
بإدراج «اليونسكو» 26 موقعا جديدا فى القائمة التمهيدية.. تراث اليمن الحضارى يتحدى الحرب والإهمال
وسط ركام الحرب، وغياهب الإهمال، ووقائع تهريب وتدمير الآثار والمبانى العريقة، يقاوم اليمن أسباب النسيان، ويصر على تذكير العالم بأنه من مواطن الحضارة والتاريخ.
والدليل إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، أخيرا، 26 موقعا تراثياً وثقافياً وطبيعياً باليمن على القائمة التمهيدية للتراث العالمى. يصبح بذلك العدد الإجمالى للمواقع اليمنية المدرجة 35 موقعاً، ضمن مشروع إقليمى ممول من الاتحاد الأوروبى، قدّمت من خلاله منظمة «اليونسكو» دعماً فنياً ومؤسسياً لحكومة اليمن.
فى تصريحاته لـ«الأهرام»، يوضح معمر الإريانى، وزير الثقافة والسياحة والإعلام بالحكومة اليمنية، أن قرار «اليونسكو»، يعتبر إنجازا يبرهن على ثراء اليمن بإرث حضارى وإنسانى فريد. ويضيف قائلا: «هى خطوة محورية فى مسار حماية وصون التراث اليمنى للأجيال القادمة، مشيرا إلى تحركات حكومية لإعادة الاعتبار لمكانة اليمن الثقافية والتاريخية على المستوى الدولى، ومواجهة التحديات التى تهدد هوية البلاد الحضارية، وفى مقدمتها الممارسات الحوثية التى طالت معالم ومواقع تاريخية فى مناطق سيطرتها».
«المخا» و«ميناء عدن» و«صيرة»:
أما الدكتور محمد جميح، سفير اليمن لدى «اليونسكو»، فيوضح أن البعثة الدائمة للجمهورية اليمنية قدمت فى وقت سابق ملفات المواقع المدرجة إلى إدارة «مركز التراث العالمى» فى المنظمة لإدراجها ضمن القائمة التمهيدية. وقد تم إعداد الملفات بالتنسيق بين مكتب «اليونسكو» الإقليمى لدول الخليج واليمن، والمركز الإقليمى العربى للتراث العالمى، ومندوبية الجمهورية اليمنية لدى اليونسكو.وقد عمل فريق من الخبراء اليمنيين الذين تم تدريبهم على إعداد ملفات التراث العالمى فى اليمن بشقيه الثقافى والطبيعى على إعداد ملفات 31 موقعاً تراثياً وطبيعياً لتقديمها لقائمة التراث العالمى التمهيدية، ومنها 26 موقعاً جديداً، مع تحديث بيانات خمسة مواقع مدرجة على القائمة من قبل.
ويعبر عوض محمد بن الوزير، محافظ «شبوة» عن سعادته بالإنجاز الثقافى والتاريخى، معتبرا أنه نتاج مباشر لرؤية تنموية شاملة تعنى بالحفاظ على الهوية الثقافية للمحافظة، وتعزيز حضورها فى المشهدين العربى والدولى، لا سيما فى ظل الاهتمام الكبير بالموروث الحضارى كرافد رئيسى للتنمية المستدامة.
ويشير محافظ «شبوة» إلى ضرورة إلقاء نظرة على أهمية بعض المواقع الحضارية المهمة التى تم اختيارها، مثل مدينة «المخا» الأثرية وأسوارها القديمة ومينائها التاريخى، الذى كان أحد أهم موانى تصدير البن اليمنى للعالم. وأيضا «ميناء عدن» وهو أحد أقدم موانئ سواحل الجزيرة العربية، ويتميز بحام طبيعى هو «جزيرة صيرة». واحتكرت «عدن»، ولوقت طويل قبل الميلاد، التجارة فى السلع القادمة من مصر والهند. وتضم صهاريج مياه عمرها يقارب الألفى عام، عاصرت المدينة طوال تاريخها المكتوب».
أربعة فى «حضر موت»:
ومن «صيرة» إلى «حضرموت»، التى احتفظت بأربعة مواقع ضمن القائمة، فهى أسطورة التاريخ وعراقة الحضارة، بها روائح البخور، وطريق اللبان العريق، وتتفيأ فيها قدسية أنبياء، اختاروها سكنا وحياة ومدفنا. وبها بنايات الطين التى صُنفت بأول ناطحات سحاب فى العالم، وقد نشأت حضارة راقية فى «حضرموت» أثناء ازدهار تجارة اللبان كسلعة مقدسة وتجارة البخور، وكان لمينائها البحرى القديم «قنا» دور كبير عبر التاريخ.
وتعد مدينة «تريم» عاصمة «وادى حضرموت» الدينية، حيث كانت ولا تزال مركزاً يشع منه نور العلم والمعرفة ومركز إشعاع دينى منذ ظهور الإسلام. وبدأت الرحلات لنشر الدين الإسلامى من هذه الأراضى فى نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الهجرى. فقد هاجر مجموعة منهم إلى الهند واندونيسيا وسنغافورة والفلبين لذلك الغرض.
وتقف قرية «حيد الجزيل» بشموخ فوق صخرة عملاقة ارتفاعها 107 أمتار، فيما يبلغ عمر بعض منازلها 500 عام، وتتميز هذه القرية بموقع فريد، بُنيت مبانيها الشاهقة فوق تلك الصخرة الضخمة ذات الجوانب المنحدرة عمودياً. وتم بناؤها من المواد الأولية البسيطة والمتوفرة فى عموم «وادى دوعن» من مادة الطين وجذوع الأشجار، وترتفع بعض البنايات عدة طوابق إلى ارتفاعات يصل بعضها إلى 100 قدم.
«براقش» و«قلعة القارة»
أما آثار «براقش»، فهى أطلال مدينة كاملة كانت مطمورة اسمها «يثل»، يحيط بها سور منيع لا يزال فى حالة جيدة، وتقع فوق تل مرتفع نسبيا.
وتفيد النقوش اليمنية القديمة أن «براقش» كانت مدينة مزدهرة فى القرن الخامس قبل الميلاد، وذلك لمكانتها الدينية المرموقة، كما كانت محطة هامة على طريق «اللبان التجارى» فى فترة قبل الميلاد. كما يذكر المؤرخون أنها كانت محطة مهمة على طريق القوافل التجارية بين اليمن والبصرة، وخاصة إبان عهد الدولة العباسية .
وفى محافظة «أبين»، دخلت «قلعة القارة» الأثرية فى «يافع» ضمن القائمة. وتعد دار الدرك أو الشرطة من أقدم البنايات الأثرية فى محيط القلعة. وكذلك «جسر شهارة» فى «محافظة عمران»، والذى بنى فى عهد الإمام يحيى حميد الدين عام 1905 ميلاديا. وأقيم على أخدود شديد الانحدار ليربط بين جبلين شاهقين، هما جبل «شهارة الفيش» وجبل «شهارة الأمير»، ويبلغ طول الجسر 20 متراً وعرض 3 أمتار ويقع على هوة أخدود عميق يصل عمقه إلى أكثر من 300 متر. وقد كان الطريق بين الجبلين يستنزف الكثير من الوقت والجهد، وجاء الجسر ليمد أسباب الحياة والتعايش بين أهالى الجبلين بكل يسر وقرب.
أما «محمية حوف»، التى تم اعتمادها كمحمية طبيعية منذ عام 2005، فإنها تكتسى على مدار ثلاثة أشهر بلباس أخضر مع هطول أمطار موسمية فى فصل الخريف، يمنحها جمالاً يأسر لب الزائرين الذين يقصدونها من مختلف المحافظات اليمنية، ومن الدول المجاورة. وفى «حوف» الساحلية، يتعانق البحر مع جبال المحمية، ويشكلان منظرا جماليا بديعاً. وتحتضن «حوف» الأشجار والنباتات والحيوانات النادرة، وتشكل نباتات المحمية 7% من مجموع نباتات اليمن التى تقدر بحوالى 3000 نوع نباتى غير مألوف. وقد تم تسجيل أكثر من 250 صنفا من النباتات فى الغابة و65 صنفا من الطيور أغلبها من الأنواع المهاجرة .
وبخلاف هذه المواقع والآثار، يدرج أيضا على القائمة التمهيدية للتراث الإنسانى العالمى، المدرجات الزراعية فى عموم اليمن، و«جبل حراز»، و«محمية شرما جثمون»، والتحصينات التاريخية فى «الحديدة»، و«محمية الأراى الرطبة» وغيرها. وكانت خمسة مواقع يمنية قد أدرجت على قائمة « اليونسكو» للتراث العالمى وهي: مدينة شبام القديمة وسورها، ومدينة صنعاء القديمة، وحاضرة زبيد التاريخية. وفى العقد الأول من الألفية الجديدة، تم إدراج أرخبيل سقطرى بالفئة الطبيعية من قائمة مواقع التراث. وفى عام 2023، أدرجت «اليونسكو»، معالم «مملكة سبأ» القديمة بـ«محافظة مأرب» ضمن قائمة التراث العالمى. ولكن الحرب وغيرها من الأسباب، كانت وراء إدراج بعض هذه المواقع ضمن قائمة أخرى بالآثار المعرضة للخطر.
الأهرام