ارتفاع أسعار الأدوية .. تضاعف معاناة اليمنيين في زمن الحرب (تقرير)
يوما بعد آخر، تتسع آثار الحرب التي أوشكت على إنهاء عامها السادس في اليمن، نتج عنها مزيدا من الأزمات وتدهور الأوضاع الإنسانية منذ بدايتها حتى اليوم، لاسيما تلك الزيادات المتتالية في أسعار الدواء التي قصمت ظهر المواطن اليمني، وأجبرته على مواجهة أمراض معدية كانت البلاد خالية منها، لعقود من الزمن.
ورغم الفوضى الحاصلة في سوق الدواء ما بين ارتفاع أسعار الأدوية وتهريبها وانعدام العديد من الأصناف منها، يظل توفير الدواء هو التحدي الأصعب بالنسبة للمواطنين الذين شردتهم الحرب على مدى ستة أعوام مضت، وأتى ارتفاع سعر صرف الدولار وانقسام العملة بين كل من صنعاء وعدن ليضاعف معاناة الناس ويزيد من فاقتهم.
غلاء الأدوية مأساة مستمرة
في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الأدوية واختفت أخرى تهدد حياة ملايين اليمنيين الذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة. يشكو المواطن حسين من ارتفاع سعر الأنسولين الذي يستخدمه باستمرار لمعاناته من مرض السكر قائلا:" كنت آخذ العلاج ب2000ريال والآن أصبح سعره 4000الف ريال ".
في المقابل يتحدث عبد الله السنافي لـ الموقع بوست وهو صيدلي فيقول:" الأدوية بمختلف أنواعها في ارتفاع يومي متزايد وبشكل جنوني تجعل المواطن يشكو من الوضع ولا يستطيع شراءها ".
ويضيف السنافي "هناك ارتفاع في أسعار الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة التي يتعاطاها أغلب المواطنين مما يزيد من معاناتهم".
ووصلت الزيادة في أسعار الدواء إلى 200 في المئة لبعض الأدوية مقارنة بأسعارها السابقة، مما أضاف عبئاً جديداً على المرضى، لا سيما أصحاب الأمراض المزمنة.
ويشير السنافي لبعض الأدوية التي ارتفع سعرها كعلاج مرضى الضغط والذي زاد سعره خلال فترة وجيزة من 2600 إلى 4000ريال يمني.بالإضافة إلى علاج مرضى السكر الذي ارتفع هو الآخر من 7000 إلى 11000ريال يمني.
يعتبر علاج الـ "سولبادين"من أكثر الأدوية التي يقصدها المواطنون للتخفيف من آلامهم جراء انتشار الحميات والأوبئة في معظم مناطق اليمن، لكنه وفي ظل ارتفاع أسعار الأدوية بات شبه منعدما وبزيادة 3200 على ما كان عليه سابقا 800ريال للباكت، وفقا لحديث السنافي.
اضطرابات تضاعف معاناة المواطنين
عزت الجلال أحد مندوبي شركات الأدوية في تعز يقول لـ "لموقع بوست" :مؤخرا أصبح استيراد الأدوية في غاية الصعوبة نتيجة اضطراب الأوضاع في البلد وزيادة الضرائب المفروضة على شحنات المستلزمات الطبية في أماكن طرفي الصراع".
من جانبه يرى هاشم العامري موظف بشركة العامري للأدوية في تعز، أنه وبسبب القيود المفروضة على المطارات والموانئ منذ ستة أعوام، أثرت على مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية في اليمن، وفي تكوين مخزون مناسب من الغذاء والدواء، وعرقلت كثيراً من المكونات الصناعية ومدخلات الإنتاج التي تحتاجها شركات الأدوية اليمنية، مضيفا أن تلك القيود شكلت صعوبة بالغة، خصوصاً مع انتشار فيروس كورونا في تلبية احتياجات الأسواق من بعض الأصناف الدوائية التي شهدت اختفاء أو انخفاضاً كبيراً في المعروض منها في الأسواق.
وعقب تفاقم الأزمة وزيادة القيود على إمكانية تداول الطبعات الجديدة في مناطق صنعاء ومحيطها، لم يجد مسؤولي شركات الأدوية المتواجدة في مناطق الشرعية أية وسيلة تحول دون دفع العمولة التي تصل إلى 40 بالمائة من المبلغ مقابل تحويل الأموال إلى صنعاء والتي توجد فيها أغلب مقرات شركات الأدوية، بحسب ما ذكره بعض مندوبي شركات الأدوية بتعز.
بين سلطتين يموت المواطن
من جانبه أكد الدكتور محمد الصوفي مدير فرع هيئة الأدوية بتعز، أن فارق الصرف وارتفاع الدولار هما سبب الكارثة في ارتفاع أسعار الأدوية، مضيفا أن الأدوية تأتي من العاصمة المؤقتة عدن في حين أن توتر الأوضاع الأمنية فيها كان له تبعات أثرت على المستوردين ومراكزهم الرئيسة.
ونوه الصوفي إلى أن صعوبة الطريق ضاعف أجور النقل إلى صنعاء، وانقسمت رسوم الجمارك المفروضة بين صنعاء وعدن في ظل وجود مقرات شركات الأدوية بصنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبخصوص استمرار المراكز الرئيسية لشركات الأدوية بصنعاء وعدم نقلها إلى مناطق الحكومة الشرعية، يقول الصوفي :"حاولنا الضغط على الوكلاء وإقناعهم بفتح مراكز رئيسية في مناطق الشرعية، لكن لا نستطيع توفير الحماية لهم وخصوصا أن الوضع غير مستقر، وبالتالي نضطر للتعامل مع المستوردين بحسب الأسعار التي يريدونها".
ووفقا لبعض أصحاب الصيدليات ،توجد أصناف من العلاجات التي يتم تهريبها وسعرها يتناسب مع قدرة المواطنين الذين تدهورت ظروفهم المعيشية جراء الحرب، لكنها وبحسب الصوفي تعد خطرا كونها قد تحوي موادا سامة من شأنها أن تودي بحياة المريض.
ومضى الصوفي بالقول:"أي دواء يدخل بطريقة غير رسمية نتعامل معه كدواء مزور، لا فحص ولا تشخيص فهو مجهول المصدر، وحوالي 90%من الأدوية الغير مضربة مزورة".
مرضى
في مهب الريح
وزاد ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية من أزمة الدواء في اليمن، وأصبح الفقراء معرضون للخطر أمام عجزهم عن توفير الأدوية لمعالجة مرضاهم فيما يشكي مواطنون من تفاوت أسعار الأدوية من صيدلية إلى أخرى في ظل غياب كامل للرقابة الصحية.
وكشف تقرير صادر عن الهيئة العليا للأدوية الخاضعة لسيطرة الحوثيين عن اختفاء نحو 240 صنفاً معظمها علامات تجارية معروفة، 50% منها خضعت لاستنساخ تجاري من قبل الفئات المستحدثة في تهريب وتقليد الأدوية، ونفاد 362 اسماً تجارياً من مخازن وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء والسوق التجارية.
معظم هذه الأصناف تحتاج لظروف خاصة جداً للنقل كالتبريد وسرعة التوصيل ،ومنها أدوية مشتقات الدم والأدوية الهرمونية والمناعية والأمصال ومخثرات الدم وأدوية الإنعاش والتخدير وبعض المحاليل المخبرية والتشخيصية.