اليمن..لهيب الحرب يمتد لتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر
يعتبر احتجاز الحوثيين لسفينة إماراتية تحولا نوعيا غير مسبوق بتداعيات إقليمية غير محسوبة العواقب، خصوصا وأنه كان هناك دائما توجس من أن يمتد لهيب الحرب في اليمن ليهدد ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
في تطور ملفت استولى الحوثيون(الإثنين الثالث من يناير/ كانون الثاني 2022) على سفينة ترفع العلم الإماراتي في جنوب البحر الأحمر قبالة مدينة الحديدة اليمنية، سفينة أكد التحالف الذي تقوده الرياض أنها كانت تنقل معدات طبية، فيما أصر الحوثيون بأن حمولتها هي عبارة عن معدات عسكرية.
ومساء نفس اليوم، بث الحوثيون عبر قناة "المسيرة" التابعة لهم مشاهد قالوا إنه تم تصويرها من على متن السفينة وفي بعض مشاهد الفيديو، ظهرت سيارات عسكرية وقطع أسلحة رشاشة وذخيرة.
ويرى مراقبون أن هذا التطور يشكل تحولا نوعيا في في حرب مدمرة تدور رحاها منذ سبع سنوات، مزقت اليمن بين مناطق نفوذ الحوثيين الذين يسيطرون على معظم مناطق شمال البلاد خصوصا صنعاء ومناطق نفوذ حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا، والمدعومة عسكريا من قبل التحالف.
وبهذا الشأن كتبت صحيفة "آوغسبورغه ألغماينه" الألمانية (السادس من يناير)، معلقة على الوضع المأساوي في اليمن وغياب أي أفق للحل: "إذا كان هناك ترتيب عالمي ما للأزمات الإنسانية، سيكون اليمن بلا شك في الصدارة (..)، وبالكاد انتبه العالم للكارثة الإنسانية هناك والتي يصفها الخبراء بأنها الأسوأ في العالم".
ويذكر أنه منذ عام 2015، قدمت برلين أكثر من 123 مليون دولار أمريكي لدعم اليمن لمنظمة يونيسف وحدها، لتمكينها من تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة. غير أن حادثة البحر الأحمر تحمل معها بوادر كارثة أوسع، قد تتمدد معها الحرب بالوكالة في المنطقة والتي تخوضها إيران عبر الحوثيين ضد غريمها الإقليمي السعودية وهذه المرة عبر تهديد مباشر للملاحة البحرية. ولطالما كيلت الاتهامات للحوثيين باستخدام زوارق مفخخة لمهاجمة سفن ومرافئ ومنشآت نفطية سعودية على البحر الأحمر.
شبكة الإعلام الألمانية "إير.إن.دي" (الرابع من يناير/ كانون الثاني 2021) كتبت معلقة "كل شهر إضافي من الحرب هو شهر غير مرغوب فيه بالنسبة للرياض. فالحوثيون يهاجمون المملكة الآن من جارتها الجنوبية تقريبا أسبوعيًا بالصواريخ وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار، ويبدو أن ذخيرة المملكة الدفاعية بدأت تنفذ.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا، نقلاً عن مصادر حكومية، أنها طلبت من حلفائها في الولايات المتحدة والخليج وأوروبا بإمدادات جديدة". واستندت الشبكة إلى رأي الخبير الألماني غيدو شتاينبرغ من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين الذي قال إن "تكاليف (الحرب) باتت باهظة ومخاطرها أيضا مع عدم وجود أمل في النصر".
إجماع دولي على إدانة الاستيلاء على السفينة
سارعت واشنطن لإدانة الحادث وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان إن هذا العمل ينتهك حرية الملاحة في البحر الأحمر ويمثل تهديدا للتجارة والأمن في المنطقة. واستطرد موضحا "هذه الأعمال من جانب الحوثيين تأتي في وقت يتعين فيه على كل الأطراف أن تخفض التصعيد وتعود إلى محادثات سياسية شاملة". وتابع "نناشد الحوثيين بالإفراج فورا عن السفينة وطاقمها بدون أن يصيبهم آذى ووقف كل أعمال العنف التي تتسبب في انتكاسة العملية السياسية الرامية لإنهاء الحرب في اليمن".
من جهتها، أدانت السفارة الفرنسية في اليمن احتجاز السفينة الإماراتية، وقالت في تغريدة على "تويتر"، إن فرنسا تدعو جميع الأطراف المعنية إلى التوصل إلى حل يسمح بالإفراج عن السفينة وعن طاقمها، وشددت على أنها تذكر بالتزامها بحرية الملاحة وبأمن المنطقة واستقرارها. أما بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، فقالت إن احتجاز السفينة الإماراتية "روابي" "أمر يبعث على القلق البالغ". وأفادت، بأن ذلك يزيد من مخاطر التصعيد بشكل أكبر ويقوض الجهود الجارية لإنهاء الاقتتال والحل السياسي للأزمة. وطالبت البعثة الأوروبية بضبط النفس لتلافي المزيد من التوترات. أما قوات التحالف فأكدت أن "انطلاق عمليات القرصنة والاختطاف من أي ميناء في اليمن سيجعله هدفا عسكريا مشروعا"، معتبرة أن "اختطاف ميليشيات الحوثي السفينة (روابي) انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي".
رواية الحوثيين: السفينة تحمل معدات عسكرية!
أكد الحوثيون أن "السفينة المعتدية التي تم احتجازها تحمل معدات عسكرية من آليات وأجهزة وغير ذلك من المعدات التي تستخدم في العدوان ضد الشعب اليمني".
وأضافوا أنه "منذ أسابيع وهذه السفينة الإماراتية خاضعة للرقابة من قبل قواتنا وقد نفذت أعمالًا عدائية عدة ومارست أنشطة معادية في المياه الإقليمية اليمنية (..). خلال الأسابيع الماضية كانت قواتنا تراقب السفينة وهي تتولى نقل كميات من الأسلحة التي تستخدم في استهداف الشعب اليمني". وتابعوا بالقول على لسان الناطق العسكري باسمهم العميد يحيى سريع (الثالث من يناير) "بعد عملية الرصد لنشاط السفينة صدرت التوجيهات بالاستيلاء عليها ضمن الدفاع المشروع عن بلدنا ونقلها إلى ميناء الصليف (غربي البلاد)، وهذه أول عملية تنفذها قواتنا في عرض البحر لأول مرة".
وأكد مراقبون أن عمليات القرصنة لها طابع نفسي واستعراضي في ظل الحرب النفسية أيضا التي يخوضها أطراف الحرب في اليمن.
وهذا النوع من العمليات يثير أيضا اهتمام الرأي العام العالمي لحرب تكاد تصبح منسية.
صحيفة "غارديان" البريطانية (31 ديسمبر/ كانون الأول 2021) أثارت ما أسمته بـ "الحرب المنسية" في اليمن وكتبت معلقة أن " الأمم المتحدة حذرت مؤخرًا، بنهاية العام المنصرم سيكون 377.000 يمني قد لقوا حتفهم بعد سبع سنوات مدمرة من الحرب وفي كثير من الحالات بسبب التداعيات غير المباشرة لهذه الحرب مثل الجوع (..) ما يفاقم الكارثة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم. وقبل عيد الميلاد بقليل، أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه اضطر إلى قطع المساعدات بسبب عدم كفاية الأموال، بعد ثلاثة أشهر من تحذيره من أن 16 مليون يمني "يتضورون جوعاً حتى الموت" (...) بعد إغلاق الحدود والمجال الجوي (..). يجب عدم السماح لهذا الصراع بالاختفاء من جدول الأعمال".
ميناء الحديدة ـ قاعدة لتجميع الصواريخ البالستية الإيرانية؟
أعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن الذي تقوده السعودية أن "ميناء الحديدة يشكل مركزا رئيسيا لاستقبال وتجميع الصواريخ الباليستية الإيرانية (..)، الحديدة والصليف مركزان رئيسيان للأعمال العدائية وتهديد الأمن البحري". وهدد التحالف الحوثيين بانتقام عقابي في حال لم يخلو سبيل السفينة الإماراتية وإلا "فإن موانئ انطلاق وإيواء عمليات القرصنة والاختطاف والسطو المسلّح وعناصر القرصنة البحرية التي حدثت، سيجعلها أهدافاً عسكرية مشروعة وفق نصوص وأحكام القانون الدولي الإنساني وقوانين البحار ذات الصلة". وتتهم السعودية عدوها الأول إيران، بتقديم دعم عسكري الحوثيين، خصوصا على مستوى الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة التي تستخدم الأراضي السعودية. ويذكر أن البحرية الأمريكية ضبطت أكثر من مرة شحنات أسلحة في مياه المنطقة قالت إنها موجهة من إيران الى الحوثيين. غير أن طهران تنفي هذه الاتهامات وتؤكد أن دعمها للحوثيين لا يتجاوز المستوى السياسي. وتعتبر إيران الدولة الوحيدة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الحوثيين.
ويشكل البرنامج الصاروخي الإيراني مصدر قلق لدول المنطقة والقوى الغربية. وتملك طهران واحدا من أكبر برامج الصواريخ في الشرق الأوسط،. برنامج تعتبره درعا ضد إسرائيل وخصومها الإقليميين في حال اندلاع الحرب. ويذكر أن إسرائيل تهدد بعمل عسكري ضد برنامج إيران النووي في حال فشلت المفاوضات لإحياء اتفاق عام 2015. وبهذا الصدد أورد موقع "مينا ووتش" (22 ديسمبر) نقلا عن تقرير لـ"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" ورد فيه تحذير من تنامي الترسانة الصاروخية لإيران سواء من حيث الحجم أو على مستوى المدى والدقة. وأضاف التقرير أن "طهران ضاعفت الأهمية الاستراتيجية لأنظمة صواريخها التي يمكن أن تهدد القوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة". وأضاف التقرير أنه تم اكتشاف عدد من مجمعات الصواريخ تحت أرضية أو ما يسمى بـ "مدن الصواريخ" منذ عام 2015. ويُعتقد حاليًا أن هناك موقعًا واحدًا على الأقل لتخزين الصواريخ الباليستية وإطلاقها، مدفونًا بعمق في كل مقاطعات البلاد تقريبًا، كما تبين ذلك من خلال صور الأقمار الصناعية ".
ألمانيا ومعضلة صادرات الأسلحة لدول المنطقة
رغم أن برلين فرضت مزيدا من القيود في السنوات الأخيرة على تصدير الأسلحة خصوصا إلى مناطق النزاعات ومنها الدول المتورطة في حرب اليمن، إلا أن الانتقادات تنهال عليها من كل الجانب. ومن المنتظر أن تفرض الحكومة الجديدة برئاسة المستشار أولاف شولتس مزيدا من القيود بهذا الصدد. وتعتبر القيود الألمانية على صادرات السلاح الأكثر تشددا مقارنة مع حلفائها الأوروبيين مثل فرنسا وبريطانيا. وتعتزم الحكومة الجديدة تقييد صادرات الأسلحة لما يسمى بدول الطرف الثالث، وهي الدول خارج التكتل الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وكانت هذه الدول شكلت العام الماضي أكثر من نصف إجمالي الصادرات، وفي عام 2020 كانت تشكل حوالي 50%. وشددت وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة أنالينا بيربوك مجددا قبيل مطلع العام الجديد على مدى أهمية قانون مراقبة تصدير الأسلحة بالنسبة لها "كائتلاف حاكم أوضحنا أننا سنراجع سياسة تصدير الأسلحة التي تم انتهاجها خلال السنوات الماضية". ويذكر أن الجدل كان يتجدد بشأن صادرات الأسلحة الألمانية للسعودية بسبب وضع حقوق الإنسان في المملكة خصوصا بعد مقتل الخاشقجي ولكن أيضا بسبب الحرب في اليمن.
موقع "تاغسشاو.د إ" التابع للقناة الألمانية الأولى (27 ديسمبر) علق على صادرات الأسلحة الألمانية، وكتب "طوال سنوات، كان أكثر من نصف صادرات الأسلحة الألمانية موجها لما يسمى بدول الطرف الثالث كالجزائر والسعودية ومصر (..)، هذا يجب أن يتوقف. الحكومة تسعى للسيطرة على صادرات الأسلحة، هذا جيد. ولكن هناك بالفعل العديد من القواعد والمبادئ الأساسية في ذلك ومنها احترام حقوق الإنسان والالتزام بالسلام". غير أن مصنعي الأسلحة الألمان يجددون خشيتهم من التضرر من مساوئ تنافسية بسبب القيود التي تخطط الحكومة الألمانية الجديدة تشديدها.
وقال المدير التنفيذي للاتحاد الألماني لصناعات الأمن والدفاع، هانز كريستوف أتسبودين، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) (الثالث من يناير) "البيانات الأولية لأعضاء الحكومة الألمانية الجديدة تشير إلى أن صادرات الأسلحة إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، قد لا يتم النظر فيها تقريبا في المستقبل القريب". وأوضح أتسبودين أن الفجوات التي ستنشأ عن ذلك سيُجرى سدها من قبل دول أوروبية أخرى، وسيُجرى تقليص فرص مشاركة شركات ألمانية في مشاريع تسليح أوروبية.
المصدر: DW