واحدية الشعب
لم تكد تشتعل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر للتخلص من الاستبداد في شمال الوطن حتى اشتعلت ثورة الرابع عشر من أكتوبر لطرد المستعمر في جنوبه، لم تحدث هذه الواحدية في التوقيت اعتباطاً أو على سبيل الصدفة، إن واحدية هذا الشعب وواحدية معاناته وواحدية آماله هي التي صنعت وما تزال هذا التفاعل المتآزر المثبت في حركته التاريخية، أيّما حدث كبير يحصل في بقعة ما من وطننا إلا وتمضي ارتداداته لتشمل باقي الجغرافيا.
منذ قرون وشمال اليمن يتعرض في فترات كثيرة لهجمات الاستبداد الإمامي فيما جنوبه يتعرض لهجمات المستعمر الخارجي، ومن يقرأ تاريخ هذه المعاناة بشقّيها يجد أن الشرط الوحيد للاستعمار هو الإمامة بموقفها المضاد للشعب اليمني، إنها إن لم تستطع السيطرة على كل قوى الشعب وابتلاع كامل جغرافيته فهي لا تمانع من العودة للانحصار داخل منطقة صغيرة في أعالي جبال صعدة.
إن أولويتها على الدولة هي صناعة سلطة مضادة للشعب اليمني تكون في قبضة السلالة ولو في نطاق جغرافي محدود، لا يعنيها ما وراء سلطتها ولا تنظر لها إلا كأرض فيد ومنطقة غزو وفي صورة يجعل منها أقرب لقوة اختراق خارجي وهي الحقيقة الأولى لها ولا تكفي القرون لتغطيتها.
قبل أقل من شهر كان شعبنا يحتفل بذكرى ثورته السبتمبرية المجيدة وها هو اليوم يحتفل بذكرى ثورته الأكتوبرية المجيدة، كجناحين أقلع بهما الشعب اليمني متجاوزاً إرث الفترة المظلمة من تاريخه ومحلّقاً فوق ذل الاستبداد وجشع الاستعمار.
والاحتفال بذكرى أي حدث كبير لا يمكن أن يأتي فقط في سياق المديح والتمجيد الضروريين بل كمناسبة لينظر الجميع في موقعه من الحدث وما إن كان يسير في خط الحفاظ على مكتسباته وتنميتها أم قد جنحت به مراكبه إلى مسار آخر.
لا حاجة هنا لسرد المخاطر الوجودية التي تتهدد الحدثين الثوريين الأكبرين في تاريخ اليمن الحديث فهي واضحة كالشمس ولا يكف جميعنا يتناولها ويناقشها ويبحث في مجرياتها كل يوم.
إن المعطى الذي لم تكف الحرب التي يعانيها شعبنا منذ سبع سنوات تعلّمنا إياه هو أن الخصم لم يمكنه المضي في إعادة مشروعه إلى واجهة الواقع إلا من خلال المسافات التي تصنعها الخصومات الصغيرة في الصف الوطني. وإن مواجهة هذا المشروع وهدمه تستوجب اليوم تراص الصف الوطني بكل مكوناته ونبذ الخلافات البينية وبهذا فقط يمكننا إثبات صحة انتمائنا للثورتين المجيدتين.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك