تقويض النفط اليمني.. عام مجهول بسبب تهديد الحوثيين للمنشآت

وضع التهديد الذي تتعرض له منشآت تصدير النفط والغاز اليمنية في حالة طوارئ في الأسابيع الأخيرة بسبب التوقيت الحرج الذي صادف قرار الحوثيين استهداف هذه المرافق والمنشآت مع اقتراب العام الماضي من نهايته وإعلان تشكيل لجنة إعداد موازنة 2023 من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.


يأتي ذلك فضلاً عن التمهيد الذي سبق تدشين إجراءات إعداد موازنة اليمن للعام الجديد من خلال تسوية الحكومة اليمنية الكثير من العقود الاستثمارية مع الشركات النفطية والغازية المحلية والأجنبية والاستعداد لرفع مستوى الإنتاج والتصدير من النفط الخام وإعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال عبر ميناء بلحاف بمحافظة شبوة جنوب اليمن.


مصير الصادرات


ورسمت هذه التطورات صورة ضبابية للموازنة العامة للدولة في 2023، ومصير تصدير مورديها الرئيسيين المتمثلين بالنفط والغاز، والهدنة المتعثرة بين أطراف الصراع بسبب الخلاف حول صرف رواتب الموظفين وعائدات تصدير النفط.


وكشفت مصادر مسؤولة، فضلت عدم الإشارة إلى هويتها وصفتها، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن تغييرات واسعة في الخطط والسياسات الحكومية لعام 2023، بناءً على هذه التطورات الناتجة من استهداف الحوثيين لمرافئ تصدير النفط اليمني الخام في حضرموت وشبوة، وما نتج من ذلك من توقف ما كان يُصدَّر من النفط الخام من الحقول المنتجة بمحافظات اليمن الجنوبية والشرقية، نتيجة إحجام الشركات النفطية وشركات الشحن والنقل البحري عن التوجه إلى المرافئ اليمنية المحددة لشحن وتصدير شحنات النفط المتفق عليها مع الحكومة اليمنية، حسب المصادر.


وأشارت هذه المصادر إلى توجه حكومي لترشيد النفقات وتقليصها ومراجعة بعض البنود المتعلقة بالرواتب والموازنات التشغيلية وموقف الاحتياطيات الخارجية وتوقعات ميزان المدفوعات وآفاق التصورات المستقبلية في ضوء التطورات غير المواتية التي انعكست سلباً على الموارد المحلية والخارجية والخيارات المتاحة لمواجهة الالتزامات الحتمية والنفقات الضرورية.


أزمة عميقة


يرى المحلل الاقتصادي أكرم الشلفي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اليمن مقبلٌ على أزمة عميقة هذا العام بسبب التهديدات التي تطاول منشآت تصدير النفط والغاز التي تشكل المورد الرئيسي للموازنة العامة للدولة في اليمن، إذ ستواجه مأزقاً حقيقياً في إعداد موازنة العام الجديد وتنفيذ خطة معالجة الديون المتراكمة وفق الآلية الجديدة التي تسعى لتنفيذها.


إلى ذلك، وجهت وزارة المالية في الحكومة اليمنية فيما قالت إنه يأتي في إطار تفعيل الدور الرقابي في المؤسسات العامة بإغلاق كل الحسابات الحكومية خارج البنك المركزي، ووقف الصرف من الوفورات، كما وقف الصرف المباشر من الإيرادات، وتقيد المنح والهبات والتبرعات، إضافة إلى الاقتصاد في النفقات، ورفع التقارير الدورية الخاصة بالحسابات المالية إلى الوزارة من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة بهذا الصدد.


ودفع تعثر تمديد الهدنة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، الحوثيين إلى مخاطبة الشركات الاستثمارية في قطاع النفط والغاز، بأن عليها التوقف نهائياً عما أسموه نهب الثروات اليمنية السيادية، وتحميلها المسؤولية الكاملة في حال عدم الالتزام، إذ اتبعوا ذلك باستهداف موانئ لتصدير النفط في شبوة وحضرموت جنوبيّ اليمن بالطائرات.


ويشرح الخبير القانوني، أحمد الورد، لـ"العربي الجديد"، أن تطورات الأحداث الأخيرة كانت بمثابة ضربة قوية لليمن في الأسواق الدولية، وخفض تصنيفها الائتماني إلى أدنى مستوى ووضعها في درجة الخطورة الشديدة، ستكون له تبعات وخيمة على المستويات كافة، قد تصل إلى جوانب الدعم والتمويلات وقروض المؤسسات والصناديق الدولية، إذ يأتي ذلك امتداداً لما رافق تسوية العقود مع الشركات والقطاعات المنتجة والمصدرة من غموض ومخالفات نتيجة للضغوط الدولية التي تعرض لها اليمن وتردي وضع البلاد الاقتصادي وحاجتها للإيرادات المالية والودائع والقروض والتمويلات الدولية.


وتتهم سلطة الحوثيين بصنعاء الحكومة اليمنية بنهب الثروات الطبيعية النفطية وتصدير ما قدرته بأكثر من 11 مليون برميل من النفط الخام بقيمة تزيد على مليار دولار خلال عام 2022.


استهداف الحوثيين للمنشآت


في المقابل، اعتبر مصدر حكومي مسؤول، تحدث لـ"العربي الجديد"، أن استهداف الحوثيين المنشآت الاقتصادية اليمنية السيادية بمثابة جريمة وانتهاك صارخ للقوانين الدولية، تتطلب إجراءات رادعة تجاه هذه الأعمال التي وصفها بالتطاول، مؤكداً توجه الحكومة اليمنية إلى فرض مزيد من الإجراءات العقابية بحق الحوثيين.


الخبير في المعهد الوطني للعلوم المالية والإدارية، عبد الولي الحمزي، يتحدث لـ"العربي الجديد" عن تغييرات واسعة في ما وصفها بلعبة الصراع في اليمن التي تستمر طوال عام 2023، والتي ستتركز في القطاع النفطي والغازي، مدفوعة باهتمام المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الكبرى، بالمصادر النفطية والغازية، بسبب انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا وموقف "أوبك" والدول المتحالفة معها من خفض الإنتاج من النفط بنحو مليوني برميل يومياً أخيراً، وإصرارها على موقفها، وهو ما دفع دولاً كثيرة إلى البحث عن مصادر أخرى بديلة.


يشرح الخبير القانوني، أحمد الورد، لـ"العربي الجديد"، أن تطورات الأحداث الأخيرة كانت بمثابة ضربة قوية لليمن في الأسواق الدولية


ويشدد مصرفيون وخبراء اقتصاد على ضرورة معالجة كثير من الإشكاليات والاختلالات الاقتصادية والمالية والإدارية قبل إعلان الموازنة الجديدة التي تأخرت، إذ تحتاج في هذا الصدد إلى مساعدة الجهات والمؤسسات المالية الدولية لإعداد الموازنة وتنظيم القنوات الإيرادية والفنية في الجوانب المالية والنقدية والاقتصادية.


وبادر البنك المركزي اليمني في عدن الأربعاء 28 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بتقديم خطة متضمنة عدداً من المقترحات لمساعدة الحكومة اليمنية في تحسين الموقف في جانبي الموارد والإنفاق، والسياسات في القطاعات الأخرى، باعتبار البنك هو المستشار المالي للحكومة.


وشملت الخطة مجموعة آليات للتنسيق بين السياسة المالية والنقدية، لتقليص التداعيات السلبية على عائدات الدولة من النقد الأجنبي جراء توقف تصدير النفط، وحماية الاستقرار النسبي لسعر صرف العملة الوطنية والمستوى العام للأسعار.


وساهمت الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015، وما رافقها من صراع طاحن وانقسام أدى إلى تهديد موسع لمختلف القطاعات الإنتاجية، وسط تهاو متواصل للعملة المحلية وانخفاض قياسي لقيمتها مقابل العملات الأجنبية.


العربي الجديد