موظفو اليمن... نصف راتب لا يكفي كسوة العيد

بتذمر شديد يتهم الأربعيني طاهر علي السلطات الحالية في اليمن بإهانتهم كموظفين وقعوا ضحايا لأطراف حرب تعبث وتستبد بهم وتتلذذ بمعاناتهم التي تصل إلى ذروتها في مثل هذه المناسبات قبل أيام من قدوم عيد الأضحى.

يضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري أصبح غير مقبول على الإطلاق في ظل سلطات وأطراف تتصارع على قوتهم اليومي وحرمانهم منه، سلطة في عدن تمتنع عن صرف رواتبهم كموظفين مدنيين في المؤسسات العامة، وسلطة في صنعاء ترمي للموظفين بنصف راتب موسمي كل عيد.

ومن جانبه، يتساءل المواطن أمين جمال، وهو من سكان صنعاء، في حديث لـ"العربي الجديد": "ماذا أفعل بنصف راتب لا يوفر حتى كسوة طفل واحد أو أبسط الاحتياجات الغذائية الضرورية؟" التي لا يكفي نصف راتب أمين البالغ 35 ألف ريال (الدولار = نحو 1125 ريالا) كموظف من الدرجة الخامسة لتلبية بعض احتياجات أسرته المعيشية لمدة أسبوع.

نسبة كبيرة من اليمنيين كانت تعتمد على رواتب الوظيفة الحكومية التي فقدتها منذ نهاية العام 2017، الأمر الذي انعكس على مختلف جوانب الحياة المعيشية والأسواق التجارية التي يخيم عليها البؤس وعلى اليمنيين بشكل عام.

يقول الخبير الاقتصادي ياسين القاضي، لـ"العربي الجديد"، إن التلكؤ في حل مشكلة رواتب الموظفين المدنيين المعلقة منذ نهاية العام 2016، يراكم مضاعفات الفقر وتبعاته القاتمة على المجتمع والدولة في اليمن يصعب التعامل معها مستقبلاً في حال إحلال السلام في البلاد.

ويرجح القاضي أن توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين يأتي في طليعة الأسباب التي أدت إلى توسع دائرة الفقر في اليمن وتدهور معيشة اليمنيين، لأنها مصدر الدخل الوحيد الذي كان متاحاً لنحو مليون موظف مدني يعيلون أسرا يقدر عددها بملايين الأشخاص، كما تساهم الرواتب في دفع سلسلة من الأعمال التي كانت تستفيد من هذا المورد المتبقي.

ويؤكد تجار الملابس في أسواق العاصمة اليمنية صنعاء تقلص الحركة التجارية من عام لآخر في مثل هذه المناسبات، إذ لا تزال حتى الآن على بعد أيام قليلة من حلول عيد الأضحى بطيئة للغاية مقارنة بالعام الماضي، الذي تحركت فيه الأسواق قبل نحو 20 يوما من العيد، وهكذا يتوسع الفارق سنوياً.

ويستمر الفقر في التمدد مع وصوله، وفق تقديرات رسمية، إلى نحو 80%، مقارنة بنحو 49% في آخر عام قبل الحرب التي اشتعلت في اليمن عام 2015، في حين يعاني أكثر من 20 مليون شخص في البلاد من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج 17 مليون شخص إلى مساعدات لتلبية احتياجاتهم اليومية.

وباتت كلفة الأغذية الأساسية أعلى من أي وقت مضى في اليمن، مع تدهور الاقتصاد وفقدان العملة نسبة كبيرة من قيمتها في ظل بروز تحديات عديدة فرضت المزيد من التعقيدات على استيراد الغذاء، وهو ما يهدد بوقوع الملايين في البلاد الذين يعانون من فقر مزمن في براثن الجوع.

بالمقابل، لا يختلف الوضع في عدن، التي يشكو كثير من سكانها من لهيب الأسعار وارتفاع التضخم الذي يلتهم ما توفر لهم من دخل ورواتب الموظفين منهم الذين تقوم الحكومة اليمنية بصرف رواتبهم شهرياً منذ العام 2017.

وفوجئ اليمنيون في عدن وصنعاء ومختلف المدن بقفزات سعرية في الوقود قبل أيام من حلول عيد الأضحى وتخوف البعض من انعكاس ذلك على الأسواق وتفاقم الغلاء وخنق الحركة التجارية ومضاعفة معاناتهم المعيشية.

ولحقت صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين بعدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في رفع أسعار الوقود التي زادت بنسبة 6% من 12200 ريال إلى نحو 14000 ريال للصفيحة الواحدة من البنزين (20 لتراً)، في حين ارتفعت في عدن من 19800 ريال إلى 25500.

ويبدي باعة وتجار تخوفهم من ضعف الحركة في الأسواق المحلية في موسم تجاري مهم لتصريف سلعهم وبضائعهم، كما يؤكد هاشم الخولاني، وهو بائع زبيب (عنب مجفف) ومكسرات في أحد أسواق العاصمة اليمنية صنعاء.

ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن مثل هذه السلع تظل حركتها راكدة طوال العام في انتظار مثل هذه المناسبات التي اعتادت إنعاشها بالنظر لكونها من أهم السلع والمنتجات المرتبطة بمثل هذه المناسبات كالأعياد الدينية.

ويلاحظ ضعف الإقبال على شراء هذه المنتجات وغيرها من السلع المرتبطة بالعيد مثل الملابس التي تمر بحالة ركود واسعة لم تعهد من قبل، وفق حديث كثير من تجار وباعة الملابس.

يرى الناشط الاجتماعي هيثم عبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الكثير من الناس لم يعودوا يعملون في اليمن وفي عداد البطالة، ما انعكس على الحركة التجارية في الأسواق، بمقابل تنامي الاحتياجات المعيشية وارتفاع مستوياتها، بينما من تبقى في سوق العمل لا يحصل على الأجر الكافي الذي يمكنه من التعامل مع احتياجاته هو وأسرته من الغذاء.

وبسبب الحرب وتبعاتها وتدمير سبل العيش، فإن الإنسان والاقتصاد في اليمن يواجهان ليس أزمة بل أزمات مركبة على مختلف الصُعد، ومن أبرزها نقص الطاقة والسيولة وتهاوي سعر صرف العملة المحلية التي قادت إلى اتساع فجوة الفقر وتعميق الحرمان في بلد كان أصلاً حتى قبل الحرب ضمن البلدان الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.