اليمن: تضخم فاتورة الإنفاق على الطاقة بسبب تهالك محطات الكهرباء

يعاني اليمن من تضخم كبير في تكاليف الإنفاق على الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري، والتي أصبحت تشكل عبئا ماليا كبيرا مع تقادم وتهالك محطات التوليد الكهربائي الحكومية، في ظل أوضاع اقتصادية متردية وتدهور يطاول مختلف القطاعات الخدمية العامة.


ويصرف اليمن حالياً نحو 1.2 مليار دولار سنوياً على واردات الوقود لتوليد ما مقداره غيغاوات واحد فقط من الطاقة الكهربائية، ما يجعل فاتورة الإنفاق المتضخمة بمثابة هدر وتسرب مالي بدون فوائد واقعية بالإمكان تحقيقها في ظل معاناة البلاد وحاجتها الماسة للموارد المالية لتغطية تكاليف الإنفاق على تحقيق الاستقرار النقدي وفاتورة الغذاء وبقية الاحتياجات الضرورية.


وفي المقابل، يقدر تقرير اقتصادي رسمي صادر حديثاً اطلعت عليه "العربي الجديد"، حجم احتياج اليمن الفعلي من الطاقة بأنه يصل إلى نحو 14 غيغاوات، يتوقع ارتفاعه إلى ما يقرب من 19 غيغاوات بحلول 2030.


ويرى التقرير أن بإمكان اليمن أن يتحول بسرعة إلى توليد الكمية المطلوبة الحالية من الكهرباء من خلال مصادر الطاقة المتجددة بتكلفة أولية قدرها 1.8 إلى 2.3 مليار دولار، ما يزيد قليلاً عن تكلفة عامين من واردات الوقود.


كما أن استخدام الطاقة المتجددة وربط اليمنيين بخدمة إنترنت موثوقة وبتكلفة مقبولة سيؤدي إلى تخفيض أسعار المواد الغذائية بشكل قياسي وتحسين قيمة الريال، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي وخلق مئات الآلاف من فرص العمل المستدامة.


ويؤكد مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم الكشف عن هويته، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قطاع الكهرباء وتحسين خدمة الطاقة المقدمة يأتيان في طليعة أولويات الحكومة نظراً لاحتياجات وقدرات هذا القطاع في استيعاب نسبة كبيرة من التمويلات الدولية التي بإمكانها النهوض بقطاع الطاقة الكهربائية، بما ينعكس على بقية الخدمات والقطاعات الخدمية والتنموية الأخرى، إذ إن هناك، وفق حديثه، جهودا حثيثة تتركز في هذا الجانب ومنها مشاريع لإنشاء محطات توليد منها محطة الرئيس الجديدة في عدن.


لكن المحطة الكهربائية التي أعلنت الجهات الحكومية المختصة في عدن بدء عملية تشغيلها التجريبي نهاية العام 2020، بقدرة توليدية تصل إلى نحو 500 ميغاواط، لم يتم استخدامها وإدخالها في منظومة العمل حتى اليوم لأسباب مجهولة.


الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يلفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذا القطاع محل صراع واسع بين مختلف الأقطاب السياسية والاقتصادية في اليمن نظراً لحجم الموارد المالية الضخمة التي يتم تخصيصها لعقود شراء الطاقة، إضافة إلى المنح والدعم الدولي الذي يوجه له، كما لاحظ الجميع ذلك في المنحة النفطية السعودية المخصصة لتمويل كهرباء عدن، إضافة إلى الوديعة المالية السابقة البالغة مليارا دولار، أو ما توفر من موارد مالية من عائدات صادرات النفط اليمني مؤخراً والذي يتم توجيه جزء من عائداته للكهرباء.


وأعلن البنك الدولي مطلع يوليو/ تموز الحالي، عن تقديم منحة قدرها 100 مليون دولار إضافية للمرحلة الثانية من المشروع الطارئ لتوفير الكهرباء في اليمن.


ويأتي قطاع الكهرباء في طليعة القطاعات المتضررة من الحرب في اليمن، بالذات المناطق التي كانت تحصل على التيار من الشبكة الموحدة قبل بدء الصراع عام 2015، فقد شهدت إما تدمير بنيتها التحتية أو تعذر حصولها على الكهرباء نظراً لانخفاض قدرات التوليد على الشبكة الرئيسية.


الخبير الفني في مجال الكهرباء، توفيق شمسان، يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن تأثير الأزمات الدولية كذلك على قطاع الطاقة الكهربائية في اليمن، وتبعات الحرب في أوكرانيا وتسببها باضطراب الأسواق وارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، الأمر الذي سيلقي بتبعات كارثية على الدول مثل اليمن التي تعتمد على الاستيراد في توفير احتياجاتها من الوقود وشراء الطاقة لتشغيل محطات التوليد المتاحة للكهرباء العامة، التي يخصص لها موازنة تشغيلية كبيرة لتأهيلها وصيانتها باستمرار.


ويرى خبراء أن توفير الطاقة المتجددة وإتاحة الإمكانية للوصول إلى مختلف الخدمات الأخرى كالاتصالات والإنترنت السريع لما نسبته 100% من اليمنيين، خلال عشر سنوات، يجب أن يكونا هدفاً رئيسياً لصناع القرار لأن ذلك سيحدث ثورة في الاقتصاد اليمني بأكمله.


بدوره، يرى المحلل الاقتصادي فؤاد نعمان، أن الاختلالات في قطاع الطاقة الكهربائية يكلف اليمن كثيراً من تضخم فاتورة تكاليف الإنفاق على شراء الوقود، الأمر الذي يتطلب رفع وتيرة الإصلاحات الخاصة في إجراءات الشراء وتعزيز آليات الرقابة على الإنفاق.