عزيز المعافري.. ريشة فنان تُحاكي حياة الريف

عندما كان “عزير المعافري” طفلا في العاشرة من عمره كانت عصاه لا تفارق يده، يهشّ بها على غنمه كعادة أطفال الريف، وتارة يرسم بها على الأرض أشكالا ورسومات، غير مدرك أنها ستحوله من راعي أغنام إلى رسام محترف يحمل في سيرته قصة نجاح من نوع مختلف.


ولد الرسام التشكيلي عزيز عبد العليم المعافري عام 1993م، بقرية المعافر -مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز جنوب غربي اليمن، كان وما زال، بحسب قوله، طفل القرية المحبّ الذي ارتوى منها حب الطبيعة والحياة الريفية بكل تفاصيلها وتضاريسها، وقسوة الحياة فيها، وانعكس تمسكه بها جليا في رسوماته وإبداعاته التشكيلية.


يقول لـريف اليمن: “الريف هو عشقي الوحيد وملهمي في كل لوحاتي الفنية، فيه المنازل العتيقة التي أضاءت نور عيني منذ لحظاتي الأولى، وذكرياتي الجميلة منذ طفولتي. جل أعمالي مستوحاة من الواقع والحياة الريفية”.


بدأت موهبة المعافري في الرسم منذ طفولته، حينما رسم وجه أحد أصدقائه بالطين في أثناء رعيه للأغنام في القرية، وقد برزت ملامح الريف اليمني في تفاصيل لوحاته الفنية، وحظي بإعجاب الجمهور، ويؤمن عزيز أن الريف منبع الإنسان اليمني، ومهما طغت المدينة بمعالمها وزخرفتها على حياته، يظل الريف ومعالمه وكل تفاصيله مصدر إلهام له ولرسوماته المتنوعة.


محاكاة حياة الريف


يضيف المعافري قائلا: “الفن التشكيلي يستطيع توصيل رسالة قيمة وهادفة إلى الجمهور، ويمكن أن يعالج قضايا الناس والتعبير عنهم، وقد أردت في رسوماتي أن نقل تفاصيل المجتمع الريفي، تبني قضاياه، عرض همومه ومعاناته، وقسوة ظروفه، لا سيما على المرأة التي تواجه صعوبات كبيرة منها جلب الماء”.


لوحات الريف هي عشق عزيز، ويعتبرها الأقرب إلى قلبه؛ لأنه ابن الريف، ولأنه متأثرا بشكل كبير بالحياة الريفية وبساطتها وعفوية الحياة فيها، ويلفت إلى أن جو الريف هو ما يحرك مشاعره وهوايته التي نقلها عبر لوحات فنية تحاكي الطبيعة.


“الريف هو الملهم الأول والأبرز لإنتاج لوحاتي الفنية، ومنها أول لوحة أنتجتها عن معاناة المرأة الريفية وهي تعدّ الطعام، ولوحة أخرى عن امرأة ريفية مسنة تنقل الماء بواسطة الحمار، ولوحة ثالثة لامرأة ريفية تنقّي حبوب الذرة بعد الحصاد”، يقول المعافري.


كانت لوحاته عن المرأة الريفية ومعاناتها أعماله الفنية الأبرز، وقد حققت تفاعلات إيجابية عند المشاهد والجمهور، ونالت الإعجاب والدهشة لجمالها الفريد، وانتشرت بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وحققت مشاركات عدّة في معارض فنية داخلية وخارجية.


الفن بالدبابيس


في مسار فني صعب وحديث النمو في اليمن “الرسم بالدبابيس”، خاض المعافري طريقه، ونظرا لعدم وجود قاعدة تعليمية أو دراسات سابقة، وجد الأمر صعبا، لكنه كان فخورا في حديثه، لا سيما أنه أول من رسم بالدبابيس في اليمن، باستثناء فنان آخر بصنعاء.


وأوضح قائلا: “خلال الدراسة الجامعية، اخترت الرسم بالدبابيس رغم ندرته؛ إذ يتطلب بذل جهد كبير وتركيز بالغ، بالإضافة إلى صعوبة المحاكاة الواقعية لبعض الصور، ويجب أن يكون لكل دبوس مكانه المناسب ووظيفته المعينة، بما يحقق التوازن وتنظيم المساحات بين الدبابيس، وبما يؤدي المهمة المطلوبة”.


من أبرز رسوماته بالدبابيس لوحة الفنان اليمني أيوب طارش عبسي، وقد كانت الأكثر انتشارا ورواجا بين الجمهور، وقد لاقت استحسان كثير من اليمنيين الذين تناقلوا الصورة بشكل لافت.


حققت اللوحة، التي أنجزها في عام 2021م، تفاعلا كبيرا، واشتهرت بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات والمواقع الإلكترونية، ويعد العمل الأبرز الذي جلب له أغلب القنوات الفضائية للتصوير وتوثيق أعماله بشكل عام.


يتابع لريف اليمن: “يشرفني جدا أني قدّمت هذا العمل هدية للهامة الفنية الكبيرة أيوب طارش عبر مكتب الثقافة في يوم المهرجان العيدي لتكريم أيوب طارش، وقد كان سعيدا منبهرا به، قدمتها هدية باسمي، هدية من فنان إلى فنان”.


أما عن أسباب اختياره رسم الفنان أيوب، فيقول: “اخترت رسم صورة الفنان أيوب طارش؛ لأنه المطرب المفضل بالنسبة لي، كما أنه غنى للحب والوطن والريف والزراعة، وقد استغرق العمل قرابة أربعين ساعة متقطعة، بالإضافة إلى أكثر من 17 ألف دبوس لتنفيذه”.


ومن المؤسف أن عزيزا لم يستطيع أن ينتج لوحات أخرى من الرسم بالدبابيس على الرغم من نجاح أول تجربة له، ويرجع ذلك إلى التكلفة المادية والوقت الذي يتطلبه العمل.


خيبة أمل المعافري


ناضل المعافري في سبيل مواصلة تعليمه الجامعي، فهو على غرار مئات الآلاف من طلاب الريف عاش أوضاعا صعبة، وكان يواجه صعوبات كبيرة، فلم يجد السكن في المدينة، وليس لديه أهل هناك.


يقول لمنصة ريف اليمن: “عندما وجدت سكنا خاصا بالطلاب، تقاسمت مع بعض الزملاء غرفة برفقة لوحاتي وفرشي وأدواتي الخاصة. تمنيت لو كان مكانا لي وحدي أستطيع فيه ممارسة شغفي بالرسم من دون الشعور بالإحراج من زملائي بسبب سهري حتى ساعات متأخرة من الليل”.


ثم يضيف: “عملت عدة أعمال من أجل توفير مصاريف دراستي الجامعية، والأدوات اللازمة للرسم. عملت حتى في الأعمال الشاقة مثل البناء، وبرغم ذلك لم تتوفر لدي أبسط الإمكانيات لممارسة حياتي الطبيعية كفنان، وكل أدواتي ومستلزماتي أوفرها بمجهود شخصي”.


ويختم عزيز حديثه لريف اليمن بالقول: “مؤسف جدا أن أعيش بلا مَرسَم لمزاولة عملي الفني، وأن يعجز الفنان عن توفير أدواته البسيطة لإعداد لوحاته، مؤسف أن لا يجد الفنان الاستقرار الفني والأسري ليستطيع مواصلة مشواره الفني، وأن يظل منشغلاً بظروف الحياة ومتطلباتها”.


ويواصل كلامه بحسرة: “أن تموتَ كل أفكارك وطموحاتك في الخيال من دون أن تستطيع تحقيقها على الواقع بسبب عدم الاستقرار أمر غاية في الأسى، لذلك يواجه الفنان، في ظل كل هذه الظروف، المعاناة والتدهور، وينقطع إنتاجه الفني لفترات طويلة، ويظل في صراع بين شغف الفن وتعاسة الحياة، حتى يجبره الوقت على عرض لوحاته للبيع لتلبية أبسط أمور الحياة ليحيا ولو بالقليل”.


ووجه المعافري رسالته إلى الجهات المعنية للالتفات ورعاية المواهب والفنانين بالشكل المطلوب، فالمساندة، من وجه نظره، تجعل الفنان يشعر بالكرامة والاستقرار، وذلك يثمر في استمرار الإنتاج ويعزز من إحياء الفن اليمني وريفه.


مثابرة المعافري في سبيل تحصيله العلمي وإبداعه في الفن التشكيلي لم تشفع له أمام الجهات المسؤولة للحصول على فرصة للعمل، فهو اليوم يقبع داخل منزله في قريته الريفية من دون عمل أو راتب شهري يمكن أن يوفر له احتياجاته الأساسية، بالإضافة إلى عدم مقدرته على توفير أدوات الرسم ليستمر في شغفه الطفولي علّه يتمكن من بيع لوحات فنية تمكنه من تأمين متطلبات الحياة.


ريف اليمن