الحملة على رئيس الوزراء اليمني.. هل انتهت صلاحيته السياسية؟
تتعالى الانتقادات للحكومة اليمنية على خلفية عدم إحراز أي تقدّم في أكثر من ملف خدماتي وسياسي وعسكري، فيما برزت في الأيام الأخيرة أزمة بين رئيسها معين عبد الملك والمجلس الانتقالي الجنوبي، وسط مطالبات باستقالته.
وتأخذ الأزمة المتصاعدة والمطالبة برحيل الحكومة ورئيسها أبعاداً اقتصادية وسياسية وخدماتية وجغرافية، دفعت المجلس الانتقالي إلى تكرار مطالبته برحيل عبد الملك وإجراء تعديلات وتغييرات في الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، وهي مطالبة نوقشت في كل المشاورات التي جرت في الرياض، منذ عهد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، لكن الضغوط الإقليمية والدولية في كل مرة كانت "تنقذ" عبد الملك.
وفي كل مرة يتجدد الحديث عن احتمال تغيير عبد الملك الذي ينتمي إلى محافظة تعز (وسط البلاد وتُحسب جغرافياً على الشمال)، تُطرح العديد من الأسماء، فيما برزت هذه المرة أسماء جنوبية لتولي رئاسة الحكومة، ضمن ما يُعتبر من قبل جنوبيين أحقية الجنوب في تولي رئاسة الحكومة بحكم طبيعة الأرض المحررة تحت سلطة الشرعية اليمنية، وأغلبها في الجنوب، بينما أغلب مناطق الشمال تخضع لسيطرة الحوثيين.
مطالبات بإقالة عبد الملك
تعاني عدن من ظروف صعبة، مع الانقطاعات المتواصلة خلال اليوم للكهرباء في ظل ارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات كبيرة في الصيف، وزاد الأمر أن عدن تواجه أزمة مياه وأزمات أخرى في توفير معظم الخدمات.
وهاجم المجلس الانتقالي، يوم الثلاثاء الماضي، الحكومة اليمنية ورئيسها. وفي بيان أعقب اجتماع هيئة رئاسة المجلس في عدن، لمناقشة تدهور وتردي الأوضاع التي قال إنها "لم تعد تحتمل في الجنوب" على مختلف الأصعدة، اعتبر المجلس أن الأوضاع الراهنة أنتجتها من قال عنها "حكومة لا تشعر ورئيسها بأدنى شعور بالمسؤولية".
ولمّح "الانتقالي" إلى عودة "الإدارة الذاتية للجنوب" والتي بدأت بعض بوادرها من عدن، مؤكداً أن تصعيده هذا "ينطلق من أدبيات وأسس ووثائق المجلس للتأكيد بكل وضوح وشفافية أن إدارة الجنوب من قبل أبنائه بشراكة وطنية وفق ما جاء بالميثاق الوطني الذي أطلقه الشهر الماضي".
وقال البيان إن هيئة رئاسة الانتقالي وضعت "اللمسات الأخيرة والآليات العملية لعمل القيادة التنفيذية الجنوبية، التي تشكلت بقرار رئاسي من رئيس الانتقالي (نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي) اللواء عيدروس الزُبيدي، والتي بدأت تباشر مهامها بهذا الاتجاه". واتهم المجلس الحكومة ورئيسها ومن سماها "منظومة فساد" بإفراغ خزينة الدولة المالية والوصول إلى حافة الإفلاس، مؤكداً أن ذلك "يتزامن أيضاً مع التداعيات العسكرية والحشود على حدود الجنوب من قبل مليشيات الحوثي".
وجاءت هذه الخطوة من قبل "الانتقالي" بعد يوم من قرار محافظ عدن أحمد حامد لملس وقف توجيه إيرادات عدن إلى البنك المركزي أو مأرب، وقضى القرار باستخدام هذه الإيرادات لتغطية متطلبات خدمات عدن. وكان "الانتقالي" قد بدأ تصعيده في بداية الأسبوع من خلال هجوم نائب رئيس المجلس، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني أبو زرعة عبد الرحمن المحرمي، على الحكومة داعياً إلى إقالتها مع رئيسها بسبب ما قال إنه الفشل في حلحلة جميع الملفات وتدهور الأوضاع بشكل كبير وعودة انهيار العملة المتسارع.
وكيل وزارة الإعلام في الحكومة أسامة الشرمي، الموجود في عدن، قال لـ"العربي الجديد"، إنه "توجد مشكلة في الإدارة، لكن تفاقم هذه المشكلة لا يعني التصعيد السياسي ضد شخص رئيس الحكومة". وأضاف: "هناك تقصير في إدارة الموارد وتفعيل أو حماية المنشآت الحيوية لليمن، إضافة لذلك هناك أزمة خدمات كبيرة تعصف بالمناطق المحررة، وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن جراء سوء إدارة المرحلة".
وأشار إلى أن هذا الواقع "دفع السلطات المحلية سواء في عدن أو مختلف المحافظات إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تؤمن الدولة من خلالها الحد الأدنى من الخدمات لمواطنيها، وكل هذا جاء على حساب الحكومة". وتابع: "إذا كان هناك من سبب لتغيير رئيس الوزراء أو الحكومة، وهو ما لا نتمناه، فلن يكون سبباً سياسياً، بل هو سبب إداري بحت ناتج عن الفشل في إدارة الخدمات وتعزيز موارد الدولة". ودعا السلطات المحلية والمؤسسات المركزية للتعاون من أجل التخفيف من وطأة الظروف الراهنة على المواطنين، كون الشعب هو الحاضنة الرئيسية لمؤسسات الدولة ولمشروع الدولة ولقيادات الدولة.
في المقابل، يرى المجلس الانتقالي وفق قادة منه تواصلت معهم "العربي الجديد"، وبينهم من يشغل منصباً في الجمعية الوطنية (بمثابة برلمان المجلس) وآخرون في مناصب إدارية، أن عبد الملك وحكومته أصبحا "عبئاً وحملاً ثقيلاً".
وتتقاطع مواقف هؤلاء في انتقاد ما يسمونه "فشل عبد الملك في تحريك أو حل مشاكل الملفات الخدمية أو غيرها وفي مقدمتها فشله في حلحلة ملفات العاصمة عدن". ويذهب هؤلاء إلى أن هذا كله ينعكس سلباً على "الانتقالي" باعتبار المنطقة معقله وحاضنته الشعبية، لافتين إلى أن "الانتقالي" يلام على معاناة الناس والمجتمع ككل كونه شريكاً في الحكومة.
تفاهمات سياسية لحل الأزمة؟
من جهته، توقع المحلل السياسي اليمني باسم الحكيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تنتهي أزمة "الانتقالي" مع رئيس الوزراء "بتفاهمات سياسية يحصل فيها الانتقالي على مكاسب سياسية مقابل التراجع خطوة إلى الخلف".
وعما إذا كان فشل رئيس الحكومة في عدن هو ما قد يطيح به، قال الحكيمي إن موضوع الخدمات بات قضية سياسية تتاجر بها كل الأطراف وتتبادل رمي المسؤولية عنها، معتبراً أن الأمر يتعلق بالدعم الذي يقدمه التحالف بقيادة السعودية، موضحاً أنه إذا توفرت رغبة لدى المملكة بتقديم الدعم ستُحل كل المشاكل الاقتصادية والخدمية في عدن والمناطق المحررة. وأضاف: "أعتقد أنه في ظل الخلافات الصامتة بين الرياض وأبوظبي على النفوذ في المناطق الجنوبية، لن يكون هناك دعم حقيقي للحكومة، فكل ما سيحدث دعم رمزي ببعض المنح استجابة للضغوط وسيتم الإبقاء على توتر مسيطَر عليه في الساحة الجنوبية".
حراك عبد الملك لتخطي الأزمة
وبرز في الأيام الأخيرة حراك لرئيس الحكومة اليمنية، إذ انتقل إلى الرياض وأجرى سلسلة لقاءات واتصالات. وتلقى عبد الملك اتصالاً هاتفياً، يوم الأربعاء الماضي، من نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ منصور بن زايد، جرت خلاله مناقشة العلاقات الثنائية، ومساعي إحلال السلام وجهود الحكومة للتعاطي مع التحديات والحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة.
وبحسب رئاسة الحكومة اليمنية على "تويتر"، أطلع عبد الملك المسؤول الإماراتي على مجمل الأوضاع المستجدة والعوائق وأهمية استمرار الدعم الإنساني والتنموي، فيما جدد بن زايد تأكيد مواصلة دولة الإمارات دعمها ومساندتها لكل ما يحقق مصلحة الشعب اليمني ويساهم في ترسيخ أمنه واستقراره.
كما التقى عبد الملك السفير الإماراتي لدى اليمن محمد الزعابي، وبحث معه جهود إحلال السلام في اليمن، ودعم الحكومة والحفاظ على تماسكها من أجل أداء اعمالها، بما يحافظ على المؤسسات ومواصلة برنامج الإصلاحات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف المعاناة الإنسانية والخدمية.
من جهته، استعرض رئيس الوزراء اليمني مع السفير الإماراتي "مجالات التعاون والدعم الإنساني والتنموي، لوقف التدهور الاقتصادي والخدمي، على ضوء الحرب الاقتصادية الإرهابية لمليشيا الحوثي وتوقف تصدير النفط الخام، وجهود دعم الشرعية ومؤسساتها حتى استكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي".
وشدد عبد الملك على "ضرورة العمل من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة ودورها في عدم وصول الوضع الاقتصادي والإنساني للانهيار، وتخفيف معاناة المواطنين واستقرار الخدمات، مؤكداً أن "المسؤولية تكاملية، وأن الأولوية للبحث عن حلول عملية والالتفاف لمواجهة الحرب الاقتصادية والعسكرية الحوثية، وفق رئاسة الحكومة اليمنية.
كما ناقش عبد الملك مع المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ "مستجدات الأوضاع على الساحة الوطنية والموقف الأميركي تجاه التصعيد الحوثي وحربه الاقتصادية الإرهابية ضد الشعب اليمني، وتقويض أي خطوات جادة نحو السلام".
ويبدو أن عبد الملك يأمل في الحصول على دعم اقتصادي وسياسي سعودي وإماراتي لمساعدته على تخطي الأزمة الراهنة.
ورأى الإعلامي ياسين الرضوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن منصب رئيس الوزراء كان أكبر من قدرات عبد الملك، معتبراً أنه "منذ بداية تصعيده، لم تكن لديه مؤهلات حقيقية أساساً، لتصنع صعوده الصاروخي". وأضاف: "بالطبع الجميع اغتر به كظاهرة صوتية ونحن منهم، لكونه أولاً شاب وحسن الحديث، وكنا نظن أنه سيحرك المياه الراكدة، وسيخلّصنا من تكلس هذا المنصب العتيق؛ لكنه خيّب كل الآمال". ولفت إلى أن "عبد الملك تدرج في المناصب من وكيل وزارة إلى وزير للأشغال، ومباشرة أصبح رئيساً للوزراء، وهو تدرج سريع وغير منطقي".
وعن رؤيته لكيفية انتهاء الأزمة القائمة، قال إن "كل الاحتمالات ممكنة، لكن المؤشرات تفيد بأن عبد الملك يوشك على السقوط، ولأنه يدرك أنه قد يُعزل عقب تصريحات عضو المجلس الرئاسي أبو زرعة المحرمي، وتحرك بعدها مباشرة خطوة للخلف، لمحاولة التفاوض على بقائه.
أما عن الحلول الممكنة للأزمة الحالية، فرأى الرضوان أنه "لا توجد بيد عبد الملك عصا سحرية لإيجاد حلول في الوقت الضائع، ووصلنا إلى هذه المرحلة نتيجة خطوات متراكمة، لتظهر حالة الانسداد فشل الحكومة والمجلس الرئاسي معاً، فالأدوات الآن بأيديهما قليلة فيما الذهاب نحو حل أصبح ضرورة ملحّة".
واعتبر أن "الوضع القائم يخدم مصلحة الحوثي بكل المقاييس، لذلك يسعى الأخير لتحسين شروطه، لأنه يدرك حاجة الطرف الآخر الشديد لسلام طارئ ونادر، فاليمن أصبح بمثابة كرة نار ملتهبة، حتى التحالف تعب من حملها ويريد أن يرميها، لكن بحذر وخوفاً من شظاياها". وتابع: "لذلك قد نرى انهيارات دراماتيكية سريعة في المرحلة القليلة المقبلة، قد تكون لصالح الحوثي، أو نعود لحالة حرب أخرى، وهو ما لا يتحمله أحد".
العربي الجديد