الدورات الصيفية للحوثيين... محطة موسمية لغسل الأدمغة والتجنيد

في 21 سبتمبر/أيلول 2014 اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء قبل أن يتمكنوا من فرض سيطرتهم عسكرياً عليها ثم يتوسعوا لتصبح تباعاً معظم المناطق في الشمال خاضعة لنفوذهم. دشن الحوثيون، منذ ذلك الحين، استراتيجية تهدف إلى فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الاجتماعية على جميع هذه المناطق. وتباعاً تحولت كل المؤسسات في صنعاء وباقي المحافظات اليمنية الخاضعة للحوثيين، إلى أداة لتحقيق الهدف الأكبر، وهو خلق مجتمع موالٍ فكرياً وثقافياً واجتماعياً للجماعة، ليصبح الشباب والأطفال خصوصاً هدفاً للتجنيد عبر دورات تنظمها الجماعة، ولا سيما خلال العطلة الصيفية، تحت شعار "علم وجهاد".

وبدأ الإعلان عن هذه الدورات في مناطق محدودة في عام 2017، وكانت تنظمها ما تسمى الدائرة التربوية للحوثيين، وكانت تقام منذ فترة بعيدة في محافظتي صعدة وحجة. وفي العام  2018، انتشرت بشكل واسع مع تبنٍ كامل لها من قبل المؤسسات الحكومية التابعة للجماعة.

هذه الدورات التي تستهدف غسل أدمغة الأطفال والشباب، تحت شعار التنشئة والتثقيف، تتحول أيضاً إلى مراكز لتجنيد مقاتلين جدد، في مواجهة النزيف البشري الذي تعاني منه جماعة الحوثيين على الجبهات، بعد أكثر من سبع سنوات على بداية الحرب في اليمن. وفيما يجري الحوثيون دورات متقطعة طوال العام، فإن هذه الدورات تشهد ذروتها في الإجازة الصيفية، لتفاجأ أسر في المناطق الخاضعة للحوثيين بعد ذلك بتوجه أبنائها للقتال من دون معرفتها المسبقة.

ويسيطر الحوثيون على المحافظات اليمنية الأكثر كثافة سكانية، وبعدما خسروا آلاف المقاتلين خلال السنوات الماضية، يعملون بشكل دائم على استقطاب الشباب إلى صفوفهم وتجنيدهم، ويستغلون الإجازة الصيفية لتكثيف جهودهم من أجل ضم مقاتلين وأنصار جدد إلى صفوفهم.

ودعا زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، خلال افتتاح هذه الدورات في 9 مايو/أيار الحالي، الآباء للدفع بأبنائهم إلى المراكز الصيفية في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرة الحوثيين. وبالتوازي، يقود الحوثيون دعاية مكثفة للدورات على جميع المستويات، ويستهدفون مضاعفة المشاركين فيها.

لكن المواطن اليمني غالب الهمداني، يخشى على أبنائه من الاستقطاب إلى صفوف الجماعة، نتيجة الدعاية المكثفة التي تستهدف الشباب والأطفال للدورات والمراكز الحوثية.

ويقول الهمداني، الذي يسكن في صنعاء، لـ"العربي الجديد": "أنا مثل الكثير من اليمنيين أخاف على أبنائي من الدورات التي يدعو لها الحوثيون، لأن منهجها يخدم الجماعة فقط، إذ يتم غرس أفكار طائفية توجّه الأطفال بشكل مباشر للعمل مع الجماعة بشكل أو بآخر".

ويعتقد الهمداني أن "الطلاب يتعرضون للتعبئة العامة الحوثية في المدارس الحكومية والخاصة طوال فترة الدراسة، من خلال الفعاليات وترديد الشعارات، وتأتي المراكز الصيفية لحصد النتائج في دورات مغلقة ومكثفة".


مراكز صيفية لتجنيد آلاف الشباب


دشن الحوثيون المراكز الصيفية في عدد من المحافظات، ووفق وسائل إعلام حوثية شهدت صنعاء تدشين وافتتاح أكثر من 593 دورة ومدرسة صيفية في عشر مديريات، وتجاوزت أعداد الطلاب 18 ألفاً و500 طالب وطالبة خلال الأسبوع الأول من افتتاحها.

ويستخدم الحوثيون المدارس والمساجد كمقرات للمراكز الصيفية، سواء في المدن الرئيسة أو المناطق الريفية، ويسعون لاستقطاب جميع الفئات العمرية، ويتم تقديم دروس دينية في المراكز بالإضافة إلى أنشطة أخرى.

القيادي في جماعة الحوثي، هادي عمار، وهو أيضاً عضو اللجنة التنظيمية للدورات الصيفية، قال في تصريح تلفزيوني أخيراً إن "الجماعة تهدف هذا العام لمشاركة 800 ألف طالب في الدورات الصيفية والتي ستتوزع في 8000 مدرسة في عدد من المحافظات اليمنية، ومن المتوقع أن يعمل فيها أكثر من 30 ألف مدرس".

ولا يخفي الحوثيون من خلال تصريحات مسؤوليهم، أنهم يقومون بما يسمونه "ثقافة جهادية" في المعسكرات. وقال عبد القادر مهدي، نائب رئيس اللجنة الدورات الصيفية في صنعاء: "تم تخصيص 300 مدرسة للدورات المفتوحة، يحضر فيها الطلاب لساعات، بدءاً من الصباح لمدة 5 ساعات، وتم تخصيص 15 مدرسة مغلقة تحصل فيها أنشطة داخلية على مدار الساعة خلال 40 يوماً".

من جهتها، قالت القيادية الحوثية في الدائرة التربوية، بشرى المحطوري، في مداخلة تلفزيونية، إن "الدورات تستهدف الأطفال ضمن مستويات مختلفة، من أجل تنشئتهم على ثقافة إيمانية من نعومة أظافرهم لأن عقولهم صافية ولا توجد في عقولهم ثقافة مغلوطة".

أما رئيس الحكومة التابعة للحوثيين غير المعترف بها دولياً، عبدالعزيز صالح بن حبتور، فشدد خلال زيارة لأحد أنشطة الدورات، على أهمية الدورات الصيفية "في مواصلة مسيرة التنافس مع الخصوم والأعداء الذين أرادوا دفن إرادة الأمة اليمنية والقضاء على قدراتها وتاريخها وحاضرها".

والعام الماضي، قال الحوثيون إن الدورات والأنشطة الصيفية شهدت مشاركة أكثر من 620 ألف طالب موزعين على أكثر من 6 آلاف مركز في عدد من المحافظات اليمنية.

ولم تُنظم المراكز في العام 2020 بسبب انتشار وباء كورونا، لكن في العام 2019 أعلن الحوثيون أن عدد الطلاب الملتحقين بالمراكز الصيفية بلغ 252 ألفاً في 3700 مركز صيفي موزعة على 15 محافظة يمنية.

مع ترجيحات بألا تكون الأرقام التي يعلنها الحوثيون دقيقة، في ظل سعيهم لصناعة دعاية أن المواطنين يستجيبون لدعوتهم، غير أن أثر تلك المراكز واضحة للسكان في استقطاب المئات من الشباب للتجنيد وتدريبهم في دورات متقطعة طوال العام، تشهد ذروتها في الإجازة الصيفية.


من مقاعد الدراسة إلى جبهات الحرب اليمنية


ويحرص الحوثيون على إلزام المجندين الذين يتم تدريبهم للقتال، بعدم كشف ذلك لآبائهم، كما يقول سنان محمد، الذي التحق ابنه معتز بجبهات القتال في مأرب عام 2019، من دون أن يعرف.

ويشير في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "بعد أسبوعين فقط من وصول ابني إلى الجبهة وقع في أسر القوات الحكومية، وتم إبلاغي حينها وشعرت بالصدمة".

ويضيف: "كان ابني طالباً في نهاية المرحلة الثانوية، وعندما كنت أساله عن طبيعة النشاط الذي يقومون به، سواء في المدرسة أو المراكز الصيفية، كان يكتفي بالقول إنه من ضمن الكشافة المدرسية ويتدربون على كيفية إنقاذ الضحايا المدنيين في الحرب".

لم يكن محمد يتوقع يوماً أن يكون ابنه من المقاتلين الحوثيين، فلا يوجد في الأسرة من يؤيد الجماعة أو من أنصارها على الأقل، وفق قوله. ويضيف: "يبدو أن تأثير التعبئة في المدرسة والأنشطة التي كان يحضرها في المراكز الصيفية عميق جداً أكثر مما كنا نتصور أنها استهلاك لوقت الفراغ، والتي يمكن أن تحميه من عادات سيئة وهو في سن المراهقة".


فرض هوية الحوثيين في اليمن


يُتهَم الحوثيون باستهداف طلاب المدارس في المراحل المختلفة، ومنذ سيطرتهم على صنعاء، عيّنوا شقيق زعيم الجماعة يحيى الحوثي وزيراً للتربية. وخلال السنوات الماضية أدخلوا تعديلات على المناهج الدراسية بأفكار تخدم الجماعة، واستهدفوا مقررات المرحلة الأساسية.

وإلى جانب القتال العسكري، يعمل الحوثيون بشكل مكثف على تعزيز هوية الجماعة المذهبية والطائفية كحالة باقية في اليمن، من خلال السيطرة على مؤسسات التعليم ومنابر التوعية المختلفة، بالإضافة إلى ممارسة سطوة أمنية تمنع أي نشاطات مخالفة لهم.

ويرى الباحث اليمني في الشؤون الخليجية الإيرانية عدنان هاشم، أن اهتمام الحوثيين بالمراكز الصيفية "يسعى لخلق سيطرة ثقافية، وتكريس فكر الجماعة في عقول النشء من أجل ضمان مستقبل هذا الفكر في البلاد على المدى البعيد".

ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المراكز الصيفية توفر سهولة في تكثيف تكريس هذا الفكر الذي يصعب على الجماعة إضافته إلى مناهج مزدحمة خلال العام الدراسي، حتى لو احتوت تلك المناهج على دروس وتصورات تم وضعها لخدمة فكر الجماعة".

وبحسب مراقبين، يرتبط سلوك الحوثيين بفرض أيديولوجيتهم في محاولة استنساخ التجربة الإيرانية التي تمدهم بالدعم وتساندهم بالخبراء. ويقول هاشم: "عندما قامت الثورة الإيرانية، ودخلت طهران في حربها مع العراق، حوّل النظام في ذلك الوقت المناهج الدراسية والوطنية لخدمة توجهاته وعقائده".

ويضيف: "يمضي الحوثيون في الطريق نفسه، ويستخدمون كل شيء لخدمة أجندة الحرب، في إطار أوسع يفرز المجتمع طائفياً لزيادة أنصار الجماعة مستقبلاً وتمتين عقيدة القتال لديها".

 العربي الجديد