تصعيد "الانتقالي" ضد الحكومة اليمنية.. تهرّب من مشاركة مسؤولية الإخفاقات
تصاعدت حدة الخلافات بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" والحكومة اليمنية، لتصل إلى ذروتها مع اتهام "الانتقالي" للحكومة بممارسة سياسة التجويع.
في هذا السياق، أكدت الأمانة العامة لهيئة رئاسة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، في بيان الأربعاء الماضي، وقوفها إلى جانب من أسمته "شعب الجنوب"، وحقوقه في التعبير السلمي ضد سياسة التجويع التي تمارسها الحكومة، وطريقة إدارتها للملف الاقتصادي من خلال حرب الخدمات. وحذر "الانتقالي" الحكومة من آثار سياستها الفاشلة في إدارة مختلف الأزمات الاقتصادية والخدمية، وأهمها الكهرباء والمياه ودفع رواتب موظفي القطاع العام.
وطالب الحكومة بتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه ما يعانيه المواطنون، وعدم خلق الأزمات، "في ظل المواجهات العسكرية التي تقودها القوات المسلحة الجنوبية في مختلف جبهات القتال ضد المليشيات الحوثية والجماعات الإرهابية".
الخلاف بين "الانتقالي" والحكومة ليس بجديد
وقال الكاتب الصحافي عمار علي أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن الخلاف بين "المجلس الانتقالي" والحكومة ليس بجديد، بل إنه مستمر منذ أشهر، إذ يتهم المجلس الحكومة علانية بالفشل، ويحمّلها مسؤولية التدهور في ملف الخدمات والاقتصاد. وسبق أن طالبت قيادة المجلس، وعلى رأسها عيدروس الزبيدي، بضرورة إقالة الحكومة وتشكيل واحدة جديدة.
وأضاف: "أنا أرى هذا الخلاف أمراً طبيعياً، ونتاج الخطأ الذي جرى عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في إبريل/نيسان العام الماضي، حيث كان يجب عقب هذه الخطوة التوافق على حكومة جديدة، لكون الحالية نتاج للواقع السياسي الذي فرضه اتفاق الرياض عام 2019، وهو واقع تم تجاوزه بتشكيل مجلس القيادة، وكان يجب أن يتبعه تشكيل حكومة من قبل القوى التي تشكل منها مجلس القيادة، وهو أمر طرحه الانتقالي حينها إلا أنه قوبل برفض سعودي، كما يقول نشطاء موالون للانتقالي".
وتابع أحمد: "ينظر الانتقالي للحكومة على أنها من إرث السلطة السابقة، سلطة الرئيس (السابق عبد ربه منصور) هادي التي كان لحزب الإصلاح نفوذ كبير فيها، بل إن بعض قيادات الانتقالي ترى أن الوزراء المحسوبين على الإصلاح أكثر من وزراء الانتقالي".
وأشار إلى أن "الانتقالي يرى أن تشكيلة الحكومة الحالية لا تعكس موازين القوى على الأرض، وأن تمثيله الحالي داخل الحكومة (5 من أصل 24 وزيراً) لا يتناسب مع حقيقة كونه القوة العسكرية والسياسية الأبرز على الخريطة المحررة في اليمن، بالإضافة إلى أنه بات ممثلاً بثلاثة أعضاء من أصل 8 داخل مجلس القيادة الرئاسي بعد انضمام العضوين أبو زرعة المحرمي وفرج البحسني لقيادة المجلس الانتقالي".
وكان "المجلس الانتقالي الجنوبي" قد طالب بضرورة إقالة حكومة معين عبدالملك، وتشكيل حكومة تقوم بمهامها في تحسين وتطوير الأوضاع بما يلبي احتياجات المواطنين. واستنكر، في بيان، ما سماه حالة الاغتراب للقيادات في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وتغاضيها عن معاناة الشعب، والعبث الاقتصادي والخدمي والفساد المستشري في مؤسسات الدولة وغياب الرقابة والتفتيش عنها.
هذه المواقف تعد بمثابة ابتزاز من وجهة نظر رئاسة الحكومة، التي تعتبر أن "الانتقالي" شريك فاعل في نجاحاتها أو إخفاقاتها، كونه يملك ممثلين فيها، بالإضافة إلى امتلاكه ثلاثة أعضاء من أصل ثمانية في مجلس القيادة الرئاسي، وبالتالي فعليه أن يتحمل مسؤولياته، ولا يرمي بها على رئاسة الحكومة.
محاولة "الانتقالي" الحصول على مكاسب إضافية
وقال الناشط السياسي هاشم الأبارة، لـ"العربي الجديد"، إن موقف "الانتقالي" ليس نتيجة لأداء الحكومة التي يُعتبر جزءا منها، بقدر ما هو توجه من قبل قياداته للحصول على ما يعتبرونه مكاسب إضافية على حساب الشراكة التي كانت غاية الاتفاقات السياسية ــ منذ اتفاق الرياض إلى اتفاق نقل السلطة وإعلان المجلس الرئاسي ــ لمعالجة الاختلالات الأمنية والسياسية والعسكرية في المناطق المحررة، ومواجهة التحديات التي تفرضها الحرب الحوثية على حياة الناس ومعيشتهم، وحسم هذه الحرب سلماً أو حرباً".
وأضاف الأبارة أن "مجازفة الانتقالي بالتمرد على الشراكة والتوافق، وذهابه للتصعيد ضد بعض أعضاء المجلس الرئاسي والحكومة، سيمثل تهديداً إضافياً للسلم الذي يسعى جميع أطراف المجلس الرئاسي والشركاء الإقليميون والدوليون لاستعادته، وقد تلقى الانتقالي رسائل جدية وواضحة بهذا الشأن".
وأشار الأبارة إلى أن "هناك مجلسا رئاسيا يمثل غالبية اليمنيين، ورغم اختلال التوازن فيه بعد انضمام النائبين أبو زرعة المحرمي واللواء فرج البحسني إلى الانتقالي، إلا أن التوافق والشراكة سيبقى هو الأساس الذي يقوم عليه المجلس، بغض النظر عن حصص القوى فيه".
اتهامات "الانتقالي" كيد سياسي
وأوضح أن "الشارع يفهم أن اتهامات الانتقالي للحكومة بالفساد، وهو لديه أكثر من وزير فيها، ليس أكثر من كيد سياسي، ومحاولة ابتزاز لتمرير مطالب فئوية، ولهذا فشلت محاولة تثوير الجماهير، فلجأت بعض القيادات العسكرية غير المنضبطة داخل الانتقالي إلى التحريض على إعادة عدن إلى مربع الحرب والاشتباكات والفوضى المسلحة".
ورأى مراقبون أن "الانتقالي" يسعى من خلال التصعيد ضد الحكومة إلى التفلت من مسؤولياته أمام الشارع الغاضب من تردي الخدمات العامة، وتدهور الأوضاع المعيشية.
وقال المحلل السياسي علي الفقيه، لـ"العربي الجديد"، إن تصاعد الخلافات بين الانتقالي والحكومة يعود في جزء منه إلى مسألة توفير الخدمات. وبما أن الانتقالي يسيطر على عدن وما حولها، وأصبح شريكاً في الحكومة ومجلس القيادة، فقد صار يشعر أنه مسؤول أمام الناس عن تردي الخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية للناس، فيحاول الضغط على الحكومة، ويصعد ضدها للدفع بها إلى واجهة المسؤولية، وإخلاء مسؤوليته عن هذا الجانب أمام الجماهير الذين ملوا وهم يسمعون شعارات سوقها لهم طوال السنوات الماضية.
مهمة "الانتقالي" تمرير مطالبه
ووفقاً للفقيه، فإن هذه الخلافات ستظل تتصاعد ما لم يتم تسويتها من قبل الأطراف الخارجية التي تدير اللعبة، وربما أيضاً تستمر في التصاعد كلما زادت التحركات الإقليمية من أجل إنهاء الحرب، إذ يرى الانتقالي أن مهمته تقتضي تمرير مطالبه التي يقول إن سقفها استعادة دولة الجنوب قبل الوصول إلى أي اتفاق سلام.
وأكد الفقيه أن كل هذه الخلافات تُضعف الشرعية وتجعلها أكثر هشاشة، وتسلب منها الكثير من نقاط قوتها أمام خصمها الذي يقدم نفسه للعالم والإقليم أنه كتلة موحدة متماسكة وقوية، لديها رؤية موحدة، ومركز اتخاذ قرار واضح، بينما تبدد الشرعية معظم جهودها وهي تحاول تسوية الخلافات بين الأطراف التي تضمها.
العربي الجديد