الزراعة باليمن.. خسائر كبيرة تحت تقلبات المناخ بعد أشهر من الجفاف

يواجه اليمن تحديات هائلة نتيجةً لما يمر به من تغيرات مناخية واسعة وسط غياب الخطط والتدخلات الحكومية للحد من تأثيراتها المدمرة على قطاع الزراعة الذي يعتبر المشغل للأيدي العاملة في البلاد، والمصدر الرئيسي للغذاء.


ويشهد اليمن منذ منتصف يوليو/ تموز الماضي، هطول أمطار غزيرة مدمرة على معظم أرجاء البلاد، أدت إلى حدوث سيول تسببت بآثار مدمرة في الأرواح وسبل المعيشة، يأتي ذلك كما تؤكد جهات زراعية محلية ومنظمات أممية بعد 6 أشهر من الجفاف الذي تسبب في فقدان الغذاء والدخل حيث خسرت معظم الأسر الموسم الزراعي الأول الذي يبدأ في معظم المناطق اليمنية منذ نهاية شهر يونيو/ حزيران.


كما خسر المزارعون في العديد من المناطق الموسم الزراعي الصيفي الثاني الذي بدأ منذ منتصف يوليو/ تموز، بسبب المتغيرات الطارئة والمفاجئة في الطقس والمناخ وما يحدث من سيول وفيضانات تكبدهم خسائر وأضراراً جسيمة.


وتعرضت للتقلبات المناخية من جفاف وسيول مناطق كثيرة بمحافظات تعز بشكل خاص والحديدة وحجة وريمة جنوب وشمال غربي اليمن، إضافة إلى الجوف ومأرب، وأبين ولحج في جنوب البلاد. وذكر مزارعون أنه نتيجة التقلبات المناخية وعدم المساندة الحكومية، أعادوا حراثة أرضهم مرة أخرى في ظرف 20 يوماً نتيجة فشل العملية الأولى وتأخر نمو نبات المحاصيل.


ناصر علي، وهو أحد المزارعين من منطقة واقعة شرق محافظة تعز، يقول لـ"العربي الجديد"، إنهم اضطروا لإعادة حرث وزراعة أرضهم باستخدام الحمير والجمال بعدما أنفقوا كل ما لديهم في العملية الأولى على الحراثة الزراعية. بينما يذكر عبد الله الجمري وهو مزارع في محافظة ريمة غربي اليمن، لـ"العربي الجديد"، أن المحراث التقليدي الذي يُجر بواسطة الثور هو الأكثر استخداماً في مناطقهم التي تطغى عليها المدرجات الزراعية.


وتشير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" إلى أن تقلبات الطقس نتيجة تغير المناخ في اليمن تدفع انعدام الأمن الغذائي والجوع إلى مستويات مقلقة في الوقت الذي تعجز أغلب الأسر عن شراء الغذاء من الأسواق مع ارتفاع أسعار الأغذية عالمياً.


ويدعو تقرير صادر حديثاً السلطات اليمنية إلى رسم خطة استراتيجية لتحقيق مستوى عالٍ من الأمن الغذائي بحلول عام 2030، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمن المائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن الغذائي. لذلك، سيكون الاستخدام الفعال للمياه وإعادة التدوير مفتاحي النجاح في الأمن الغذائي، حسب التقرير الحكومي.


كما فاقم انخفاض مساحة الأراضي المزروعة في اليمن بمعدل يزيد على 38%، مشكلة النقص الحاد للغذاء. وقد أظهرت أبحاث البنك الدولي حول التكيف مع المناخ، أن ما يقرب من ثلثي اليمنيين لا يزالون يعتمدون على الزراعة لتلبية احتياجات معيشتهم الأساسية.


ويؤكد الخبير الزراعي سيف علوان، لـ"العربي الجديد"، أن المزارعين اليمنيين يواجهون حربا أخرى مكلفة للغاية تتمثل في أزمات الوقود المركبة وارتفاعها القياسي والتي استحوذت هذا العام على الفترة التمهيدية للموسم الزراعي الصيفي في مختلف المناطق اليمنية، وذلك خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 2022.


وأضاف علوان: "كانت تقلبات الطقس والمناخ والأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات التي تشهدها معظم المناطق منذ منتصف يوليو/ تموز الماضي بمثابة جائحة كارثية قضت على موسم الكثير من المزارعين، بحيث لم تترك لهم أي فرصة تمكنهم من استيعاب تبعات هذه الأمطار والسيول المدمرة وإلحاق ما تبقى من الموسم الزراعي".


في صنعاء تدرس الدوائر والهيئات الزراعية العامة تنفيذ مشروع خاص بزراعة الأراضي الصحراوية المروية بمياه السيول والأمطار في بعض المناطق والمحافظات لاستغلالها في زراعة الحبوب.


ويعتبر القطاع الزراعي مصدر الرزق الرئيسي لأكثر من نصف السكان اليمنيين وقبل اندلاع النزاع، كان يعمل في القطاع أكثر من نصف القوى العاملة بنحو 54% من إجمالي العاملين، وكان المصدر الرئيسي للدخل لنحو 73% من السكان إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الخدمات والصناعات التي تخدم الاقتصاد الزراعي، حسب بيانات رسمية.


ويواجه القطاع العديد من التحديات، بما في ذلك ارتفاع مستوى الفقر، والنمو السكاني السريع، وضعف الربط بين البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وقاعدة الموارد الطبيعية الهشة والمحددة للغاية التي تحد من الإنتاجية. وتتمثل النظم الزراعية الرئيسية في المرتفعات الجبلية التي تغذيها الأمطار، والتي تتميز بالزراعة في المدرجات للبن والفواكه والحبوب، والإنتاج الحيواني الواسع، والسهول التي تسود فيها البستنة بالري والمحاصيل الحقلية.


وتشكل المناطق الجبلية الزراعية الفقيرة في المرتفعات تحدياً، حيث يعيش ثلثا سكان اليمن الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في مناطق المرتفعات الجبلية التي تغذيها الأمطار. ويأتي نحو 75% من الإنتاج الزراعي من هذه المرتفعات التي تؤمن السكن لنحو 60% من اليمنيين.


وحسب الباحث الاقتصادي جمال راوح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن اليمنيين يفقدون ما تبقى لهم من سبل العيش بسبب التغيرات المناخية وسقوط الأمطار الغزيرة خارج المواسم الزراعية والكوارث الطبيعية والسيول والفيضانات المدمرة التي تجرف منذ الشهر الماضي أرزاق كثير من الأسر اليمنية في مختلف مناطق البلاد من محاصيل وأراضي زراعية ومواشٍ ومنازل وممتلكات دون أن يلتفت لهم أحد مع تلاشي دور مؤسسات الدولة وانشغال الأطراف والجهات المعنية بما يدور من صراع مكلف لم يعد يتوقف عند حدود المواجهات العسكرية.


ودفعت مجموعة من العوامل الطارئة خلال العامين الماضيين إلى جانب تبعات ومخلفات الحرب الدائرة في اليمن، مثل التغيرات المناخية والجفاف وسقوط الأمطار في غير مواسمها والأعاصير والسيول الجارفة، إلى استمرار تهاوي زراعة الحبوب في البلاد لتنخفض وفق بيانات زراعية تقديرية إلى نحو 300 ألف طن سنوياً.


وكان إنتاج اليمن من محاصيل الحبوب مثل القمح والذرة والدخان والشعير يصل إلى نحو 700 ألف طن عام 2014. كما انخفضت أيضا المساحة المزروعة بهذه المحاصيل إلى 500 ألف هكتار من 727 ألف هكتار.