المجالس الرئاسية في اليمن... حلول مؤقتة لتأجيل الصراع
صبيحة السابع من إبريل/نيسان الحالي، شهدت العاصمة السعودية الرياض حدثاً مفاجئاً، عندما أعفى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، قبل أن يصدر إعلاناً رئاسياً، تم بموجبه نقل السلطة إلى مجلس رئاسي برئاسة القيادي في حزب المؤتمر، رشاد العليمي، ويضم في عضويته سبع شخصيات نافذة قُسمت بالتوازي بين شمال اليمن وجنوبه.
سادس مجلس رئاسي في اليمن
وهذا هو ثاني مجلس رئاسي يتم تشكيله بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، والسادس منذ ولادة النظام الجمهوري في اليمن الشمالي، إذ إن أول مجلس تم الإعلان عنه في تاريخ اليمن، كان بعد الثورة التي أطاحت بالحكم الإمامي في شمال اليمن عام 1962.
وباستثناء المجلس الجمهوري الذي تم تشكيله في عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني (1974-1967)، من أعضاء مدنيين، كانت جميع المجالس الرئاسية السابقة تتألف من قيادات عسكرية خالصة، وقد ترأس الضابط عبدالله السلال، أول مجلس رئاسي بعد قيام الثورة.
ووفقاً لدراسة سابقة لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، فقد كانت المجالس التي تشكلت تحت حكم الرئيس عبدالله السلال (1967-1962)، وهو أول رئيس جمهورية لشمال اليمن، "مجرد أدوات لإظهار الدعم الشعبي للنظام الجديد خلال الحرب الأهلية، ولم تكن هناك معايير واضحة لعضويتها أو هيئات حقيقية تشارك في صنع القرار، إذ كان السلال يتمتع بالسلطة المطلقة، مع تأثير مصري واضح عليه من وراء الكواليس".
وشهد العام 1967، تشكيل أول مجلس رئاسي مدني، برئاسة الرئيس الجديد للجمهورية العربية اليمنية حينها، عبد الرحمن الإرياني، وهو المجلس الذي تم توسيع عضويته لتشمل أعضاء موالين للنظام الملكي السابق، وذلك بعد أن توصل الجمهوريون والملكيون إلى اتفاق وقف الحرب مطلع العام 1970.
الموجة الثانية من المجالس، كانت بعد انقلاب أبيض، أجبر الرئيس الإرياني على التنحي، إذ تولى المقدم إبراهيم الحمدي، رئاسة الجمهورية في 13 يونيو/حزيران 1974، وأعلن حينها تعليق العمل بالدستور وتشكيل مجلس القيادة من سبعة أعضاء، تم تقليصه في العام الذي تلاه.
استمر المجلس في الحكم حتى بعد اغتيال الحمدي في ظروف غامضة في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1977، وذلك برئاسة الرئيس الجديد حينها، أحمد الغشمي حتى يناير/كانون الثاني 1978.
وبحسب مركز صنعاء للدراسات، فقد "ألغى الغشمي مجلس القيادة بإعلان دستوري، وأُلغيت معه أي أوهام بحكم جماعي، حيث أصبحت السلطة التي كان يمتلكها المجلس بيد شخص واحد".
ووفقاً للمركز "لم تدم فترة حكم الغشمي طويلاً، فقد كان غير محبوب واشتبه الكثير من الناس بضلوعه في قتل سلفه الحمدي، إذ اغتيل الغشمي في يونيو 1978، وكانت فترة ولايته كرئيس بارزة، لكونه أول رئيس في شمال اليمن يحكم من دون مجلس رئاسي".
تم تشكيل آخر مجلس رئاسي في شمال اليمن، لتسهيل انتقال السلطة بعد اغتيال الغشمي، واستمر لمدة شهر واحد فقط. ترأس المجلس حينذاك، القاضي عبد الكريم العرشي، وضم في عضويته رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني، والقائد العام للجيش علي الشيبة، وعلي عبدالله صالح قائد محور تعز العسكري، والذي وصل إلى سدة الحكم في 17 يوليو/تموز من العام ذاته، وحكم اليمن بعدها كرئيس لمدة 33 عاماً.
وبعيداً عن اليمن الشمالي، شهد جنوب اليمن، تشكيل مجلس رئاسي وحيد، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس قحطان الشعبي في يونيو 1969، إذ ضم المجلس خمسة أعضاء، هم عبد الفتاح إسماعيل ومحمد علي هيثم ومحمد صالح العولقي وعلي عنتر، وترأسه سالم ربيع علي.
أسباب فشل تجربة المجالس الرئاسية
في السياق، اعتبرت ميساء شجاع الدين، وهي باحثة أولى في مركز صنعاء، في تقرير للمركز أخيراً، أن فشل المجالس الرئاسية "يمكن أن يُعزى جزئياً إلى الافتقار للتجربة الديمقراطية في اليمن".
كما يمكن أن يعزى، وفق الباحثة نفسها، لـ"التأثير الساحق الممنوح لرئيس المجلس، إذ كان الحكم يميل إلى أن يستند إلى الشخصية الفردية لرئيس المجلس، الذي يُنظر إليه على أنه قائد الدولة، مما أعطى انطباعاً وهمياً حول تعزيز الحكم الجماعي الذي كان في الغالب مجرد واجهة للحكم من قبل فرد أو فصيل واحد".
وقالت شجاع الدين، التي كانت قد طالبت منتصف العام الماضي بضرورة تشكيل مجلس رئاسي خلفاً للرئيس هادي "إن معظم المجالس وقعت في صراع مدني أو داخلي في نهاية المطاف، ولم يكن هناك سوى القليل من تراكم الخبرة أو السوابق التي تُنقل من مجلس إلى آخر، إذ استُخدمت أشكال تقاسم السلطة في الغالب لتلائم الظروف السياسية الفريدة ذلك الوقت".
مجالس رئاسية تنتهي بالمواجهة
من جهته، أرجع الصحافي والمؤرخ اليمني، عبد الباري طاهر، في حديث مع "العربي الجديد"، سبب فشل المجالس الرئاسية السابقة في شمال اليمن وجنوبه، إلى "طريقة تصميمها على هيئة حلول مؤقتة لتأجيل الصراع السياسي، ودائماً ما كانت تنتهي بالمواجهة".
وفيما أشار إلى أن "المجالس السابقة ظهرت كنتيجة لتوافق أطراف الصراع على السلطة، في ظلّ غياب الحريات والأفق الديمقراطي والقبول بالشراكة والتداول السلمي"، ذكر طاهر أن ما حصل بعد الوحدة اليمنية هو "الأنموذج الأسوأ لهذه المجالس الواعدة بالصراع، ولكنّ لرموزها حظا من الارتباط بالنظام والقانون والجمهورية والعقلانية أكثر من المجلس الحالي".
وبعد توحيد شمال اليمن وجنوبه في مايو/أيار 1990، تم تشكيل مجلس رئاسي من خمسة أعضاء؛ ثلاثة من الشمال، هم علي عبد الله صالح وعبد العزيز عبد الغني وعبد الكريم العرشي، واثنان من الجنوب هما، علي سالم البيض وسالم صالح محمد، قبل أن تدب الخلافات بين الطرفين وتتطور إلى مواجهات واجتياح القوات الشمالية لجنوب اليمن في 7 يوليو 1994، حتى أصبح حكم اليمن في قبضة علي عبد الله صالح.
حكم صالح اليمن منفرداً حتى الإطاحة به في الثورة الشعبية السلمية وتنحيه عن السلطة مطلع العام 2012 لصالح الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، الذي تمت الإطاحة به هو الآخر بشكل مفاجئ في الرياض، في 7 إبريل الحالي، عندما نُقلت السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، برئاسة اللواء رشاد العليمي، وعضوية 7 آخرين يمثلون القوى النافذة على الأرض.
تباينات داخل المجلس الرئاسي الجديد
وتفتقر تشكيلة المجلس الحالي إلى الانسجام لكونها تضم فرقاء سابقين لكل منهم طموحات مختلفة بشكل تام عن الآخر، على الرغم من المساعي السعودية الواضحة لتقريب وجهات النظر؛ بدءاً من مشاورات شكلية وانتهاءً بحثّ الأطراف على تبادل الزيارات لبعضها، في محاولة لإظهار نشوء صفحة جديدة.
ووفقاً لمراقبين، فإن "النزعات الانفصالية التي لا يزال يتمسك بها المجلس الانتقالي الجنوبي ستكون العقبة الرئيسية بوجه عمل المجلس، وتحديداً في حال رضخت السعودية لشروط الانفصاليين بعقد جلسة البرلمان التي ستُمنح فيها الثقة للمجلس بمدينة المكلا في حضرموت، وليس في عدن"، العاصمة المؤقتة لليمن منذ أواخر فبراير/شباط 2015.
في السياق، وصف المؤرخ اليمني عبد الباري طاهر في سياق حديثه لـ"العربي الجديد"، مجلس الرئاسة الحالي بأنه "حالة معبّرة عن الإرادة السعودية أكثر من الإرادة اليمنية"، في إشارة إلى الضغوط السعودية التي أسفرت عن عملية نقل السلطة وتقاسم نفوذ المجلس بين الرياض وأبوظبي.
وقال طاهر، وهو نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق "المجلس يجمع الإخوة الأعداء الآتين من ميادين الاقتتال والمتوثبين للعودة إليها، لذلك يبقى خيار الحرب والسلام احتمالين قائمين، والإشكال هو في الارتهان للصراع الإقليمي والدولي أكثر".
وأضاف "هناك قدر من الغموض في تشكيلة المجلس، وقفز على الواقع والوضع المأساوي في بلد دمرته الحرب. ويمكن قراءة ما حدث بأنه فشل للحسم العسكري، ورغبة لدى التحالف في الخلاص من أعباء الحرب، وتحويل الصراع إلى يمني- يمني".
ولفت طاهر إلى أن عملية نقل السلطة "تفتح الباب على أكثر من احتمال؛ أخطرها توجه التحالف إلى يمننة الحرب والتبرؤ من نتائجها الكارثية، وتحميل المسؤولية للطرف اليمني الخاسر، والتخلي عن المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية والحوار الوطني والقرار الأممي 2216) والدستور اليمني".
العربي الجديد