أكاديميون يقيمون الدراما اليمنية برمضان.. مرتجلة وضعيفة ⁨

تواجه المسلسلات والأعمال الدرامية التي تبثها القنوات اليمنية خلال شهر رمضان، انتقادات واسعة، وصلت حد الوصف لها بـ"التهريج والسذاجة والسطحية"، مما أثار أسئلة عدة عن مكامن المشكلة للأداء الدرامي الضعيف.


وما يلاحظ في الدراما اليمنية الرمضانية، أنها "موسمية"، وتشهد رواجا في شهر رمضان، وفقا لنقاد وأكاديميين يمنيين، لكنها تعاني من العجز والارتجالية والبهاتة، ولا تعالج قضايا عميقة يعيشها الناس، واقتصارها على الكوميديا، ما يضع سؤالا مهما حول اعتماد الإنتاج الدرامي على القالب الكوميدي وبشكل متكرر.


وكان لافتا، في السنوات الماضية، بروز أعمال درامية ذات محتوى فني وفكري جيد، نظر إليها على أنها من الممكن أن تكون علامة فارقة في الدراما اليمنية، لكن سرعان ما تحول محتواها إلى كوميدية أقرب للهزلية المليئة بالصراخ والعويل.


"مركبة وموسمية"


وفي هذا السياق، يقول الأكاديمي اليمني في قسم الإعلام بجامعة قطر، عبدالرحمن الشامي؛ إن مشكلة الدراما التلفزيونية اليمنية "مركبة".


وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن ضعفها لا يكمن فقط لغياب عنصر واحد من عناصر البناء الدرامي، وإنما بسبب غياب عدد من العناصر مجتمعة، وبتفاوت فيما بينها.


وتابع الشامي: "تفتقر إلى النص القوي، والسيناريو الجيد، والممثلين المحترفين، والمخرجين المتخصصين، وميزانية الإنتاج، وغيرها من عناصر الإنتاج الدرامي الأخرى، مشيرا إلى أن هذه هي أبرز الإشكاليات".


وبحسب الأكاديمي اليمني، فإن هناك استثناءات هنا وهناك في عنصر التمثيل، والإخراج، والسيناريو، مستدركا: "الاستثناء لا يصنع دراما تلفزيونية ناجحة ومؤثرة".


وأشار الشامي، عميد كلية الإعلام السابق بجامعة صنعاء، إلى أننا "لا نستند إلى تاريخ من الممارسة الدرامية التي تحقق عنصر التراكم الدرامي، فأعمالنا الدرامية موسمية؛ رمضانية على وجه التحديد".


وأردف قائلا: "وبرغم هذه الموسمية، فلا يتم التعامل مع إنتاجها على نحو جاد ومهني، بل بخفة شديدة، حيث يبدأ العمل على إنتاجها قبل شهر أو اثنين من شهر رمضان المبارك، وبميزانيات هزيلة"، مؤكدا أن "المحصلة لذلك، هي ما نراه عاما تلو الآخر.. أعمال ضعيفة شكلا ومضمونا، إلا فيما ندر".

 


ولفت إلى أن هناك إشكالية أساسية في الدراما اليمنية، فهي تشوه الشخصية اليمنية عاما تلو الآخر، ولديها مشكلة في فهم "الكوميديا"، حيث يظن بعض القائمين عليها أن الكوميديا هي أبسط أشكال الدراما، رغم كونها الأصعب، فهي تحتاج إلى نص تتوفر فيه معايير النص الفكاهي ومواصفاته، وشخصيات قادرة على تجسيدها.

واستطرد: "غير أن ما يحدث هو العكس، فبحثا عن الكوميديا المصطنعة، يتم الاستعانة بشخصيات هزيلة، لا علاقة لها بفن الكوميديا الراقية، ومن ثم تعمل على التصنع، واستجداء الضحك، مما يؤدي إلى أعمال درامية باهتة، سمتها الأساسية الإساءة للشخصية اليمنية، وتقديمها في مسخ بشري، سواء من حيث المظهر الغريب، أو التصرفات الأغرب".


وحول تقييمه للمسلسلات التي تعرض خلال هذا الموسم الرمضاني تحديدا، أوضح الدكتور الشامي أنه من السابق لأوانه الحكم على هذه الأعمال حكما موضوعيا، فنحن بحاجة إلى مشاهدة حلقات أكثر حتى يكون الحكم منصفا".


ومضى قائلا: لكنها تبدو من خلال الحلقات المعروضة حتى الآن، أننا نقف أمام الإشكاليات نفسها التي تتكرر كل عام، وبخاصة ما يتعلق بالتنميط الكوميدي، من خلال شخصيات لا علاقة لها بالكوميديا.


ووفقا للشامي، ليس من السهل أن تجد لك مكانا اليوم في عالم الدراما التلفزيونية، ما لم تبدأ البداية الصحيحة التي تكمن في "الأخذ بسبل المهنية والعمل الاحترافي، والاستثمار في الإنتاج الدرامي، ونحن نفتقر إلى الاثنين"، مبينا أن محصلة ذلك؛ إنتاج ضعيف، لا يلبي طموح الجمهور اليمني، ولا يرقى إلى مستوى الدراما العربية.


وشدد على أن المهنية استثناء، والتهريج هو القاعدة، وحين يكون هذا هو الحال، فلا ننتظر تراكما معرفيا دراميا، وإنتاجا مهنيا.


وردا على ما يطرحه كثيرون من أن مشكلة العمل الدرامي في اليمن تبدأ من السيناريو، وافتقار البلد لكتاب محترفين، أكد استاذ الإعلام بجامعة قطر أن هناك أزمة في هذا وغيره.


وقال: "لاحظ معي، الدراما اليمنية هي الوحيدة التي تجد فيها – مثلا- الممثل يشارك في كتابة النص، والسيناريو، والإخراج، والإنتاج.. وغيرها، وهذا مؤشر على غياب التخصص، وحضور الارتجال".

 

ورأى الأكاديمي اليمني أنه رغم كل المآخذ على الدراما التلفزيونية اليمنية، لكن يحسب لها استمرار إنتاجها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد في زمن الحرب، منوها إلى أنه يظل الرهان مستقبلا على أن تستفيد هذه الدراما من النقد الموجه لها.


"ارتجال ولعب عيال"


من جانبه، يرى الناقد والأكاديمي اليمني، قائد غيلان أن الأعمال الدرامية الحالية يقف وراءها الهواة والمبتدئون، فهي أعمال ارتجالية وكأنها تبدأ من الصفر".


وقال في حديث خاص لـ"عربي21": "المبدعون الذين تم تأهيلهم خارج البلاد ونفذوا سابقا أعمالا جيدة، يقبعون الآن في بيوتهم، ولا يستعين بهم أحد"، على حد قوله.


ويضيف غيلان: "ولهذا، تأتي الأعمال الجديدة أقرب إلى الارتجال، أو لعب عيال.. وهذا لا علاقة له بالإمكانيات، فالأعمال التي نراها توفرت لها الإمكانيات، ومع ذلك قدمت أعمالا دون المستوى".


ويشير إلى أن الممثل اليمني يفهم التمثيل على أنه الكوميديا، ويفهم الكوميديا على أنها تهريج، ويفهم التهريج أنه يجب أن يتبنى عبارات جاهزة من السوقيين والجهلة ويكررها في كل مشهد.


وبحسب الأكاديمي اليمني، فإن الأمر يترك لاجتهاد الممثل، وهو ممثل غير مؤهل أصلا، فيما الممثلون المؤهلون يقبعون في بيوتهم لا يسأل عنهم أحد من المنتجين الجدد.


وتابع: "ينبغي أن يفهم القائمون على القنوات، أن الكوميديا تقوم على المفارقة لا الهبالة والسخف، وأنه بإمكانك أن تضحك المشاهد دون أن تشوّه نفسك أو تبهدلها".


وذكر أن المشكلة الكبرى في المسلسلات التي يتم عرضها في هذا الموسم، تكمن في "الانطلاق من مثال سابق من الذاكرة الدرامية والسينمائية العربية، تنسخ التجارب ولا تنطلق من الواقع والبيئة والتاريخ اليمني".


وأكد "غيلان" أن الفن في اليمن مهنة محتقرة أو في منزلة دنيا، وخاصة الغناء، يظهر هذا بشكل أكثر في مجتمع صنعاء وما حولها، لهذا لا يتذكر الناس الفنان إلا وقت الحاجة.


وقال: "الغناء انحصر منذ السبعينيات في المناسبات فقط، ولا تستدعي الدولة المغني إلا في المناسبات الوطنية، ولا تنجز المسرحيات إلا من أجل عيد الثورة، منوها إلى أنه "عندما دخل التلفزيون في الخط دخل معه رمضان كمناسبة أخرى للأعمال الدرامية، حيث يتحلق الناس في سهراتهم حول التلفزيون".


وأردف: "في اليمن للأسف، لا تستثمر إلا الأعمال الرديئة، أما الجيدة فهي تهمل وتحارب، لافتا إلى أن النجاح في اليمن مجهود مؤقت، يتم إظهاره بحجة تلبية مطالب الجمهور.


"ميل للتقليد"


من جهته، يرى الصحفي والكاتب اليمني، محمد الشبيري أن مشكلة الدراما اليمنية تكمن في الميل، بشكل مبالغ فيه، إلى التقليد، ولم ترتقِ بعد إلى مرحلة الإنتاج النوعي المستقل بذاته.


وأضاف في حديثه، أن الشخصيات التي تتصدر الشاشة، تكاد تكون نسخة من بعضها، لسبب له علاقة بقلة عدد هذه الشخصيات وبداياتها التي تكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد، فكريا وجغرافيا.


وقال الشبيري؛ إن الاعتماد على القالب الفكاهي له علاقة بنشأة فكرة التمثيل التي بدأت في مسارح بسيطة تتبع المدارس والمعاهد، وأحيانا المناسبات كالأعراس، وكان هدفها - في الغالب- الترويح وإضحاك الجمهور، بصرف النظر عن جودة المحتوى، لأنها -حينذاك- كانت تتعامل مع جمهور بسيط في تطلعاته وهمومه.


وأشار إلى أن الواقع تغير كثيرا، ووجدت هذه الشخصيات نفسها أمام بيئة جديدة، وجمهور أكبر وأذكى، يعاني عقدا كثيرة تبحث عن منافذ للحل، مؤكدا أن "هذا هو سرّ تصاعد حدة الانتقادات لدورها الذي يبدو أنه لم يراوح مربعه الأول".


وبحسب الصحفي اليمني، فإن النقد الموجه إلى الدراما باعتبارها "موسمية"، هو نقد في الاتجاه الخطأ، متابعا بالقول: "الأصل أن يوجه هذا النقد إلى الفضائيات التي تتحكم في عمليات التزمين والتمويل والإنتاج، ما يشكل عائقا كبيرا يقف في طريق غزارة الإنتاج وجودته، في بلد غني بأحداث تاريخية وحضارية، يمكن أن تكون بيئة لأعمال أنضج وأقوى".


وكانت قناة "المهرية" التي تبث من مدينة إسطنبول التركية، قد أوقفت أحد البرامج من العرض على شاشتها بعد بث ثلاث حلقات منه خلال ليالي رمضان؛ إثر موجة انتقادات وجهت للقناة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي.


وقالت القناة في بيان مقتضب: "نزولا عند رغبة الجمهور الكريم، قرَّرَت إدارة قناة المهرية إيقاف برنامج غازي مجننهم؛ احتراما لذائقة الجمهور".


ومن الانتقادات التي وجهت للبرنامج الذي صور داخل مبنى على أنه مركز لعلاج الأمراض النفسية، قبل أن يتم الإيقاع بالضيف في تقليد واضح للفنان المصري، رامز جلال.


وتعرض قنوات يمنية برامج ومسلسلات عدة أبرزها "عيال قحطان"، على قناة المهرية، و"ليالي الجحملية" على قناة "يمن شباب" ( تبث من تركيا)، و"خلف الشمس"، على قناة السعيدة ( تبث من صنعاء).