مشاهد مفبركة وجرائم من وحي الخيال وروايات تناقض بعضها.. هكذا أديرت 5 حملات إعلامية مضللة عن تعز

وطني بوست ـ تحقيق ـ المصدر أونلاين

• نجحت الحملات المضللة في جر تعز إلى معارك جانبية لصالح الحوثي.

• قضيتا بيت الوصابي والأرملة التي دمر منزلها من رسم الخيال لتشويه تعز.

• شوهت الحملات الإعلامية صورة تعز وحولتها إلى محافظة فوضوية.

• العرب الإماراتية تبنت أكاذيب وحولتها إلى عناوين عريضة في صفحاتها.


تعرض العميد عدنان الحمادي خلال قيادته للواء 35 مدرع (2015 – 2019) في تعز لثلاث محاولات اغتيال قبل استشهاده في 2 ديسمبر 2019.


المحاولة الثانية – 31 يناير 2017 – كشفت وقوع الرأي العام في تعز تحت تأثير دعاية مضادة قادتها منظومة إعلامية خارج وداخل البلاد هدفت لضرب تعز من الداخل؛ إذ نجح مرافقو العميد الحمادي في القبض على أحد العناصر الخمسة الذين دبروا محاولة اغتياله الثانية في مديرية المواسط عبر عبوات ناسفة زرعتها في طريقه.


أظهرت التحقيقات أن المحاولة هدفت لإحداث شرخ داخل الجيش الوطني في تعز من جهة، وتأجيج الصراع بين المكونات السياسية بعد أن ذهب البعض لتحميل الإصلاح مسؤولية الوقوف وراء المحاولة.


أدرك قائد اللواء 35 مدرع العميد الحمادي خطورة المحاولة وأهدافها الرامية للتأثير على الحاضنة الوطنية في تعز، فسارع لإصدار بيان رسمي عن نتائج التحقيقات الأولية التي أثبتت وقوف مليشيا الحوثي خلفها.


ووفق البيان الذي نشره موقع "الوحدوي نت" الناطق باسم التنظيم الناصري فإنه "بعد التحري والبحث تم القبض على عدد من عناصر الخلية التي تقف وراء محاولة الاغتيال الفاشلة وكشفت الاعترافات الأولية عن تكليفهم من قبل مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية باغتيال قائد اللواء 35 مدرع وإلصاق التهمة بأطراف أخرى ظناً من المليشيا أنها ستستفيد من الخلافات التي ظهرت هنا وهناك بين بعض شركاء النضال الوطني".


وأردف: "لكننا نقول للمليشيا أن مثل هذه الجرائم لن تثنينا عن مواصلة مشروعنا النضالي ضد عصابة الانقلاب وهو الطريق الذي اخترناه لأنفسنا منذ بداية الانقلاب المليشياوي على الشرعية وكنا من أوائل من وقف في وجه المليشيات في تعز ولن ترهبنا أو تخوفنا مثل هذه المحاولات".


الحمادي في الواجهة


هذا التقرير تتبع خمس حملات إعلامية مضللة أثارت الرأي العام المحلي، وعمدت إلى ضرب تعز من الداخل من خلال تسييس جرائم جنائية، وتبني قضايا مفبركة وروايات متناقضة من قبل صحف ومواقع إماراتية وأخرى محلية متهمة بتلقي تمويل إماراتي، ولصقها بالجيش والأمن، وقوى سياسية.


ظلت قضية الشهيد الحمادي واحدة من أكثر القضايا استغلالا لضرب تعز من الداخل، واستخدم فيها اللاعبون عنصر الولاءات السياسية من خلال إظهار العميد الحمادي كممثل لحزب في الجيش، وليس قائداً وطنيا يقود لواء عسكريا مشكلا من كل المكونات الاجتماعية.


في تقرير نشرته صحيفة العرب الإماراتية في عدد اليوم التالي لاغتيال الشهيد الحمادي بتاريخ 3 ديسمبر 2019 على يد شقيقه، نحت الصحيفة باتجاه تحميل حزب الإصلاح مسؤولية الجريمة، مستندة في اتهامها إلى تخمين مفاده أن الجريمة جاءت بعد حملة تحريض استهدفت العميد الحمادي.


وبعد اتهام الصحيفة لحزب الإصلاح، عمدت لإبراز عنوان جانبي تعريفي أظهرت فيه صفة حزبية للعميد الحمادي وقالت بأنه (عسكري محسوب على التيار الناصري)، بشكل يوحي أن مقتله يأتي في سياق الصراع بين الإصلاح والناصري.


في هذا التقرير قالت الصحيفة إن القاتل - وهو شقيق الحمادي - تم تصفيته في ذات الحادثة بغرض إخفاء الحقيقة، لكنها في تقريرها اللاحق المنشور بعد أسبوع بعنوان (التحقيقات اليمنية تكشف إشراف قيادي إخواني على اغتيال العميد عدنان الحمادي)، قالت إن شقيق الحمادي – الذي قالت، في التقرير السابق، إنه قتل – اعترف أن قيادياً إخوانياً دفعه لارتكاب الجريمة مقابل 50 مليون ريال بحجة أنه عميل للإمارات.


ولم تتوقف حملات استغلال الشهيد الحمادي عند حادثة الاغتيال فبعد مرور 9 أشهر على الاغتيال وتحديداً في 27 أغسطس 2020 تولت عدد من المواقع المتهمة بتلقي تمويل من الإمارات، وعشرات الحسابات على تويتر الترويج لحملة تحريض جديدة وجهت ضد الجيش، استغلالاً لقيام لجنة عسكرية بجرد الأسلحة التي كانت مقيدة لدى العميد الحمادي.


تحدثت المواقع وعلى رأسها موقع "الأمناء نت" عن عملية اقتحام ونهب تعرض لها منزل الشهيد الحمادي من قبل لجنة وصفتها بالإخوانية، تم تكليفها من قبل قائد اللواء الذي قالت إنه موالي للإخوان العميد عبدالرحمن الشمساني، وأن اللجنة قامت بنهب كل ما وجدته أمامها في منزل الشهيد عدنان.


وبعد مرور ثلاثة أيام من التحريض المتواصل ضد الجيش والحاضنة السياسية في تعز عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، اضطر نجل الشهيد الحمادي لكتابة منشور على صفحته في الفيسبوك لتوضيح الحقيقة، قام موقع الوحدوي نت بنشر خبر منه بعنوان (نجل الشهيد عدنان الحمادي يكشف حقيقة اقتحام منزل والده).


نجل الشهيد الحمادي أكد أن "ما حدث هو نزول لجنة من ضباط اللواء 35 لجرد واستلام أسلحة وأطقم اللواء المقيد في كشوفات التسليح والفنية في اللواء، وأنه لم يكن هناك أي اقتحام للمنزل".


التفاعل مع الأكاذيب


وتحت تأثير الدعاية المضادة التي استهدفت تعز وعلى رأسها مؤسستي الجيش والأمن والأحزاب السياسية، وقع مسؤولون حكوميون وأحزاب سياسية في فخ التضامن بناءً على أكاذيب وشائعات أثيرت على نطاق واسع.


ومن أبرز الأخبار الكاذبة التي قادت رئيس البرلمان الشيخ سلطان البركاني، ومحافظ تعز نبيل شمسان وحزبي الناصري والاشتراكي، لإبداء التضامن طبقاً لها، أكذوبة مقتل أسرة "بيت الوصابي" في مارس 2019، وتنفيذ عمليات إبادة وتصفية خلال حملة أمنية وجه محافظ تعز بتنفيذها، لتعقب مطلوبين، متهمين بجرائم اغتيالات طالت ضباطا في الجيش، وإثارة أعمال الفوضى في مدينة تعز.


المطلوبون كانوا يتحصنون بمواقع تمركز كتائب أبو العباس - مصنف ضمن قوائم الإرهاب، ومتهم بتلقي تمويل وتسليح من الإمارات – لذا سعت الحرب الناعمة نحو إفشال الحملة الأمنية من خلال تسييس مهمتها وإشاعة أنها تابعة لحزب الإصلاح، والحديث عن أرقام مهولة من القتلى والجرحى، واختلاق قصص مفبركة لإثارة الرأي العام أبرزها مقتل أسرة "بيت الوصابي".


وخصصت صحيفة العرب الإماراتية تقريراً مطولا تضمن معلومات مضللة، وأبرز أن الحملة ذات أجندة سياسية، لخدمة الإصلاح ودولة قطر، وتحدث عن قتلى وجرحى بالمئات ونزوح جماعي، وأعمال سلب ونهب، وحرائق طالت المنازل والمرافق الحكومية.


وتحت ضغط الضخ الإعلامي الواسع عن جرائم القتل وأكذوبة إبادة أسرة بيت الوصابي التي انتشرت خلال أيام تنفيذ الحملة، وجه محافظ تعز بإيقاف الحملة وسحب القوات التي كانت قد استعادت المواقع التي يتحصن فيها المطلوبون، فيما انجر كل من التنظيم الناصري والحزب الاشتراكي إلى مربع الحملة الإعلامية المسيسة، وإصدرا بيانين اتهما فيه قوات الأمن بحرف مسار الحملة الأمنية.


انسحبت الحملة الأمنية تنفيذاً لأوامر محافظ تعز، وقررت إجراء تحقيق فيما تم الترويج له عن تصفية أسرة بيت الوصابي ليتضح بعد التحقيقات، أنه لا وجود لأسرة بيت الوصابي، وأن الأمر لا يعدو أكثر من شائعة أوقعت أحزابا وقيادات في فخ التضامن بناءً على أكاذيب وشائعات مضللة.


ووفق بيان شرطة تعز رداً على رسالة رئيس مجلس النواب للجنة الأمنية أكد البيان أنه لاصحة لسقوط قذيفة على منزل مواطن يدعى "الوصابي" ومقتل الأسرة بأكملها، وفق رسالة رئيس البرلمان.


واستنكر المصدر حالة التضليل والتلفيق و تشويه الحقائق والأحداث، والعمل على تشويه صورة المحافظة ودور السلطات الشرعية والأجهزة الأمنية والعسكرية والتي ينتهجها البعض إزاء ما يجري في المحافظة.


وبخلاف ماروجت له صحيفة العرب الإماراتية والإعلام الموالي للإمارات بأن عدد القتلى بلغ 61 والجرحى 168 أصدر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بيانا له في 27 مارس 2019 أكد فيه أن فرقه الميدانية وثقت مقتل 2 مدنيين و 5 جرحى.


أين حكومة ربي


ومن أكذوبة "بيت الوصابي" و "جرائم الإبادة"، إلى قضية أخرى تم إخراجها بطريقة أكثر إثارة وأكثر حرصا على عدم التشكيك فيها، حيث قام مخرجوها بفبركة فيديو مصور لامرأة مدفوعة ادعت أنها أرملة، وأن قوات الأمن قامت بهدم منزلها، الذي بنته بيديها وعلى أرضيتها التي اشترتها منذ 27 سنة.


ومع أن هدم قوات الأمن للمنزل جاء تنفيذا لأوامر قضائية، إلا أن إثارة القضية تصاعدت، وقام ناشطون بالاعتصام أمام ركام المنزل للتضامن مع الأرملة، بينما وجه محافظ تعز نبيل شمسان رئيس محكمة الاستئناف القاضي أحمد الحمودي باستلام الملف وكلفه بمراجعة القضية والبت فيها بشكل عاجل، ووجه بتوفير سكن للمرأة وأسرتها حتى يتم حسم القضية.


ولم يتأخر القاضي كثيراً حتى خرج في السابع من إبريل في مؤتمر صحفي متحدثا عن النتائج التي توصل إليها في واحدة من أكثر القضايا التي استغلت سياسيا وجيرت ضد الإصلاح وقوات الأمن في تعز.


وكان مفاجئاً ما توصل إليه القاضي الحمودي حيث تبين أن الأرملة التي ظهرت في الفيديو ليس لها أي علاقة بالمنزل المهدوم ولا بالأرضية، وتبين أنها تسكن في حي آخر بالمدينة، ولديها منزلان ملك خالص لها هي وأولادها.


ووفق القاضي الحمودي فإن قرار الإزالة بني على إجراءات سليمة ومتفقة مع أحكام الشرع والقانون، وأن الإزالة تمت على المنزل محل القرار، وأن الذي قام ببناء المنزل هو "علي سيف علي مفرح"، أحد أطراف النزاع المعروض أمام المحكمة، وأنه هو من قام بتأجيره للمستأجر عبدالحميد سعيد عبدالسلام الشرعبي، وهو من استلم الايجار.


وقال: إن من كان يسكن في المنزل لحظة الهدم هو المستأجر الشرعبي، والذي أكد عدم معرفته بالأرملة التي ظهرت في الفيديو وقال بأنها حضرت بعد الإزالة.. مؤكداً أن المدعو "ياسين صلاح الشرعبي" الذي ظهر في أحد الفيديوهات مدعياً بانه عاقل المنطقة التي تقع فيها الأرضية محل النزاع، قد انتحل هذه الصفة.


واختتم القاضي الحمودي تقريره بتوجيه دعوة للإعلاميين والناشطين والكتاب والحقوقيين والمهتمين بالقضايا الإنسانية إلى أن يتحروا المصداقية في النشر والبعد عن الشخصنة والإساءة للآخرين.


وبالتزامن شنت حسابات على تويتر هجوماً موجها ضد الحكومة الشرعية، والقضاء وقوات الأمن في محافظة تعز، واتهموها كما اتهموا الإصلاح بهدم منازل الأيتام، وتدمير بيوت المساكين.


وتعتبر حادثة قتل الجندي محمد المغربي، إحدى القضايا التي لقيت رواجاً واسعاً على وسائل التواصل الإجتماعي، وتبنت وسائل إعلام إماراتية نقل رواية تحريضية ومتناقضة موجهة ضد الجيش والحاضنة السياسية في محافظة تعز.


ففي تقرير نشره موقع العين الإماراتي بعنوان (تعز اليمنية.. مسرح للفوضى برعاية مليشيات الإخوان) ألقى التقرير بالمسؤولية على حزب الإصلاح، ناقلاً ذلك عن مصادر في تعز.


ومن خلال استعراض ما نشرته عدد من المواقع الالكترونية، فقد لوحظ اتفاقها على استهداف الجيش والقوى الداعمة للحكومة، لكنها تناقضت في الجهة التي تقف وراء عملية تصفية الجريح محمد المغربي.


ففيما اتهمت العين الإماراتية عبده فرحان المخلافي (سالم) ومن وصفتها بمليشيا الحشد الإخواني بقتل المغربي، نشر موقع يسمى "تعز اليوم" رواية مناقضة ذكر فيها أن المنفذين مقربون من نجل العميد صادق سرحان قائد اللواء 22 ميكا.


وبعيداً عن سالم وسرحان ذهبت مواقع أخرى كـ"صدى الساحل"، و"شبكة صوت الحرية" إلى اتهام "همام مرعي" قائد اللواء 170 ميكا بالوقوف خلف جريمة الاغتيال، بينما استغلت 15 منظمة حادثة قتل المغربي لإصدار بيان هاجم الجيش الوطني في تعز واتهمته بالتستر على قتلة المغربي و250 مواطناً في مدينة تعز.


وهكذا يتم استغلال الحوادث الأمنية والقضايا الجنائية، التي يتورط في كثير منها مسلحون شاركوا في المقاومة المسلحة وتم ضمهم للجيش والأمن، للتحريض ضد مؤسستي الجيش والأمن اللتين تمثلان حجر الزاوية في مقاومة مليشيا الحوثي الإرهابية ومشروعها الفكري الذي يستهدف هوية وتاريخ اليمن.


ويتضح من خلال الحملات المضللة التي تتبعها التقرير قيام الإعلام الإماراتي والممول عن طريقها بتوجيه الرأي العام نحو استهداف البيئة السياسية الحاضنة الداعمة للجيش الوطني والمقاومة وقوات الأمن في تعز، والتركيز على أن هذه المؤسسات عبارة عن تشكيلات مسلحة تابعة للأحزاب وتنفذ أجندة حزبية.


ووفق مراقبين فإن فشل الإمارات في تسليم محافظة تعز لمليشيات خارج نطاق الدولة تعمل لصالحها، وتحويل المحافظة إلى ساحة لصراع المشاريع الخارجية، دفعها لتمويل حملات مضللة لتشويه صورة تعز، لضرب استقرارها من الداخل، يساعدها على ذلك عدم تعامل الجيش والأمن بكفاءة وصرامة مع عصابات مسلحة تمتهن البلطجة على إيرادات الأسواق الشعبية والأراضي، وتورط ضباط وقيادات عسكرية وأمنية في المدينة في تشغيل تلك العصابات لصالحها.