أكبر، تعرضت لبعض المضايقات من المارة عندما رأوني حاملة لحقيبة الكمان”.
بالإضافة إلى ذلك “هناك عوائق خاصة” بالدعم؛ فالمركز الثقافي الذي يتعلم فيه اليمنيون واليمنيات العزف “يعاني من نقص شديد من الآلات الموسيقية وإن وُجد الدعم، فالآلات التي تصلنا من النوع الرديء، ولا تساعد الطالب بالتقدم، وحالياً أنا لا أملك كماناً خاصاً بي وأعزف بكمان خاص بالمايسترو”، تقول الشوكاني.
وتضيف “رغم أننا في بلد تنهشه براثن الحرب، وفي أوقات نتعرض فيها لعصابات مسلحة ضد الموسيقى، إلا أننا استطعنا أن نكون نافذة أمل للسلام وجاهدنا للوصول إلى ما وصلنا إليه الآن، وأنوي الاستمرار و تعليم طفلي أيضاً وقد بدأ دروسه على آلة الجيتار منذ شهور”.
شهد هي الأخرى، شابة يمنية نزحت من مدينة تعز التي تعد واحدة من أكثر المدن المتضررة من الحرب، إلى صنعاء، وتقول لدويتشه فيله عربية، إنها لجأت لتعلم الموسيقى للهروب من الواقع الذي تعيشه البلاد، بدأت الحرب وما تزال طفلة وبعد ست سنوات، اختارت مواجهة التحديات وتعلم العزف على الجيتار.
متاعب الموسيقيين في اليمن: يقول المدرس الموسيقي في المركز الثقافي بصنعاء، عبدالله الدبعي: “المدارس الموسيقية شبه معدومة في اليمن والمعاناة اليومية تؤدي إلى انقراض الموسيقيين” ويضيف: “معظم الأيام أواجه تحديات من بعض المعارضين للموسيقى وتهديدات ولكن نتجنبها ونتحمل المتاعب … لدينا عازفون من الدرجة الأولى لكن المتاعب تواجهنا من المتشددين، ولم نجد من يدعمنا بالآلات والمتطلبات الأخرى”.
المعاهد الموسيقية شبه غائبة
يعتبر المدرس الموسيقي في المركز الثقافي بصنعاء، عبدالله الدبعي أن “الموسيقى هي لغة كل كائنٍ يحب الجمال ولغة العالم، وبأنها “رسالة أصالة وتواصل بين شعوب العالم”، كما أنها رسالة للتعريف بحضارات الشعوب.
ويوضح الدبعي أن المدارس الموسيقية في اليمن شبه معدومة، حيث كان هناك معهد بين العامين 1975 و1978، وجرى إغلاقه بسبب “الجماعات الإسلامية”، أما في عدن فقد كان هناك معهد وحيد استمر حتى صيف العام 1994، ولكنه اختفى فيما تلى ذلك لسنوات طويلة، قبل أن تعيد الحكومة المعترف بها دولياً، افتتاحه مؤخراً، وهو معهد جميل غانم للفنون الجميلة.
ويعتقد الدبعي، أن الحكومات السابقة في اليمن، أسهمت في تدهور وضع الموسيقى في البلاد وجعلتها موسمية “فقط في الاحتفالات الوطنية والمناسبات الأخرى المحدودة”، ويضيف “الموسيقيون انقرضوا، بسبب المعاناة اليومية وبسبب أنهم في أدنى السلم الوظيفي للدولة”.
ومنذ سنوات، كان الدبعي، على رأس الجهود التي سعت لإنشاء المعهد التابع للمركز الثقافي الحكومي في صنعاء، ويواصل تدريس الموسيقى كمتطوع بدون مقابل، ويقول لدويتشه فيله عربية “معظم الأيام أواجه تحديات من بعض المعارضين للموسيقى وتهديدات”، ولكن “نتجنبها ونتحمل المتاعب”.
ويشير إلى أنه وبسبب المضايقات، يضطر مع طلابه لترك المعهد والتوجه إلى أماكن أخرى للعزف وتدريب الطلاب. ويضيف “الآن أصبحت الدفعة الاولى والثانية جاهزتين”، ولدينا “عازفون من الدرجة الأولى لكن المتاعب تواجهنا من المتشددين، ولم نجد من يدعمنا بالآلات والمتطلبات الأخرى”.”
التشكيلي اليمني ناصر مرحب: المجتمعات العربية ترى «الفن لهواً… واللوحة إثماً»!
قال الفنان التشكيلي اليمني ناصر مرحب، إن العالم سبق اليمن وكل العرب في مجال الفنون التشكيلية، مشيراً إلى أنه لا يمكن تحميل الفنانين في بلاده أو في الأقطار العربية، مسؤولية ما وصفه بـ «تأخر الفنون التشكيلية» في اليمن بشكل خاص، وفي الوطن العربي بشكل عام.
وأرجع سبب ذلك التأخر إلى المجتمع العربي الذي يرى «الفن لهواً… واللوحة إثماً»، مضيفاً أن النصائح لا تزال تتوالى على الفنانين بأنهم» يرتكبون جرماً وحراماً بما يرسمون».
ولفت مرحب، إلى أنه على امتداد وطنه اليمن «يتسابق الناس لاقتناء مصادر الموت والحرب ولا تجد من يبادر باقتناء لوحة فنية»، واصفاً الفنانين التشكيليين بأنهم يعيشون «حالة من التحدي والمواجهة».
وحول رؤيته للحركة التشكيلية العربية، قال إن «من يمعن النظر في لوحات رواد الحركة التشكيلية العربية، يجد أن هناك تجارب فنية لها بصمتها الفنية الخاصة، وأن هؤلاء الفنانين لو كانوا يعيشون في بلدان الغرب لوجدت مدارس فنية قد ولدت من ألوانهم وخطوطهم».
وأكد أن المجتمعات العربية تعيش في علاقتها بالفن «حالة من التيه وعدم الاهتمام، وأن ذلك يحدث حتى في أوساط المجتمعات الثرية التي تنفق ببذخ في كثير من مجالات الإنفاق، ولا تنفق شيئاً من أجل اقتناء عمل فني».
وقال: «لذلك، لا يمكن أن نلوم الفنان أو نتهمه بالتقصير، لأنه ببساطة لم يجد المناخ المناسب الذي يساعده على تصدر الواجهة في الحركة التشكيلية العالمية».
وأشار التشكيلي اليمني، الذي فاز أخيراً بجائزة منظمة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» لفن المنمنمات خلال العام الجاري، إلى أن هذا الفن هو أحد الفنون الإسلامية التي حظيت بانتشار واسع، بل وبات فناً عالمياً، لافتاً إلى أن فكرته بدأت مع بداية الكتابة والتدوين كرسوم مصغرة توضيحية لمضمون الكتابة، وأن فن المنمنمات يهتم بالتفاصيل الدقيقة في رسم الشكل.
وحول رؤيته لما يردده البعض بوجود فن ذكوري وآخر نسوي، قال مرحب: «الفن هو فن إنساني، سواء قام به فنان ذكر أم أنثى، لا فرق بينهما».
وأضاف أن ثمة من يقول إن هناك فرقاً بين رسم الفتى والفتاة، وأن الفتى يغلب على رسومه الطابع الانفعالي مثل أن يرسم سيارة أو معارك أوصراعاً، فيما يغلب على رسوم الفتاة الجوانب العاطفية كالزهور والحدائق والعرائس.
وأشار إلى أن «الفن لا يصنف حسب النوع، وأن المتابع للمشهد التشكيلي اليمني والعربي، يجد أن المرأة تنافس الرجل، بل وصارت أكثر حضوراً في صالات العرض والملتقيات الفنية، وأن المرأة لو حظيت بمزيد من الحرية في المجتمعات العربية لتفوقت على الفنانين التشكيليين من الرجال».
وأوضح مرحب أن معظم أعماله تتصدرها المرأة، وذلك لأنها «مصدر الجمال والحسن والحب والإلهام، وهي تدخل في جميع تفاصيل الحياة اليومية في وطنه اليمن، وهي حاضرة في التراث وكل الموروثات الثقافية والشعبية، وفي كل المواسم وكل الطقوس، وهي حاضرة في الحركة التشكيلية على الدوام».
وحول المدارس الفنية التي ينتمي إليها، قال مرحب إن الفن بالنسبة له «حالة عشق لا تنتهي»، وإنه وهو يخوض غمار تجربته الفنية يبحث ويكتشف، وهو في مرحلة من مراحل مسيرته الفنية يتعلم ويطور من تجربته التشكيلية.
وأوضح أنه عندما وجد نفسه يحلق في فضاء الفن، كان يطمح لرؤية بصرية أوسع وأشمل، مشيراً إلى أنه ليس له اتجاه واحد أو مدرسة فنية بعينها، وأنه تارة يرسم فناً انطباعياً وأحياناً تجذبه الفكرة لأن يرسم بأسلوب المدارس التشكيلية الحديثة، فيتنقل ما بين المدرستين السيريالية والتكعيبية.
ولفت إلى أن «علاقته بفن المنمنمات جاءت متأخرة، وأن ذلك الفن ينطلق من التحدي لكونه فناً رصيناً يحتاج لحرفية عالية وصبر كبير، حيث يحتاج العمل الواحد لأشهر حتى يتم إنجازه، وأنه يشعر بسعادة غامرة وهو يبحر في أرجاء المنمنمة».
وحول علاقته باللوحة والريشة والألوان، قال مرحب إن «اللوحة هي روح الفن ومرحه وراحته، وأن اللون نَفَسه وتنفُسه، وأنه بقدر حب الفنان للفن، يأتي حجم إتقانه لعمله الفني».
واعتبر أن البعض يتخذ من الفن وسيلة لكسب الرزق، والبعض يتخذه كمتنفس ورسالة، لافتاً إلى أنه يمارس الفن باعتباره رسالة محبة وسلام ومصدر للسعادة والهدوء.
وأوضح أنه يؤمن بأن الفن والإبداع ليس مصدراً للرزق، خاصة في وطن يؤمن بالعنف أكثر من إيمانه بالتعايش السلمي، لافتاً إلى أنه يمارس الفن لأنه وسيلته التي يبتعد بها عما يدور حوله من صراعات.
وأكد مرحب أن اللوحة لا تنتهي بالنسبة له، وهو كلما تأملها وجد فيها مكاناً لفكرة جديدة، وأنه يجتهد من أجل أن يقنع نفسه أن اللوحة انتهت ويضعها بعيداً لكي يتفرغ لعمل تشكيلي جديد.
وأقام الفنان اليمني أربعة معارض فنية شخصية، إضافة إلى المشاركة في قرابة 45 معرضاً فنياً عربياً ودولياً، وفي ورش فنية في مصر والجزائر والأردن.
ويعمل مرحب مديراً لبيت الفن، الذي أسسه في محافظة المحويت اليمنية، وفاز في تموز/ يوليو الماضي، بجائزة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» لفن المنمنمات، وهي جائزة سنوية تمنح في فروع فنية عدة هي الخط الكلاسيكي، والحروفية، والزخرفة، والمنمنمات.