ازدهار تجارة الخردة في اليمن... تنقيب عن الرزق لمواجهة صعوبات العيش
تشهد تجارة الخردة ازدهاراً لافتاً في اليمن، مع تنامي الإقبال عليها بصورة كبيرة من قبل شرائح مختلفة من المواطنين، للحصول على مصدر رزق يعينهم على مواجهة الصعوبات المعيشية الخانقة.
وتستقطب هذه المهنة أعداداً كبيرة من اليمنيين ممن فقدوا أعمالهم ورواتبهم وتقطعت بهم سبل الحياة، فكانت مهنة وتجارة الخردة وجمع المواد المعدنية والبلاستيكية والنحاس والألومنيوم التي يعاد تدويرها ملاذهم الرئيسي لكسب ما أمكن من مال وأجور يراها كثيرون زهيدة للغاية.
يقول المواطن الخمسيني خالد عبد الغفار، من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن الفقر وشح الفرص المتاحة في مجال عمله في طلاء المنازل لمن هم مثله من العمال بالأجر اليومي، دفعه وأبناءه الأربعة إلى الشوارع لجمع المخلفات البلاستيكية والمعدنية منذ ما يقارب ثلاث سنوات، والعمل في مجال تجارة الخردة.
"العمل في جمع الخردة وتدويرها، كان الخيار الوحيد المتاح بالنسبة للكثير من النازحين"، وفق المواطن عرفات، الذي نزح مع أسرته من محافظة الحديدة إلى عدن، قائلا لـ"العربي الجديد"، إن ما يجنيه من عائد نتيجة عمله في هذا المجال لا يتجاوز 3000 ريال في اليوم الواحد (2.4 دولار وفق سعر الصرف في عدن)، وأحياناً أقل من ذلك بكثير.
ويعتبر اليمن واحداً من أفقر البلدان وأكثرها معاناة من انعدام الأمن الغذائي في العالم، بحسب الأمم المتحدة، حيث تسبب الصراع والتدهور الاقتصادي الحاد وانهيار الخدمات الأساسية في تفاقم الوضع المحفوف بالمخاطر، إذ يحتاج نحو 21.6 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية في عام 2023، مع وجود 19 مليون مواطن إما في أزمة من الأزمات، أو في حالة من حالات الطوارئ، أو في مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
يفسر الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، لـ"العربي الجديد"، انتشار العمل في جمع الخردة وتدويرها، بأنه لم تكن هناك خيارات متاحة أمام الكثيرين للبقاء والصمود في وجه الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتضخمة سوى باللجوء إلى هذه الأنشطة، التي تعد من الأعمال الشاقة.
وأضاف العباسي أن هذه الصور من العمل تعبر عما ارتكبته أطراف الحرب بهذا الشعب الذي يعاني من تراكمات وفقر وبطالة مزمنة، بالنظر إلى الأعداد الهائلة التي تنتشر في الشوارع والأحياء من نساء وأطفال وكبار السن ونازحين ومواطنين فقدوا أعمالهم، وموظفين انقطعت رواتبهم.
وقال: "لم يعد هناك متسع للمزيد من المناكفات والتجاذبات بين أطراف الصراع التي عليها أن تستشعر مسؤوليتها وتفكر في حلول جادة وسريعة وملموسة للتعامل مع الموارد السيادية النفطية والغازية وتوظيف العوائد المالية والإيرادات العامة لصرف رواتب الموظفين المدنيين وتخفيف وطأة الأزمات المعيشية الحادة التي لم يعد يحتملها كثير من اليمنيين".
وفي الوقت الذي يشهد تناميا ملحوظا وتوسعا في تجارة الخردة في مختلف المدن والمناطق، إلا أن البلاد تعاني من انعدام العدد الكافي والمناسب للمنشآت الصناعية العاملة في هذا النوع من الأعمال، حيث تعمل في اليمن فقط خمسة مصانع وورش تتركز بدرجة رئيسية في صنعاء شمال اليمن وعدن جنوب البلاد.
ورغم تزايد أنشطة العمل في الخردة، إلا أنها تفتقر إلى الكثير من أدوات العمل. وقال حمير السماوي، تاجر خردة في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن هناك صعوبات بالغة للتعامل مع هذا الجانب من الأعمال الصناعية التي تفتقر إلى آلات الفرم ومعدات التدوير الخاصة بالمواد التعدينية والبلاستيكية.
وأكد أن العمل في مجال الخردة يتطلب خبرة وتجربة ودراية بوضعية الأسواق والأسعار ومصادر جلب الخردة، والتي لا تتوقف عند حدود المواد المعدنية والبلاستيكية، بل تشمل كذلك الحديد والنحاس والأجهزة الإلكترونية والمنزلية والألومنيوم وقطع الغيار.
بدوره، قال علي الحريبي، عضو جمعية الصناعيين اليمنيين، لـ"العربي الجديد"، إن تنمية وتطوير الأعمال المتعلقة بتدوير المخلفات يتطلب توفير حماية قانونية وتشريعية للعاملين في هذه الأنشطة. ويؤكد كثير من العاملين في هذا المجال تعرّضهم للابتزاز والعمل بأجور زهيدة، بينما يعانون في البحث عن المواد المعدنية والبلاستيكية وتجميعها وترتيبها من أجل الحصول على ما يعينهم على الحياة.
ووفق تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي، مطلع مايو/أيار الجاري، فإن انعدام الأمن الغذائي في اليمن لا يزال عند مستويات ارتفاع قياسية، بالرغم من انخفاض نسبة الأسر غير القادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية، حيث إن ما نسبته 48% منها غير قادرة على الوصول إلى ما يكفيها من الغذاء بحسب نتائج استطلاع قام بها البرنامج الأممي خلال مارس/آذار 2023.