جيش رديف تحت إدارة التحالف

يتجه التحالف الذي تقوده السعودية إلى سحب البساط بشكل تدريجي من تحت قوات الجيش اليمني النظامية، وسط توجه، بحسب ما تفيد المعطيات الميدانية، إلى تعزيز تطبيق التجربة الإماراتية التي أسفرت عن تكوين "جيوش رديفة" من الفصائل السلفية في جنوب اليمن.


ويأتي هذا التحول في الاستراتيجية الميدانية في ظل احتدام المعارك في مناطق شمال اليمن، تحديداً في مأرب والبيضاء وحجة، وبعد سنوات من تذبذب علاقة التحالف بقيادة الجيش اليمني، الذي يتخذ من مأرب مقراً له، وانعدام الثقة بين الطرفين فضلاً عن اتهامات الفساد التي تلاحق قادة الجيش.


ويبدو أن القناعة لدى السعودية بضرورة الاعتماد على التشكيلات العسكرية الرديفة للجيش، تعززت بشكل أكبر في أعقاب النجاح السريع الذي حققته "ألوية العمالقة" في معركة استعادة ثلاث مديريات غربي شبوة، فضلاً عن مديرية حريب، جنوبي مأرب، خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.


التحام "ألوية اليمن السعيد" بـ"ألوية العمالقة"


وبعد أيام من إعلان المتحدث باسم التحالف تركي المالكي، في يناير الماضي، من محافظة شبوة، عن إطلاق عملية "حرية اليمن السعيد"، أصدر التحالف بياناً أفاد فيه بأن ما سمّاها "ألوية اليمن السعيد" قد التحمت بـ"ألوية العمالقة" في جبهة مأرب الجنوبية، لتكون المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن التشكيل الجديد، الذي يبدو موازياً لـ"ألوية العمالقة" في المحافظات الشمالية. وكانت الإمارات قد أسست "ألوية العمالقة" في أواخر عام 2017 في الساحل الغربي، بمنأى عن الجيش اليمني.


وتعود نواة تشكّل القوات المستحدثة إلى أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين دفع التحالف بتعزيزات إلى مأرب من التشكيلات اليمنية التي يقودها سلفيون، وكانت تقاتل لسنوات في جبهات صعدة الحدودية مع السعودية.


وبحسب مصادر عسكرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن السعودية ما زالت تدفع بمجاميع من ألوية الحدود التابعة لها إلى مأرب، وتعمل عبر قيادات سلفية موالية لها لإعادة تشكيل تلك القوات، فيما تواصل حشد مقاتلين سلفيين من بعض المحافظات وتجنيدهم ضمن الألوية الجديدة.


وما زالت المعلومات حول قوام قوات "ألوية اليمن السعيد" شحيحة، ويوحي حديث التحالف عنها بأنها بمثابة مسمى جديد يشمل كافة القوات التي ستقاتل الحوثي، في إطار عملية "حرية اليمن السعيد"، بما فيها الجيش الحكومي و"ألوية العمالقة" وقوات طارق صالح المعروفة بـ"المقاومة الوطنية"، غير أن المصدر العسكري الذي تحدث مع "العربي الجديد"، رجح استهداف المساعي الحالية إنشاء ألوية عدة للسلفيين في محافظة مأرب، بإشراف من التحالف.


وفي 11 فبراير/شباط الحالي، أعلن التحالف أن "ألوية اليمن السعيد" التي منيت بانتكاسة سريعة في مدينة حرض بمحافظة حجة تعمل بإشراف التحالف، وبالتنسيق مع وزارة الدفاع اليمنية.


وقبل فترة وجيزة، نفى الداعية السلفي المعروف في مأرب، عبد الرزاق البقماء، صحة التسريبات التي تتحدث عن تعيينه من قبل التحالف قائداً لـ"ألوية اليمن السعيد"، لكنه قال: "لدينا ترتيبات في قوات اليمن السعيد وإن شاء الله يتحقق النصر".


وأضاف: "فتح الله عليّ من أبواب الخير الأخرى ما أظنه أنفع"، مضيفاً في منشور له على "فيسبوك" في 30 يناير الماضي، أن القوات ترحّب "بجميع الرجال الصادقين أهل القضية، المنضمين لها حسب الاستطاعة ووفق ضوابط وشروط"، في إشارة إلى دور سيتولاه بنفسه.


في هذه الأثناء، لم يصدر بيان رسمي يمني واضح بشأن الخطوة الجديدة، فيما رفض المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني العميد عبده مجلي الرد على أسئلة "العربي الجديد" حول هذا الموضوع.


من جهته، كشف مصدر عسكري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الموقف الحكومي واضح، فالحكومة ترحّب بكل الجهود التي تتبنّى مواجهة الحوثيين".


وأشار إلى أن "مساعي التحالف، والسعودية تحديداً، تهدف لجمع كل الطاقات لقتال الحوثيين، في ظل وجود مقاتلين سلفيين يُمكن جمعهم في إطار قوة تشارك في المعارك إلى جانب الجيش". وأكد المصدر أن "تشكيل ألوية اليمن السعيد يسير بشكل طبيعي ولا يواجه أي عقبات".


الجيش اليمني يردّ على الاتهامات بالتقصير


وقبل أيام، زار قائد القوات المشتركة للتحالف، الفريق الركن مطلق الأزيمع، جبهات الحدّ الجنوبي للسعودية، والتقى قيادة الوحدات القتالية من الجيش اليمني المشاركة بعملية "حرية اليمن السعيد"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس). وتأتي جولته في إطار استنفار القوات لمواجهة الحوثيين الذين استبعد قبولهم بالسلام، في مؤشر إلى تصعيد محتمل في العمليات العسكرية.


وقبل نحو أسبوعين، أكد وزير الدفاع محمد المقدشي أن مؤسسة الجيش بمختلف قطاعاتها وتشكيلاتها "ستبقى عند مستوى الثقة للمضي نحو تحقيق الأهداف المنشودة، وقادرة على صناعة التحولات"، في ما يبدو أنه رد على الاتهامات التي تُكال للجيش بالتقصير في إدارة المعركة.


وأقرّ المقدشي بوجود اختلالات وأخطاء متراكمة داخل مؤسسة الجيش، فرضتها الحرب وسيطرة المليشيات الحوثية على مقدرات المؤسسة العسكرية، ووجّه بإجراء "عملية مراجعة شاملة" للإمكانات البشرية والمادية وضبط حركة التنقلات في جميع الوحدات والقوى والقطاعات العسكرية وتصحيح وتوحيد قواعد المعلومات. لكن خطوات تصحيحية كهذه يبدو أنها لم تعد محل ترحاب من التحالف.


ويتعرض الجيش اليمني لانتقادات عدة بما في ذلك اتهامات بعدم الجديّة في خوض المعركة ضد الحوثيين، فضلاً عن توجيه اتهامات لقيادات الجيش الوطني بالفساد وبناء قوات وهمية أو العمل وفق أجندة حزبية، في إشارة إلى الاتهامات المتكررة لحزب "التجمّع اليمني للإصلاح" بالاستحواذ على القرار العسكري داخل القوات الحكومية.


ولا يعرف العدد الحقيقي لقوات الجيش الوطني الذي تأسست نواته في مأرب عقب الانقلاب الحوثي، وتؤكد مصادر عسكرية أن الجنود المرابطين في الميدان لا يشكلون نصف الرقم المدون بالكشوفات حيث تنتشر ظاهرة الجنود الوهميين.



يهدف التحالف لجعل التشكيلات أقوى من الجيش اليمني


وفي ظل المآخذ المتراكمة على الجيش والتحولات الميدانية في الفترة الأخيرة، يبدو أن التحالف يتجه لمنح الثقة للقوات الرديفة التي تأتمر بتوجيهاته فقط ليس في مأرب فحسب، بل في محافظة حجة.


وخلال المعركة الدائرة للسيطرة على مدينة حرض الاستراتيجية، دائماً ما تنسب وسائل الإعلام السعودية الإنجازات المحققة إلى "ألوية اليمن السعيد"، وليس إلى قوات الجيش الوطني التي ترابط في تلك الجبهة منذ سنوات.


وستنضم "ألوية اليمن السعيد" إلى عشرات المسميات لتشكيلات أسسها التحالف بموازاة الجيش الوطني خلال سنوات الحرب منذ عام 2015، واختار قادتها من زعماء سلفيين أو شيوخ قبليين يتبعون للسعودية والإمارات عملياتياً ومالياً.


وتوزّعت تلك التشكيلات، المقدّرة بأكثر من 60 وحدة قتالية، ما بين ألوية وكتائب، على امتداد الخريطة اليمنية من صعدة والجوف الحدوديتين شمالاً إلى شبوة وحضرموت شرقاً وعدن ولحج وأبين جنوباً فالحديدة وتعز من جهة الغرب. ولا تتبع تلك التشكيلات لوزارة الدفاع، وتتفوق على الجيش الرسمي في التسليح والإمكانات.


وتدعم الإمارات معظم هذه القوات، ومنها نحو 10 ألوية معروفة بـ"حراس الجمهورية" التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في الساحل الغربي، ونحو 30 تشكيلاً تتوزع بين قوات الدعم والإسناد والحزام الأمني وقوات العاصفة، التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المنتشرة في لحج وعدن وأبين والضالع، إضافة إلى لواء "درع شبوة" الذي تأسس حديثاً على أنقاض "النخبة الشبوانية"، ولواء "بارشيد" في المكلا بحضرموت.


التشكيلات السعودية ـ الإماراتية في اليمن


وتضاف إلى كل هذه التشكيلات الألوية المشتركة في الدعم بين السعودية والإمارات، وهي نحو 12 وحدة قتالية من "ألوية العمالقة" المنتشرة في الساحل الغربي وفي شبوة وأطراف مأرب الجنوبية والبيضاء، فضلاً عن وحدات ذات دعم سعودي، من بينها "لواء الأماجد" في محافظة أبين، ونحو 25 لواءً على الحدود اليمنية السعودية، وهي قوات تتسم بالعشوائية وبالقليل من التنظيم وكانت عبارة عن إطارات لمقاتلين، ما يصعب حصرها بدقة، إذ تظهر مسميات ألوية وتختفي أخرى بين الحين والآخر.


ومع إعادة تأسيس الجيش في منتصف 2015 ودمج المقاومة الشعبية في إطاره بقرار رئاسي إثر ذلك، حققت القوات الحكومية تقدماً ملموساً وصولاً إلى جبال نهم، شرقي صنعاء، وأطراف محافظة الجوف، لتبدأ، بعد عامين، معاناة الجيش بسبب فقدان الحكومة مقرها في عدن والموارد الاقتصادية. وانعكس ذلك على مستوى توفر الذخائر والرواتب، فخاض الجيش حروباً معتمداً على محدودية دعم الحكومة والتحالف.


وفي مطلع عام 2020 بدأ الحوثيون عملية عسكرية معاكسة مستغلين جمود بقية الجبهات في الحديدة بفعل اتفاق استوكهولم (المعروف باتفاق الحديدة والموقع في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018)، وجمود الجبهات على أطراف المحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها "المجلس الانتقالي الجنوبي"، بالإضافة إلى توقف الطيران بفعل إبرام هدنة مع التحالف في خمس محافظات، ليخسر الجيش معظم ما حققه وصولاً إلى أطراف مدينة مأرب.


ومع اشتداد المعارك بالقرب من مدينة مأرب، أعلنت القوات المدعومة من الإمارات في محافظة الحديدة عن عملية "إعادة تموضع" غامضة، أخلت بموجبها مئات الكيلومترات التي تقدم فيها الحوثيون من دون قتال، فيما ظهر أخيراً أنه كان خطوة في اتجاه نقل جزء من تلك القوات إلى خطوط التماس بمحافظة شبوة الساحلية، جنوب شرقي البلاد.


وقوبلت هذه الخطوة بترحيب واسع على المستويين الرسمي والشعبي، ومثّل انطلاق العمليات التي أطلقتها تلك القوات في مطلع العام الحالي متنفساً للجيش بمأرب، فتمكن من ترتيب بعض وحداته منتقلاً جزئياً من مربع الدفاع إلى الهجوم، واستعاد مساحات واسعة في المنطقة الصحراوية جنوبي المحافظة.


وإلى جانب السيطرة على شبوة وتأمينها بالسيطرة على أطراف مأرب، يهدف التحالف لجعل هذه القوات، التي تتلقى الأوامر منه بشكل مباشر ولا يعترف بعضها بالحكومة، منافسةً للجيش الحكومي، عبر إثبات فعاليتها في المواجهات على الأرض.


وكشفت مصادر مقرّبة من "ألوية العمالقة" عن تكليف عبد الهادي القبلي، نجل الشيخ عبد اللطيف القبلي المرادي الذي كان يقود مجاميع سلفية لمواجهة الحوثيين وكان منزله في جنوب مأرب هدفاً لهجوم دامٍ شنّه الحوثيون في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بتشكيل وقيادة اللواء "الرابع عمالقة".

 

دور اللواء "الرابع عمالقة"


وجاء تسريب هذه المعلومات بشأن التشكيل الجديد بالتزامن مع إعلان "ألوية العمالقة" عن انتهاء عملية "إعصار الجنوب"، التي سيطرت خلالها على أربع مديريات في شبوة ومأرب، مثيرة الجدل حول مآل العمليات العسكرية في مأرب، بعد عامين من المعارك المتواصلة ضد الحوثيين.


ولم يتضح بعد قوام اللواء "الرابع عمالقة" ولا مكان تمركزه، وما إذا كان سيشكّل رافداً للهجوم ضد الحوثيين، أم سيتولى مناطق سيطرة "ألوية العمالقة" في حريب وأطراف العبدية، أقصى جنوبي مأرب.


وتُقابَل هذه المخططات بانتقادات. واعتبر الباحث نبيل البكيري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تأسيس ألوية عسكرية خارج مؤسسة الجيش اليمني هو مساهمة في تفكيك الكتلة الوطنية الحاملة لمشروع الدولة واستعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب".


وعدّ البكيري الاستمرار في تأسيس هذا النوع من الألوية من مسببات إطالة أمد الأزمة في البلاد و"الاستمرار في المتاهة التي يُراد إبقاء المنطقة واليمن فيها لفترة طويلة".


العربي الجديد