أمريكا في القبضة الإسرائيلية
عُرف عن كينيدي، الرئيس ال ٣٥ لأميركا، ولعه باللغة. واحدة من أمنياته من أجل عالم أفضل "أن يجيد الساسة الشعر وأن يجيد الشعراء السياسة".
ومن أجل المستقبل الأفضل قال كينيدي ذات مرّة، وإلى جواره نائبه جونسون "إن أعظم مصدر تملكه البشرية هو الأطفال، وهم أملنا في المستقبل".
وقبل انقضاء عامين على ولايته قُتل كينيدي (أول رئيس كاثوليكي لأميركا البروتستانتية) وحل نائبه چونسون مكانه في البيت الأبيض.
أرسل چونسون قواته المسلحة إلى ڤيتنام، وهناك قتل الجيش الأميركي ٨٤ ألف طفل، و١٤٣ ألف امرأة.
وفيات الأطفال مجرد ضرر جانبي لا بد منه في سبيل الوصول إلى الإرهابيين الفيتناميين الذين، وفقاً للجيش الأميركي، يختبئون في الأنفاق. يطمئن نتنياهو الأوروبيين قائلاً "سأخبركم عمّا ليس إرهاباً، أرادت القوات الجوية البريطانية قصف هدف عسكري نازي في هامبورغ، غير أنها قصفت مستشفى للأطفال. هذا ليس إرهاباً".
ما الذي ستجنيه أميركا، استراتيجيا، من الحرب على غزة؟ أعني: هل يستدعي الاحتشاد وراء البلطجية المتعطشين للدماء، كما يصفهم أولمرت، زعزعة ثقة العالم بالمؤسسات الدولية؟ حاضر أوستن، وزير دفاع بايدن، في الأيام الماضية "قلت لإسرائيل إننا تعلمنا من حروبنا أن دفع المدنيين إلى أحضان الإرهابيين يعادل خسارة الحرب استراتيجياً". هل لاحظ أوستن أن حرب نتنياهو دفعت العالم الحر كله إلى مديح "الإرهابيين"، وليس سكان غزة وحسب؟
المدفعية والقذائف الموجهة قد تحرق الأرض، ولكنها لا تنهي المعارك. حرب الستة أيام، التي يدرسها الإسرائيليون لأطفالهم، لم تكن قط حرب ستة أيام. فقد أدت إلى ستة أعوام من حرب الاستنزاف وانتهت بحرب أكتوبر التي كادت أن تأتي على "الجيب الاستيطاني" لولا تدخل نيكسون وكسنجر.
أفضت أكتوبر إلى سلسلة من الحروب الصغيرة حتى الآن. في المراحل كلها وقفت أميركا خلف الهوس التوراتي بأرض الميعاد، لا جديد في موقفها بالأمس. يعجز الدارسون الأميركيون عن إدراك المصلحة الاستراتيجية التي تجنيها أميركا من خلال ركضها كالمسحورة خلف متطرفي الكتاب المقدس. ففي الدراسة المهمة التي أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR قال أغلبية المستطلعة آراؤهم في روسيا، الهند، أندنوسيا، السعودية، الصين، وتركيا أن الغرب وأميركا هم العائق الأهم أمام السلام الروسي والأوكراني. بينما رأت أغلبية المستطلعة آراؤهم في أوروبا، أميركا، وكوريا الجنوبية أن روسيا هي السبب. كما رأت أغلبية في السعودية، الصين، روسيا، جنوب أفريقيا، تركيا والهند أن الحرب الروسية الأوكرانية لا بد وأن تنتهي حالاً حتى وإن احتفظ الروس بالأراضي التي احتلوها. وعندما طرح على المشمولين بالاستطلاع سؤال حول: إذا كان على بلدك أن يختار بين التحالف مع الصين أو أميركا قال ٤٠% من السعوديين، 30% من الأندنوسيين، 56% من الروس وحوالي 40% من الجنوب أفريقيين إنهم يفضلون الحلف الصيني. توصيات مركز الدراسة قدمت غلى هذا النحو: لقد بتنا نعيش، بالفعل، في à la catre World، أو: عالم متعدد الأقطاب.
يبدو أن السياسي الغربي لم يستوعب بعد هذه الحقيقة، حتى وهو يرى تعثر كل إجراءاته الاقتصادية تجاه روسيا بسبب من وجود طرق وأسواق وعالم مترامي الأطراف خارج "المركز الأبيض".
المقامرة الأميركية خلف الدولة الظالمة الأكبر في العالم (بحسب وصف چيچيك) ستأتي على كل محاولات أميركا لتقديم نفسها كديموقراطية صالحة يستجير بها طالبو الحرية في العالم. من وقت لآخر تؤكد أميركا حقيقتها كإمبراطورية ضاربة القوة محدودة الخيال. فلا يعرف أميركي واحد حتى الآن ما الذي جنته دولته من حروب ڤيتنام، العراق، أفغانستان، وفلسطين. على أن البيانات تؤكد أن حربي العراق وفلسطين، بالآثار المدمرة متوسطة وطويلة المدى على أميركا، لا تصب سوى في المصلحة الإسرائيلية. والأخيرة تجر خطام الدولة الأقوى وتستخدمها من أجل مصالحة في معادلة لا نظير لها في التاريخ، إذ تستخدم دولة بالغة الصغر عملاقاً كبيراً لتنفيذ مصالحها.
ثمة مثال مثير من حرب ١٩٦٧ حين قامت المقاتلات الإسرائيلية بتدمير السفينة الحربية الأميركية يو إس إس ليبرتي الجاثية في المياه الدولية على بعد ٤٥ كم من الحدود المصرية، ما أدى إلى مقتل حوالي ٣٤ بحار أميركي، وإصابة عشرات آخرين. عاود الطيران الإسرائيلي ضرب السفينة مرات عديدة بنية إغراقها كما يؤكد وزير الخارجية الأميركية آنذاك في مذكراته، وكما تقول شهادات الناجين. ما فعلته وزارة الدفاع الأميركية بعد ذلك أكثر إثارة: حظرت على الناجين الإدلاء بأي شهادة حول ما جرى!
أميركا في القبضة الإسرائيلية، كما قال شارون من قبل. وحين تصير إسرائيل إلى "الدولة الظالمة الأولى في العالم" فإن التعليق القادم من أميركا يأخذ هذه الصيغة الخالدة: إسرائيل الدولة الديموقراطية الوحيدة هناك ونحن ملتزمون بحماية أمنها.