اهتمام أمريكي بشرق اليمن.. حضور يتعزز في المهرة والإرهاب واجهته الرئيسية (تحليل)
أثارت الزيارة المفاجئة للسفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هنزل في الثلاثين من نوفمبر المنصرم لمحافظة المهرة التساؤلات عن توقيتها وأبعادها، والدلالات التي تعكسها، خاصة مع الرسائل التي وجهها خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في ختام تلك الزيارة.
تعد الزيارة هي الأولى لسفير أمريكي يزور محافظة المهرة الواقعة في شرق اليمن، والتي ظلت بعيدة عن الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من ست سنوات، مع التأكيد هنا أن السفير هنزل سبق وأن عمل في اليمن، ولديه دراية كاملة بالأطراف اليمنية، ووضع البلد برمته.
وجاءت الزيارة بعد خمسة أيام على لقاء الرئيس هادي لنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الذي يتولى إدارة ملف اليمن، في سياق الحرب التي تقودها بلاده في اليمن، وقالت وكالة "سبأ" الحكومية إن الجانبين ناقشا تطورات الأوضاع والمستجدات على الساحة اليمنية في مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية.
ويبدو أن لقاء المسؤول السعودي للرئيس هادي في مقر إقامته بالرياض كانت هي الممهدة لزيارة السفير الأمريكي للمهرة، وتركز النقاش حولها، والترتيب لها.
أبعاد ودلالات
ومن خلال حديث السفير الأمريكي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في نهاية الزيارة تتضح أبعاد كثيرة لتلك الزيارة، فقد ركزت على قضايا ذات طابع أمني، كالتهريب للسلاح والمخدرات والإرهاب، ودور قوات خفر السواحل، بالإضافة لرسائل أخرى أرسلها السفير للحكومة والحوثيين والأطراف اليمنية وإيران.
وتتطابق الزيارة مع ما ترفعه السعودية من أجندة في محافظة المهرة، كمزاعم التهريب، ومع رؤية الرياض للحل في اليمن، ممثلا باتفاق الرياض الذي رعته، وتعثر تنفيذه منذ أكثر من عام.
وجاءت في وقت تشهد فيه المهرة معارضة شعبية واسعة منذ عامين للوجود السعودي، ويصف أبناؤها دور الرياض هناك بالاحتلال، كما جاءت عقب تطورات أخيرة تمثلت برفض واسع لفعاليات المجلس الانتقالي الذي تدعمه أبوظبي، والذي فشل في تحقيق أي هيمنة أو انتزاع موقع مؤثر في المحافظة خلافا لوضعه في محافظات أخرى.
الزيارة استبقت أيضا حدثين رئيسيين وقعا في محافظة المهرة خلال الأيام الماضية، الأول ضبط سفينة تحمل طنًا من المخدرات على متنها بحارة إيرانيون وباكستانيون قبالة سواحل مدينة الغيضة التي تتواجد فيها القوات السعودية في الـ13 من نوفمبر الماضي، والثاني إعلان الأجهزة الأمنية في المهرة تمكنها من مداهمة وكر لمجاميع إرهابية في الثاني من أكتوبر الماضي، وتردد حينها أن العملية استهدفت مجموعة من قيادات القاعدة.
كلتا الحادثتين كانتا محور حديث السفير الأمريكي الذي أعرب في حديثه خلال الزيارة عن تهنئته للحكومة اليمنية وعلى وجه الخصوص القوات العسكرية والأمنية في نجاح جهود مكافحة الإرهاب في محافظة المهرة، متوجها بالشكر أيضا لقوات خفر السواحل التي اعترضت شحنة المخدرات، وفق تعبيره.
السفير شكر أيضا القوات السعودية على ما وصفها بالمساعدات التي قدمتها الرياض للقوات الأمنية في المهرة بما فيها قيادة المنطقة العسكرية الثانية التي "أتمت بنجاح مؤخرا عملية واحدة في مكافحة الإرهاب وذلك باستهداف أنشطة تخريبية للقاعدة في محافظة المهرة".
والمنطقة العسكرية الثانية هي واحدة من المناطق العسكرية التابعة للجيش اليمني، وتتخذ من مدينة المكلا بحضرموت مقرا لها، ويرأسها اللواء فرج سالمين البحسني محافظ حضرموت الحالي، ويتبعها فصيل عسكري يعرف بمحور الغيضة العسكري، ويضم المحور لوائين عسكريين يتواجدان في المهرة منذ العام 1994، وهما اللواء 123 مشاة، ومقره في مديرية حات، والثاني اللواء 137 مشاة.
ويعكس الحديث عن المنطقة العسكرية الثانية في حديث السفير الأمريكي المساحة الجغرافية التي ينشط فيها الدور الأمريكي، الممتد من حضرموت إلى المهرة، وهي محور اهتمام واشنطن خلال السنوات الماضية كما سيأتي.
السفير لخص زيارته بأنها جاءت لمناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك النجاحات التي تم تحقيقها مؤخرا في الحرب على القاعدة في اليمن، وهذا هو العنوان الأكثر لفتا للنظر قياسا بالتطورات الجارية في محافظة منذ فترة، خاصة فيما يتعلق بقضية الإرهاب.
اهتمام أمريكي بشرق اليمن
وفي حقيقة الأمر فالزيارة هي استكمال لاهتمام أمريكي بتلك المنطقة بدأ يتشكل منذ منتصف العام 2018، وهو التوقيت الذي وصل فيه الحضور السعودي ذروته عقب زيارة الرئيس عبد ربه منصور هادي الوحيدة للمهرة في الأول من أغسطس 2018، ودشن فيها بشكل رسمي برنامج الإعمار السعودي الذي يرأسه سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، وينشط بشكل كبير في محافظة المهرة.
ذلك الوجود السعودي المبكر في محافظة المهرة رافقه حضور أمريكي، وهو ما كشفه تحقيق للموقع بوست عن وجود قوات أمريكية في مطار الغيضة الذي حولته القوات السعودية لقاعدة عسكرية لها، وهو ما يفسر أيضا صمت الولايات المتحدة عن النشاط السعودي ذي الأطماع التاريخية بمحافظة المهرة، وعدم صدور موقف واضح منها تجاه ذلك التواجد، أو تجاه الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسعودية في المهرة.
الاهتمام الأمريكي بالمناطق الواقعة في شرق اليمن بدأ فعليا في سبتمبر من العام 2018 من خلال تحركات أمريكية مكثفة لمسؤولين عسكريين أمريكيين، ففي الخامس من سبتمبر 2018 التقى رئيس هيئة الأركان العامة الأسبق اللواء الركن طاهر العقيلي في عدن قائد القيادة المركزية الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، وقالت وكالة "سبأ" الرسمية إن الللقاء تطرق لتطوير قوات خفر السواحل اليمنية والقوات البحرية والقوات الخاصة لمواجهة تهديدات الحوثيين ومكافحة التهريب.
وكان هذا أول لقاء من نوعه بين مسؤول حكومي يمني وآخر رفيع المستوى من الجانب الأمريكي، بعد أن ظلت مثل هذه اللقاءات محصورة بين الدولتين طوال الفترة الماضية على تنسيق بين رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الحكومة مع السفير الأمريكي لدى اليمن.
وقال موقع القيادة المركزية الوسطى على الإنترنت إن الجانبين ناقشا التعاون في مكافحة الإرهاب، وأهمية حماية خط الساحل اليمني لمواجهة خطر تهريب الأسلحة غير المشروعة من إيران إلى اليمن.
وجاء اللقاء بعد أيام من إعلان الجيش الأمريكي القبض على زورق يحمل أسلحة يعتقد أن إيران حاولت تهريبها لليمن، وقالت القيادة المركزية في تغريدة لها إن طاقم المدمرة "يو أس أس جايسون دونام" التابع للبحرية الأمريكية تمكن بشكل نهائي من إحصاء بنادق الكلاشنكوف المصادرة في خليج عدن بتاريخ 28 آب/أغسطس، وقالت إن العدد النهائي هو 2521 بندقية.
العقيلي زار حينها المنطقة العسكرية الأولى في سيئون، والمنطقة العسكرية الثانية في المكلا، وهي أولى زياراته لتلك المناطق التي ظلت بعيدة عن الحرب والصراع، وتخضع من ناحية النفوذ لكل من دولة الإمارات والسعودية، وسبقتها دعوات عديدة لإخضاع تلك المناطق للنفوذ الإماراتي عبر ما يسمى بقوات النخبة الحضرمية، التي تحظى بدعم الإمارات.
وكان لافتا توقيت الزيارة ودلالاتها، إذ إنها جاءت بتسهيلات سعودية واضحة، وشملت المناطق التي تسيطر عليها السعودية، كسيئون، أو تلك التي تتعارك فيها الرياض وأبوظبي كحضرموت، كما أنها تعد أكثر المناطق التي تعاني اضطرابا أمنيا، بسبب نشاط تنظيم القاعدة.
تلك الزيارات امتدت لتشمل أكثر المحافظات جدلا وهي محافظة المهرة، حيث زار رئيس الأركان منفذ صرفيت الحدودي بمديرية حوف، والذي يربط بين اليمن وسلطنة عمان، وظل خلال الفترة الماضية محل جدل وتصعيد بين أبناء المهرة الرافضين للتواجد السعودي والمملكة العربية السعودية التي تحاول بسط سيطرتها العسكرية بالقوة هناك.
كانت تلك الزيارات للعقيلي ولقائه الجانب الأمريكي متركزة حول عمليات دعم خفر السواحل اليمنية، وتمتد في النطاق الجغرافي الشرقي لليمن من حضرموت حتى المهرة، وهي ذاتها محور اهتمام السفير الأمريكي خلال زيارته للمهرة.
أما تحركات الجانب الأمريكي فلم تكن مقتصرة على اليمن فقط، فبعد تلك الزيارة التي عقدت في عدن مع رئيس الأركان، وصل الفريق أول جوزيف إل فوتيل قائد القيادة الوسطى الأمريكية إلى سلطنة عمان، والتقى ببدر بن سعود بن حارب البوسعيدي الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع بمكتبه بمعسكر بيت الفلج.
وشملت زيارة الجانب الأمريكي لقاءات عسكرية مع مسؤولين في الإمارات من خلال لقائه بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وقائد القوات المشتركة في السعودية الفريق الركن فهد بن تركي.
وبدا واضحا أن تصريحات الجانب الأمريكي حول تركز لقاءات العقيلي مع الأمريكيين تشير إلى أن قضية الإرهاب هي المهيمنة على تلك التحركات في المنطقة، وكان ممثلها عن اليمن رئيس هيئة الأركان ما يجعلها زيارة عسكرية بحتة لم تتضح معالمها ونتائجها بعد.
وبعد حوالي شهر تقريبا، وبالتحديد في التاسع والعشرين من نوفمبر 2018، وقع حدث آخر يعد أيضا مؤشرا لتنامي الاهتمام الأمريكي بشرق اليمن، فقد زار السفير الأمريكي السابق ماثيو تولر محافظة حضرموت لأول مرة، وشهد حفل تخرج دفعة جديدة من منتسبي قوات خفر السواحل اليمنية، وسلم في الفعالية نفسها التي حضرها السفير السعودي محمد آل جابر زوارق بحرية جديدة للقوات البحرية اليمنية.
وخلال تلك الفعالية أعلن محافظ حضرموت فرج البحسني تسلم قوات خفر السواحل اليمنية في حضرموت من التحالف الذي تقوده السعودية مهام المراقبة في موانئ وسواحل قطاع البحر العربي لمنع عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات والمتسللين عبر سواحل المنطقة وتنفيذ المهام المنوطة بها.
وقال محافظ حضرموت حينها إن الزوارق البحرية والمعدات التي تسلمتها قوات خفر السواحل ستساعد في مكافحة الإرهاب والحد من التهريب عبر سواحل المحافظة الممتدة.
وفي الوقت الراهن قال السفير الأمريكي هنزل إن بلاده تتعاون مع اليمن في القضايا الأمنية، مضيفا: "فخورون بأننا تمكنا من مساعدة خفر السواحل اليمني، وهذا أمر بدأناه خلال التسعينيات من القرن الماضي، وخفر السواحل اليمنية أنجز بعض النجاحات مؤخرا ونتطلع الى مواصلة انخراطنا مع اليمن في المجالات المختلفة".
وتحدث السفير عما وصفها بالأنشطة المزعزعة للأمن والاستقرار، وأكد أن هذا الوضع في المهرة يتطلب استمرار الانتباه والالتزام والشراكة المستدامة بين اليمن وواشنطن تساهم في جهود وضع نهاية للحرب.
وهذا الاهتمام الملفت في حديث السفير عن خفر السواحل يأتي تأكيدا للدور الأمريكي المتزايد بحريا في مناطق شرق اليمن، وإذا ما تم إضافة ملف الإرهاب إلى الزيارة، يتضح أن هناك مسارين للاهتمام الأمريكي، الأول يتعلق بالحضور العسكري بحريا، والثاني بمكافحة الإرهاب، مع التأكيد هنا أن الولايات المتحدة -وفقا لتقارير صحفية- تسعى لبناء مركز رئيسي لمواجهة ومراقبة الإرهاب في تلك المناطق، ويكون مقره في مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة.
الإرهاب في المهرة
هذا الحديث عن الإرهاب في المهرة يجعل المحافظة تتصدر الاهتمام بشكل ملفت، ويثير التساؤلات عن حقيقة وجود إرهاب وجماعات إرهابية فيها
فالمحافظة التي تحتفظ بوضع خاص على المستوى الاجتماعي والسياسي لم تظهر فيها طوال السنوات الماضية أي تنظيمات إرهابية، وظلت ساكنة بعيدة عن مجمل الأحداث والتطورات في اليمن، لكن هذا الوضع تغير منذ مجيء القوات السعودية إليها، وتمركزها فيها، وهو الحدث الذي قوبل برفض شعبي واسع، عجزت الرياض عن احتوائه والسيطرة عليه.
وأمام الصمود الذي أبداه سكان المهرة في مواجهة الأجندة السعودية، عبر الاعتصامات الشعبية التي نفذوها أكثر من مرة، بدأ منعطف جديد يتشكل في المهرة، من خلال يافطة الإرهاب، ففي الـ25 من يونيو 2019 أعلنت السعودية أنها ألقت القبض على أمير تنظيم داعش في اليمن الملقب بـ"أبو أسامة المهاجر"، والذي وصفته بأنه المسؤول المالي للتنظيم مع عدد من المرافقين له في محافظة المهرة، وهي عملية أثارت الكثير من الأسئلة، وظلت غامضة حتى اليوم رغم نقل الرياض للمهاجر إلى أراضيها.
وجاءت الحادثة الثانية في الثاني من أكتوبر 2020 في سياق ملف الإرهاب الذي تزعم السعودية وجوده في محافظة المهرة، مع التأكيد هنا أن لجنة الاعتصام السلمي بالمهرة وهي الكيان الذي يضم المناهضين للسعودية بالمحافظة وشخصيات قبلية وأحزاب سياسية أدانت الزعم بوجود إرهاب بالمحافظة، واعتبرت هذه المزاعم تسيء للمحافظة وأهلها، وهذا الموقف نابع من شعور هؤلاء بالقلق تجاه هذا المنعطف الخطير الذي تساق له المحافظة، وإدراكا منهم أن الحديث عن الإرهاب هناك هو جزء من الالتفاف حول قضيتهم، بعد أن عجزت السعودية عن إيقاف مناهضتهم المستمرة لها.
والحديث عن الإرهاب في المهرة التي تتواجد فيها السعودية يوازيه حديث آخر سبق أن طال محافظة سقطرى التي تنشط فيها الإمارات بشكل مبكر، حيث كشفت جهات استخباراتية عن بيان لتنظيم القاعدة يتوعد الإمارات بالحرب في سقطرى، وبدا واضحا استخدام القاعدة وداعش من قبل السعودية والإمارات في المناطق التي تتواجد فيها، بما يثير الشكوك حول حقيقة وجود التنظيمين، واعتبارهما أداة من الأدوات التي تستخدمها الدولتان في اليمن، لتبرير بقائهما.
أما بالنسبة لتهريب السلاح أو المخدرات عبر المهرة، فهو أيضا مكان نفي في المهرة، خاصة من المحافظين المتعاقبين، والمكونات السياسية والإجتماعية في المحافظة، مع اعتراف الجميع بوجود حالات تهريب لا ترقى لمستوى التضخيم المتداول، وتحتاج لجهود شراكة لدعم الأجهزة الأمنية المحلية، رافضين في الوقت ذاته تحول هذا الأمر لغطاء يجري من تحته تنفيذ أجندة أخرى.
مؤشرات
من خلال زيارة السفير الأمريكي للمهرة يبدو أن واشنطن تسعى لتعزيز وتكثيف جهودها هناك، وهذا الوضع يشير إلى دعم الولايات المتحدة للبقاء السعودي في المهرة لفترة أطول، فالوجود السعودي بالمهرة مرتبط بمدى دعم واشنطن للرياض، وكلتا الدولتين تسعيان للاستفادة القصوى من هذا الوضع، فواشنطن سيكون لديها القدرة الكاملة على التحرك شرق اليمن، خاصة في السواحل اليمنية، والسعودية تستطيع أن تمضي بمشروعها ذي الأجندة التاريخية في المهرة.
أما على مستوى المناهضين للوجود السعودي في المهرة فإن هذا الأمر يعتبر تحديا كبيرا أمامهم، فالشراكة السعودية الأمريكية ستصعب نشاطهم المعارض للسعودية، خاصة أن تلك الشراكة خيوطها منسوجة بين ثلاثة أطراف هي الجانب الأمريكي والسعودي والحكومة اليمنية المقيمة في الرياض، وبالتالي ستصبح المطالبة برحيل السعودية من المهرة مساً سيطال تلك الأطراف الثلاثة.