تغيير اتجاه بوصلة الخليج رسالة ضغط لواشنطن (تحليل)

في ذروة الحرب الروسية الأوكرانية، تتخذ كل من السعودية والإمارات مواقف وخطوات تثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، من شأنها دفع الأخيرة إلى ترميم علاقاتها مع الدولتين الخليجيتين، أو أن أنهما ستبحثان عن تحالفات جديدة لحماية أمنهما القومي، ولو مع الصين وروسيا.

يبدو للوهلة الأولى أن تخلي الدول الخليجية عن تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديد الإيراني مسألة مستبعدة تماما، ولا يمكن لأي شراكة مع أي دولة كبرى أن تعوض هذا التحالف الاستراتيجي والتاريخي.

غير أن المواقف الأخيرة للسعودية والإمارات، تعطي رسائل لواشنطن أن هذا التحالف ليس قدرا، إن لم تكن الأخيرة راغبة فيه.

إذ أن السعودية والإمارات لا تبديان ارتياحا من تراجع الولايات المتحدة في الالتزام بأمن دول الخليج، وانسحابها التدريجي من المنطقة، خاصة مع استلام الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الرئاسة في واشنطن مطلع 2021.

وتجلى هذا التراجع الأمريكي عبر عدة مواقف على غرار رفع اسم جماعة الحوثي في اليمن من قائمة الإرهاب، وإلغاء بايدن، أو تعليقه صفقات سلاح وقّعها سابقه دونالد ترامب، مع كل من السعودية والإمارات، وعدم دعمه لهما في حرب اليمن، وسعيه للتوقيع على اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ورغم أن الرياض وأبوظبي عادة ما تلتزمان الصمت بشأن خلافاتهما مع واشنطن، إلا أن سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، كسر هذا الصمت، عندما صرح في 3 مارس/آذار الجاري، قائلا "مثل أي علاقة. فيها أيام قوية، العلاقة فيها صحية جدا. وأيام العلاقة فيها موضع تساؤل. واليوم نحن نمر باختبار تحمل، لكني أثق أننا سنجتازه ونصل إلى وضع أفضل".

و"اختبار تحمل"، يدفع السعودية والإمارات لشد حبل العلاقات مع الولايات المتحدة حتى ترخيه الأخيرة، وتقدم تنازلات، خاصة مع تعلق بإعادة تأكيد التزامها بأمن الخليج، بما فيه دعم "حليفتيها" في حرب اليمن، وتحرير صفقات السلاح الضخمة التي تم التوقيع عليها في عهد ترامب (2017-2020)، والتوقف عن التلويح بورقة حقوق الإنسان.

وأقدم البلدان الخليجيان على خطوات جدية لتعزيز شراكتهما مع روسيا والصين، في تحدي للولايات المتحدة بشكل غير معتاد، وإن لم يكن الأول من نوعه، إلا أنه مرتبط بشد بايدن الحبل أكثر مما تتحمله الرياض وأبوظبي.


أوراق الضغط السعودية


آخر ورقة رفعتها السعودية في وجه الولايات المتحدة، ما كشف عنه تقرير لصحيفة "ذول ستريت جورنال" الأمريكية، تحدث عن إجراء الرياض وبكين مباحثات من أجل تسعير بعض الصادرات النفطية السعودية للصين باليوان، بدل الدولار.

وهذه الخطوة من شأنها إضعاف العملة الأمريكية، خاصة أن تسعير النفط بالدولار يعد إحدى قوى العملة الخضراء في سوق التداولات العالمية.

لكن الصحيفة تحدثت عن "بعض الصادرات النفطية السعودية للصين"، وليس كلها، أي أن الرياض لا تريد قطع كل حبال الود مع واشنطن بقدر ما تضغط عليها من أجل احترام مكانتها الدولية، والاستجابة لمتطلبات شراكتهما "الاستراتيجية".

وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، المرتقبة إلى الرياض، تشكل رسالة ضغط أخرى إلى واشنطن، التي كلما ابتعدت عن السعودية اقتربت الأخيرة من بكين، ويتجلى ذلك من خلال التعاون العسكري بين البلدين، على غرار "بناء السعودية منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين"، بحسب تقرير شبكة "سي أن أن"، الأمريكية.

كما قاومت السعودية والإمارات محاولة الرئيس الأمريكي إقناعهما بزيادة إنتاج النفط "لممارسة أقصى قدر من الضغط الاقتصادي على روسيا"، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

وارتفاع أسعار النفط لأكثر من 100 دولار بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من شأنه ليس فقط الإضرار بالمواطن الأمريكي بل بحظوظ الحزب الديمقراطي في الحفاظ على سيطرته على الكونغرس، خلال انتخابات التجديد النصفي، في نوفمبر/تشرين المقبل.

وهذا ما يجعل تمسك السعودية باتفاق "أوبك+"، الذي تُعتبر روسيا أحد أطرافه، عاملا ضاغطا على الرئيس بايدن، والحزب الديمقراطي الذي يتزعمه.


الإمارات.. الإبحار بعيدا عن المرفأ الأمريكي


مواقف أبوظبي، لم تختلف كثيرا عن الرياض، بل كانت الأبرز في بعض المحطات خاصة وأنها تشغل حاليا مقعدا غير دائم في مجلس الأمن، وامتنعت مرتين عن التصويت لصالح قرار يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، لكنها صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح هذا القرار.

غير أن ذلك لم يؤثر على علاقاتها بروسيا، وتجلى ذلك خلال زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، لموسكو، في 17 مارس، والحفاوة التي لقيها من نظيره الروسي سيرغي لافروف، وإعرابه عن تطلع بلاده إلى توسيع آفاق التعاون مع موسكو في مجال الطاقة.

وبعدها بيوم، زار رئيس النظام السوري بشار الأسد، الإمارات واجتمع بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وحاكم دبي محمد بن راشد، ما يشكل تحديا إضافيا لواشنطن التي تفرض على "الأسد" عقوبات منذ 2020، ما دفع الخارجية الأمريكية للتعبير عن الشعور "بخيبة أمل عميقة، وبقلق، بسبب هذه المحاولة الواضحة لشرعنة بشار الأسد".

والتعاون الإماراتي الروسي ليس جديدا، بل وصل إلى حد التحالف غير المعلن في ليبيا، عندما دعم البلدان عسكريا قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، خاصة في هجومه على العاصمة طرابلس (2019-2020).

ودبلوماسيا، دعمت روسيا موقف الإمارات في مجلس الأمن ما سمح بإصدار قرار يوسع الحظر على إيصال الأسلحة إلى اليمن، ليشمل الحوثيين، وذلك في 28 فبراير/شباط الماضي، بالرغم من أن موسكو حليفة إيران أكبر داعم للحوثيين.

وهذا الموقف الروسي دفعت الإمارات ثمنه فيما بعد عندما امتنعت عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في مجلس الأمن الدولي، بحسب إعلام أمريكي.

وإلى جانب روسيا لجأت الإمارات لشراء أسلحة من الصين، بعد خيبة أملها في إتمام صفقة مقاتلات "إف 35" الأمريكية.

إذ لم تكتف الإمارات بشراء طائرات "وينغ لونغ" المسيرة، بل أعلنت في فبراير الماضي، أنها ستطلب 12 طائرة هجومية خفيفة من طراز "آل 15" من الصين، مع خيار طلب 36 طائرة أخرى.

فواشنطن، لم تترك للسعودية والإمارات، من خيار سوى البحث عن تنويع شركائها، وأظهر البلدان في الأشهر الأخيرة أنهما يملكان أوراق ضغط مؤثرة حتى على الداخل الأمريكي، وبإمكانهما اتخاذ مواقف مستقلة عن الولايات المتحدة، التي يتراجع نفوذها في العالم منذ انسحابها الفوضوي من أفغانستان.


الأناضول