تهديد الحوثيين بالعودة للحرب: ابتزاز وهروب من الأزمة الداخلية

للشهر الثالث على التوالي منذ انتهاء الهدنة الأممية في اليمن، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فشلت كل الجهود الدبلوماسية الأممية والأميركية في إقناع الحوثيين بتمديدها، وظلّ الحوثيون متمسكين بشروطهم التي وُصفت بـ"المتطرفة" من قبل مجلس الأمن. ولم تتوقف تهديدات الحوثيين بالتصعيد العسكري خلال الفترة الماضية ضمن دعوتهم لتحقيق شروطهم.


وبالتزامن مع انتهاء زيارة الوفد العماني إلى صنعاء الأحد الماضي، وهي الثالثة من نوعها منذ إعلان الهدنة في 2 إبريل/نيسان الماضي، أعلن الحوثيون ما سموها "مرحلة جديدة" وأنهم غير ملزمين بوقف إطلاق النار.


وكانت الهدنة الأممية قد انتهت في أكتوبر الماضي بعد استمرارية دامت ستة أشهر منذ 2 إبريل/نيسان الماضي، ودخلت بعدها الحرب في اليمن حالة من السكون ولم تشهد تصعيداً عسكرياً كبيراً، إذ ما زالت الأطراف المختلفة ملتزمة بحالة الهدوء، عدا بعض المواجهات المتقطعة في جبهات عدة.


ونفّذ الحوثيون هجمات بالطائرات المسيّرة في أواخر أكتوبر الماضي، على موانئ تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة (شرق اليمن)، لمنع تصدير النفط الخام من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، لكن على الرغم من أن هذا الهجوم منع الحكومة من أهم إيراداتها، إلا أن ردها كان غير عسكري واقتصر على إعلان جماعة الحوثي "منظمة إرهابية".


وبدا الحوثيون أكثر تمسكاً بشروطهم لتمديد الهدنة، وكررت قيادات الجماعة تلك الشروط وأبرزها صرف الرواتب في مناطق سيطرتهم من عائدات النفط والغاز، بالإضافة إلى توسيع الرحلات من مطار صنعاء، وإنهاء القيود المفروضة على ميناء الحديدة، أو ما تُطلق عليه الجماعة "إنهاء الحصار". ويريد الحوثيون فصل ذلك عن أي مسارات سياسية أخرى.


وعقب انتهاء الهدنة أعلن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، عن مقترح لتمديد الاتفاق، تضمّن صرف رواتب الموظفين وبقية مطالب الحوثيين، وأكد أن الحكومة اليمنية تعاملت بإيجابية مع المقترح. في المقابل أعلن الحوثيون وصول المفاوضات إلى "طريق مسدود" حينها، وعبّروا عن رفضهم تمديد الهدنة، وبدأوا رفع سقف مطالبهم.


تهديد الحوثيين بالعودة للحرب


وخلال الزيارة الأخيرة للوفد العماني إلى صنعاء، ألمح الحوثيون إلى وعود وتقدم بشأن صرف الرواتب، وكشف رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام عن تلقيهم وعوداً بتنفيذ متطلباتهم بصرف الرواتب، وقال: "أبلغونا أنه لا توجد مشكلة في ذلك".


غير أن خيار الحرب يبقى الأبرز لدى الحوثيين مع تهديد عبد السلام بالقول: "قواتنا على الميدان فرضت قواعد اشتباك جديدة، ودخلنا مرحلة جديدة، وحالياً لسنا أمام أي التزام في ما يتعلق بوقف إطلاق النار". وحذّر من أي إجراءات اقتصادية ضدهم "قد تقلب الطاولة وتعيدنا إلى نقطة الصفر".


وكان المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ قد اعتبر أن الحوثيين "طرحوا مطالب مبالغاً فيها ومستحيلة" بشأن آلية مقترحة لدفع رواتب القطاع العام. وذكر في إحاطته لمجلس الأمن في 13 أكتوبر الماضي، أن "الحوثيين جاؤوا بمطالب إضافية لم يكن من الممكن تلبيتها".


وتصاعدت مطالب الحوثيين وارتفع سقفها، استغلالاً لحاجة المجتمع الدولي لتهدئة الحرب في اليمن، ومنع الهجمات التي ينفذونها على الأراضي السعودية وتستهدف منشآت النفط، بالتزامن مع أزمة الطاقة العالمية جراء الحرب الأوكرانية الروسية.


تلك المخاوف عبّرت عنها تحركات دبلوماسية أميركية وأممية خلال الأشهر الماضية بين الرياض وأبوظبي ومسقط، من أجل عقد لقاءات مع الأطراف اليمنية والدول الداعمة لها والوسطاء العُمانيين الذين يرعون مفاوضات ثنائية سرية بين السعودية والحوثيين.


ورأى الباحث العسكري علي الذهب "أن الحوثيين يناورون في مسألة الوقت بالنظر إلى حاجة التحالف الذي تقوده السعودية، والمجتمع الدولي، لاستمرار حالة السلام، وهم يعرفون أن مطالبهم تعجيزية لكنها ستحقق لهم مكاسب إضافية".


وأضاف الذهب في حديث مع "العربي الجديد": "لو لم تكن الهدنة مربحة للحوثيين لاستأنفوا القتال، لكنها حققت لهم الكثير من المكاسب، ومنها وقف العمليات الجوية للتحالف، وهذا كان أكبر تحدٍ لهم، بالإضافة إلى تدفق الوقود والسلع، التي تحقق عوائد كبيرة لهم".


وتابع: "التهدئة الحالية تحقق للحوثيين مكاسب، فيستغلون الوقت من خلال المفاوضات المستمرة معهم، عبر وضع سقوف معينة لمطالبهم وتحقيق الحد المقبول منها".


وأشار الذهب إلى أنه "إذا رأى الحوثيون أن التهدئة الحالية لا تحقق لهم مكاسب، سيستأنفون القتال بالتأكيد، لكن على المستوى الداخلي فقط، مع إبقاء حالة الهدنة مع التحالف، وسيركزون على الجبهات الهشة لمحاولة فرض واقع جديد أو تحسين شروط التفاوض".


وأضاف أن "حسابات التصعيد بين الحكومة اليمنية والحوثيين مرتبطة بإرادة دولية لها مصالح مرتبط لديهما، بمعنى أن الحوثيين لا يمكن أن يصعّدوا عسكرياً من دون تراخي المجتمع الدولي الذي يفرض رقابة على كافة الأطراف".


وفي السياق، رأت الباحثة ميساء شجاع الدين أن "الحوثيين يحاولون دائماً توجيه رسائل بأنهم مستعدون لخيار الحرب، وهم بالتأكيد أكثر ثقة بخيار الحرب، فإذا لم يستطيعوا حل المشاكل الاقتصادية لامتصاص الغضب الشعبي فالحرب هي الخيار لعودتهم إلى الدائرة القديمة في التبرير".


وقالت في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "الهدنة ما زالت صامدة، ولو أراد الحوثيون التصعيد العسكري لشنّوا هجوماً عسكرياً كبيراً على مأرب أو تعز، أو هجمات صاروخية على السعودية"، لافتة إلى أن "الهجمات على موانئ النفط هي أكبر تصعيد، وكانت من منطلق أن الثروة يجب أن نتشاركها معاً، في رسالة مفادها أن هدفنا ليس التصعيد الواسع، بل رفع المطالب الاقتصادية".


وأشارت شجاع الدين إلى أن "الحوثيين بالهم طويل في التفاوض وكل هذا التشدد هو لتحسين وضعهم الاقتصادي بدرجة أساسية، لكن سقفهم مرتفع بهذه المسألة".


وبحسب شجاع الدين فإن "الخيارات المتاحة أمام الحوثيين هي، إما تحقيق مكاسب اقتصادية تمتص الغضب الشعبي الذي يواجهونه في الشارع، أو التصعيد العسكري للهروب من هذا الغضب". وأضافت: "يعمل الحوثيون على معالجة الغضب الشعبي بإصرارهم على صرف الرواتب، فحاولوا رفع السقف أكثر من توقعات الحكومة اليمنية".


ابتزاز حوثي وهروب من الأزمة الداخلية


من جهته، رأى الكاتب الصحافي سلمان المقرمي "أن المحدد الأهم في التصعيد الحوثي ورفض تمديد الهدنة، هو الغضب الشعبي المتفاقم في مناطق سيطرتهم، وبالتالي يسعون من خلال استراتيجية إبقاء حالة التعبئة للحرب، تبرير كبح جماح أي تحرك شعبي بحجة وجود حرب".


وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحوثي أكد أكثر من مرة أن الهدنة مرحلة من مراحل الحرب، وفي الوقت نفسه يعي جيداً أن العامل الاقتصادي دفع بكثير من أنصاره إلى تحويل أولوياتهم وتراخيهم عن الاستمرار في الحرب، وهو يرفع المطالب الاقتصادية لتهدئة الغضب".


وقال المقرمي: "يستطيع الحوثي بالطيران المسيّر الإيراني تهديد مصادر النفط والموانئ وتعطيل موارد الحكومة، لكن منظومته العسكرية لا تكفي لخوض معركة شاملة مجدداً".



وأضاف: "يريد الحوثيون انتزاع مطالب لإقناع أنصارهم أنهم ما زالوا الأقوى عسكرياً، بعد أن تلاشت هيبتهم منذ هزيمتهم مطلع العام الحالي في شبوة، لذلك هم لا يهددون بشن هجمات عسكرية للسيطرة على المحافظات حتى الآن، بل على الملاحة والنفط والموانئ".


وتابع: "يريد الحوثي بكل الوسائل تهدئة الشارع في مناطقه، سواء من خلال الرواتب، أو تصوير نفسه أنه الأقوى عسكرياً، وسنرى في المستقبل تعدد المطالب الحوثية كلما تصاعدت درجة الغضب الشعبي".


وتفاقمت الأزمة المعيشية خلال الأشهر الماضية في مناطق سيطرة الحوثيين، على الرغم من الهدنة وحالة التهدئة القائمة، في ظل تقلص المساعدات الإنسانية. وأفاد برنامج الغذاء العالمي في اليمن، بأنه لا يزال يواجه عجزاً كبيراً في التمويل يؤثر على المستفيدين، وحذّر من أن ملايين الأسر اليمنية ستواجه صعوبة في شراء الغذاء خلال الأشهر المقبلة.


وترفض جماعة الحوثي أي احتجاج للمطالبة بحقوق أو خدمات منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، والمبرر الدائم هو أن الجماعة في حالة حرب وتتعرض لحصار، لكن الهدنة خلال الفترة الماضية لم تغير شيئاً في واقع المواطنين مما خلق مخاوف لدى الحوثيين من استغلال ذلك ضد سلطتهم.


وخلال ثماني سنوات من الحرب والمعارك في عدد من جبهات القتال، استنزفت جماعة الحوثي وتكبدت كثير من الخسائر في صفوف مقاتليها المدربين، مما اضطرها لحملات تعبئة مستمرة للتجنيد، بعد أن نفذت هجمات كبيرة في محيط مدينة مأرب وخسرت مناطق كانت سيطرت عليها في شبوة مطلع العام الحالي.


العربي الجديد